فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

الوقاية من العنف الاسري

القراء : 10038

الوقاية من العنف الاسري

 
السيدة لطيفة توفيق
قاضية ملحقة بوزارة العدل بالمغرب
                  
ما من شك في أن الأسرة هي الخلية الأساسية في جسم المجتمع الكبير، والمركز الذي يمتد من خلاله المجتمع ليشكل وحدة بشرية مترابطة، يصلح معها إن صلحت وينهار إن هي فسدت.
لهذا، كان لابد من تحصينها وحمايتها ضد كل الظواهر التي من شأنها تهديدها وتفكيكها.
ومن هذه الظواهر التي لوحظ تهديدها لتماسك الأسر، من خلال دراسات ميدانية متخصصة، ظاهرة العنف الأسري التي تختلف تجلياتها بين أسرة وأخرى، من عنف ضد الأصول إلى عنف ضد الأطفال إلى عنف بين الزوجين.

والملاحظ، أن العنف بين الزوجين داخل الأسر  يطغى عموما على العلاقات الأسرية، وهو عادة ما ينعكس بشكل مباشر على الأبناء الذين يعايشون عدم الترابط بين الوالدين والعدوان اللفظي والعنف في المعاملة بينهما، فيتولد لديهم بدورهم العدوان وسوء المعاملة التي قد تصل إلى حد الجنوح.
والعنف كظاهرة، لا يمكن إلا أن يتأسس على علاقات قوة بين شخصين على الأقل، بحيث يحاول احد الطرفين بسط نفوذه على الآخر بوسائل العنف والإكراه النفسي والمعنوي، أي انه يعبر عن رغبة شخص ما في ممارسة سلطته وتجسيد إرادته في العلو والقوة والسيطرة على الآخر وإهانته إذا اقتضى الأمر ذلك، من خلال الانتقاص من قيمته والتحرش به إلى أن يخضع ويستسلم.
لذلك، فان اللجوء إلى العنف في العلاقات الشخصية، إضافة إلى انه يعبر عن أزمة في العلاقة وإخفاق في التواصل، فهو يعكس وجود علاقات سيطرة لا تزال تطبع الروابط بين الجنسين عموما، بحيث كثيرا ما يبدو فيها العنف الذكوري داخل الأسرة بمجتمعاتنا وكأنه آلية من آليات الضبط والتحكم في النساء، وان كان هذا لا ينفي طبعا وجود أشكال أخرى من العنف التي تسلطها النساء على مثيلاتهن أو على الأطفال وقلما على الرجال.
وإذا كان العنف الأسري - الزوجي خاصة- في حد ذاته يتخذ طابعا كونيا ويتمظهر بأشكال مختلفة في كل مجتمعات العالم فان حدته تختلف من مجتمع إلى آخر كما تتفاوت أشكال مقاومته ومواجهته.

ومن اجل التصدي لظاهرة العنف الأسري وانعكاساتها السلبية على مكونات الاسرة ولاسيما المرأة، مع ما يترتب عن ذلك من إضعاف لقدرة هذه الأخيرة على المشاركة في جهود التنمية، وعى المشرع المغربي بضرورة البدء بتطويق العنف الممارس على النساء أساسا، على اعتباره الصورة السائدة للعنف المرتكب في الوسط الاسري.
فعلى مدى السنوات الممتدة من 2001 إلى 2004، لوحظ في المغرب أن الجرائم المرتكبة ضد النساء والصادرة عن أزواجهن في اطراد مستمر، حيث شكلت نسبة حوالي 21 %سنة2001، 36% سنة 2002، 34 % سنة 2003، ونسبة 38% سنة 2004 من الجرائم المسجلة ضد النساء. وقد يكون هذا الارتفاع الملاحظ، راجعا على الأرجح إلى رفع الصمت عن هذا النوع من العنف، الذي كان مسكوتا عنه فيما قبل، عبر الحملات التحسيسية التي قادتها -خلال هذه السنوات- بعض القطاعات الحكومية والجمعيات بتعاون مع بعض المنظمات الدولية.

على أن قضايا العنف ضد المرأة عموما عرفت سنة 2004 انخفاضا في عدد القضايا المسجلة، مقارنة مع السنة السابقة لها بنسبة حوالي 3% . ولعل السبب بالأساس يكمن في الجهود المبذولة على مستوى محاربة هذه الآفة، والتي ركز فيها المشرع المغربي على تطويق الظاهرة من خلال التصدي، أولا، للعنف القانوني الذي يكرس الممارسات التمييزية بين الجنسين وذلك من خلال مراجعة شملت القوانين والتشريعات التي تكرس اللامساواة والحيف في التمتع بالحقوق أو تبيح للرجل   -خاصة- القيام بسلوكيات وأفعال موجهة للمرأة تتسم بالعدوانية )أولا:التدابير التشريعية للوقاية من العنف الأسري(، من جهة.
و على اعتبار القضاء هو المؤسسة القانونية المؤهلة قانونا لتأويل النصوص والسهر على توحيد تفسيرها وحسن تطبيقها كان لابد، من جهة أخرى، من إعداده وتأهيله للانخراط بفعالية لتحقيق الأهداف المرجوة )ثانيا: التدابير التطبيقية للوقاية من العنف الأسري(.

اولا: التدابير التشريعية للوقاية من العنف الأسري
لقد عرف المغرب دينامية جديدة في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، كرستها الإصلاحات المؤسساتية التي همت مراجعة اختصاصات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وتأسيس ديوان المظالم، إلى جانب إعادة النظر في مجموعة من القوانين المتعلقة بالحالة المدنية والمسطرة الجنائية والمسطرة المدنية وإصدار مدونة الشغل.
وقد مكنت هذه الدينامية الجديدة، من خلال الحرص على صيانة المرأة، من تكريس مبادئ المساواة والعدل، مما جعل المغرب يتوفر اليوم على تشريعات وطنية، عصرية، تترجم روح ديننا وبنود الدستور وتتطابق مع الاتفاقيات والمعاهدات والقرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة التي تمت المصادقة عليها. وقد تم تتويج هذا الورش الإصلاحي والتشريعي بإصدار مدونة الأسرة التي حظي مسلسل إعدادها بعناية ملكية خاصة، واعتبر بشهادة الجميع طفرة تاريخية ونوعية في مجال تكريس المساواة بين الرجل والمرأة.

أ- على مستوى الاتفاقيات الدولية :
أبانت الدراسات والتقارير الدولية التي قامت برصد ظاهرة التمييز المبني على الجنس أن المجتمع، الذي تعتبر الأسرة إحدى لبناته، والذي تخترقه مظاهر العنف والإقصاء والتمييز المبني على الجنس لا يمكنه أن ينتج تنمية، بالنظر لما لهذه الظواهر من تكلفة اقتصادية واجتماعية تؤدي إلى حرمان المرأة من المساهمة الكاملة في الإنتاج، وبالتالي إلى إعاقة جهود التنمية.
وقد ساهمت مصادقة المغرب على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1993، في إقرار مقاربة جديدة للحقوق الإنسانية وتعزيز الترسانة التشريعية والقانونية الكفيلة بالتقليل بل والقضاء على مختلف أشكال اللامساواة بين الجنسين.
وقد تعزز هذا المسار، بما حرص عليه المغرب من الانتظام في وضع التقارير الخاصة بتتبع تنفيذ الاتفاقية، وما يبذله من جهود لإعمال التوصيات الصادرة في اطار هذا التتبع، فضلا على مواصلة الدراسات الرامية إلى رفع التحفظات المقدمة، وبالتالي استكمال اندماجه في المنظومة الحقوقية الدولية.
ومع انخراط المغرب الفعال في الدينامية الدولية التي استهدفت في مرحلتها الأولى كسر الصمت الذي ظل يحيط بظاهرة العنف، تم تنظيم أول حملة وطنية سنة 1998 لمحاربة العنف ضد النساء، وعقدت عدة ملتقيات وطنية وحملات تحسيسة، كما تم إنجاز الدراسات والأبحاث اللازمة من طرف القطاعات الحكومية المعنية وجمعيات المجتمع المدني، حيث ساهمت في تحسين الوعي بضرورة محاربة هذه الظاهرة الاجتماعية.
وتدعيما لهذه الجهود، بادر المغرب سنة 2001 إلى وضع استراتيجية وطنية لمحاربة العنف الممارس ضد النساء باعتبارهن إحدى مكونات الأسرة، شاركت في بلورتها مختلف القطاعات الحكومية المعنية والجمعيات النسائية والمنظمات الحقوقية ومراكز الاستماع والإرشاد القانوني للنساء ضحايا العنف، وتم على ضوءها رصد أبعاد هذه الظاهرة وتجلياتها وتحديد مهام مختلف الأطراف المعنية، وضبط التدابير التي يتعين اتخاذها على المستوى القانوني، وفي مجالات التوعية والتحسيس وتكوين الموارد البشرية المختصة وكفالة النساء ضحايا العنف وتتبع أوضاعهن.
وتعزيزا لأدوات محاربة العنف المسلط على الأسرة وعلى المرأة بصفة خاصة، تم إقرار عدة إصلاحات على مستوى الترسانة القانونية، تدعيما للمركز القانوني للمرأة وتكريسا لعدم تمييزها على الرجل وذلك من اجل تأمين الاستقرار في الأسرة وحمايتها مما قد يشوب استمراريتها.  فقد تصدى المشرع " للعنف القانوني" المسلط على المرأة والذي قد يكون مصدرا للعنف الأسري من خلال عمله:

ب- على مستوى القانون الجنائي، على:
1- إزالة التمييز القائم سابقا بخصوص منح عذر مخفف بالنسبة للزوج الذي يرتكب أفعال القتل والعنف ضد زوجته وشريكها في حالة التلبس بجريمة الخيانة الزوجية، وبذلك أصبحت ظروف التخفيف سارية على الزوجين معا 418 ق ج.
2- تعزيز الحماية الجنائية للمرأة من خلال تعديل القانون 24.03، الذي رفع إلزامية السر المهني عن الأطباء ومساعديهم للتبليغ عن أفعال العنف، أيا كان نوعها، المرتكبة اتجاه المرأة عموما ومن طرف زوجها على وجه الخصوص متى بلغت إلى علمهم أثناء ممارستهم لمهامهم الفصل 446 من ق.ج.
3- اعتبار كل الجنح التي يرتكبها الزوج في حق زوجته متماثلة لتقرير حالة العود الفصل 158 من ق.ج.
4- عقاب حالات الإيذاء المؤدي إلى إجهاض المرأة الحامل خاصة عندما يقع هذا الإجهاض بالعنف، حيث يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وقد تصل العقوبة إلى السجن من عشر إلى عشرين سنة إذا نتج عنه الموت الفصل 449 من القانون الجنائي.
5- تجريم اختطاف المرأة المتزوجة أو التغرير بها 494 واختطاف     أو التغرير بقاصرة بدون استعمال العنف الفصل 475.

ج- على مستوى قانون المسطرة الجنائية:
1- إلغاء مقتضيات الفصل 336 الذي كان يفرض على الزوجة الحصول على إذن لتنصيب نفسها مطالبة بالحق المدني في مواجهة الزوج.
2- إقرار عدم انتهاك حرمة المرأة عند التفتيش وذلك بتعيين امرأة للقيام بذلك.
3- عدم تنفيذ الإكراه البدني على المرأة الحامل أو المرضع في حدود سنتين من تاريخ الوضع.
4- إتاحة الفرصة للجمعيات ذات المنفعة العامة للتنصيب كطرف مدني إذا توفرت على مدة أربع سنوات من الممارسة بصفة قانونية قبل ارتكاب الفعل الجرمي ضد المرأة.

د- على مستوى مدونة الأسرة:
1- منع التعدد وعدم السماح به إلا بإذن قضائي، وعند وجود مبرر استثنائي، بعد توفر الشروط التي تبرره والمنصوص عليها قانونا، وعلى الأخص عند موافقة الزوجة الأولى.
2- إلزام المحاكم في قضايا النفقة بالحكم بمبالغ ملائمة مع إمكانية اللجوء إلى الخبرة في هذا المجال.
3- تحديد وسائل أداء التكاليف وبانتظام مع إمكانية الاقتطاع من المنبع للحد من الإفلات والامتناع عن الإنفاق.
4- قابلية مسطرة إهمال الأسرة للتحريك بعد التوقف عن الأداء ولو لشهر واحد مع إلزام القضاء بالبت في اجل أقصاه الشهر.
5- تخويل النيابة العامة سلطة إرجاع الزوجة المطرودة من بيت الزوجية في الحال، مع اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحمايتها وأمنها.
6- إقرار الضرر المعنوي صراحة كسبب للتطليق مع تكريس مرونة الإثبات والسرعة في البت الذي لا يجب أن يتجاوز الستة اشهر كأقصى حد.
7- عدم قابلية الحكم في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية لأي طعن كيفما كان نوعه.

ه- على مستوى مدونة الشغل:
تتعلق المقتضيات الجديدة بمدونة الشغل أساسا بالمرأة العاملة، التي أحيطت من خلالها بحماية خاصة، لها دون شك وقعها الايجابي على نفسية المرأة، وبالتالي على سلوكها داخل الأسرة، بما له من آثار على إذكاء العنف الأسري أو الحد منه. ذلك أن هذه المقتضيات، وان كانت لا تتعلق بالقضاء على العنف الأسري بشكل مباشر، فهي ترصده بشكل غير مباشر من خلال عنايتها بالمرأة، وتحصينها ضد كل ما من شأنه كسر خاطرها وإحباطها، ومن تم تأجيج العنف داخل أسرتها.
ومن أهم الإصلاحات التي جاءت بها هذه المدونة تكريما للمرأة بالاساس، وحماية لها من الضغط والعنف الذي قد يمارس عليها، ومن خلالها الأسرة:  
1- تكريس مبدأ مساواتها بالرجل في العمل والحفاظ على خصوصيتها بحمايتها من أي شكل من أشكال العنف أو التمييز أو التحرش الجنسي.
2- تمتيعها بالحماية القانونية أثناء فترة الحمل وبعد الوضع.
3- تقييد اشتغال النساء ليلا بضرورة مراعاة الوضع الصحي والاجتماعي للمرأة ومنع تشغيلها في بعض الأعمال الشاقة كالمقالع والمناجم والأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليها أو تفوق طاقتها أو يترتب عنها ما يخل بالآداب.
4- السماح لها بممارسة الحق النقابي موازاة مع الرجل وتمتيعها بكافة الضمانات والرخص التي ينظمها عقد الشغل.
و- على مستوى قانون الحالة المدنية:
1- أوكل المشرع إلى الأم على قدم المساواة مع الأب واجب التصريح بالولادة، وأعطاها كذلك حق التصريح بالابن المجهول الأب واختيار اسمه الشخصي والعائلي.
2- منح الزوجة أو المطلقة حق الحصول على نسخة من الدفتر العائلي، لتكون في منأى عن أي ضغط يمكن أن يمارسه الزوج عليها فيما يتعلق بوثائق الأبناء.

ز- على مستوى مدونة التجارة:
ألغى المشرع المغربي المادة 17 منها والتي كانت تقضي بحرمان المرأة المتزوجة من ممارسة التجارة بدون إذن الزوج، لما لهذا المقتضى من انعكاس على علاقة الزوجين، في حال تمسك الزوجة بحقها في التجارة ورفض الزوج الترخيص لها بذلك.
ح- على مستوى قانون الجنسية:
في ضوء إعلان صاحب الجلالة في خطاب العرش لسنة 2005 عن وجوب معالجة الاختلالات الموجودة في قانون الجنسية، يجري الآن بحث إمكانية تخويل الحق في اكتساب الجنسية المغربية للأبناء المنحدرين من أم مغربية.

ثانيا:التدابير التطبيقية للوقاية من العنف الاسري
إن الإصلاحات التشريعية التي عرفها المغرب والتي تصب جلها في تكريس المساواة بين الرجل والمرأة بالشكل الذي يحد من العنف الأسري- الذي تكون بعض المقتضيات القانونية التمييزية مصدرا له أحيانا- لا يمكن أن تحقق الأهداف المرجوة منها، في غياب قضاء مؤهل- سواء على مستوى الحكم أو على مستوى النيابة العامة - كفيل بالتعامل مع المشاكل الأسرية بما يضمن لم الشتات وجبر الخواطر وإرجاع السكينة إلى أفرادها، أو على الأقل تفرقة رباطها بما يحفظ للكل جانب حقوقه وكرامته.
ولأجل تقوية حضور القضاء ليكون في مستوى الرسالة المنوطة به في الشأن الأسري، كان لابد من التفكير في تعزيز التخصص في هذا المجال من خلال إحداث أقسام القضاء الأسري -أ- وكذا من خلال دعم مكانة النيابة العامة كمدافع عن الحق العام وعن الطرف المحتاج الى مساعدة في قضايا الاسرة، مع إعطائها إمكانيات التدخل لاتخاذ ما تفرضه المواقف من إجراءات

أ- إحداث أقسام لقضاء الأسرة: 
لان القضاء هو الآلية الفعالة والفاعلة لتطبيق القوانين، كما انه الفضاء الطبيعي لتصريف القضايا، كان لابد من تأهيله لتوكل إليه صلاحية البت في المشاكل التي تعرفها الأسرة. فكان العزم على إحداث أقسام لقضاء الأسرة بعد مبادرة صاحب الجلالة إلى مباركة توصية تقدمت بها اللجنة الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، وذلك بهدف تعزيز التخصص داخل المحاكم ولتسهيل وتبسيط المساطر وإيجاد الحلول للمشاكل التي تعترض الخلية الأولى في المجتمع وهي الأسرة؛ مع إيجاد الإطار الملائم والمؤهل لتطبيق مدونة الأسرة التي أتت بمنظور واختيارات جديدة.
ولتجسيد هذه الإرادة تم العمل على تخصيص جناح في المحاكم الابتدائية ليكون قسما متكاملا يختص بالبت وتصريف القضايا ذات الصلة بموضوع الأسرة ومنها:
قضايا الحالة المدنية- كفالة الأطفال المهملين- إهمال الأسرة- العنف الأسري.
ويضم قسم الأسرة إلى جانب النيابة العامة التي تتواجد في قضايا الاسرة كطرف اصلي، هيئة الحكم بشكليها المتنوع بين قضاء فردي وقضاء جماعي حسب التعديل الجديد للتنظيم القضائي، بالإضافة إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين والقاضي المكلف بالزواج والذي أحدث بمقتضى التعديل الذي اقتضته المدونة وكذا قاضي التوثيق كل حسب اختصاصاته المحددة في المدونة وفي قانون المسطرة المدنية.
وللقضاء الأسري طابع خاص لا يكمن في تطبيق القانون وتصريف العدالة فحسب، بل يذهب إلى ابعد من ذلك حيث إن الطابع الإنساني هو هاجس قضاة الأسرة، لان العدل بالنسبة إليهم ليس هو التطبيق الحرفي للقانون فحسب، وإنما استنهاض الهمم لإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف، وتضع حدا للتوتر داخل الأسرة.
 ومن هذا المنطلق تم الحرص على إخضاع قضاة الأسرة لتدريبات وتكوينات تؤهلهم لحل مشاكل الأسرة بالشكل الذي يتناسب وحساسية الموضوع الذي يقتضي السرية وسرعة البت في غير عجلة، والاعتماد على البحث الاجتماعي وإعطاء الأهمية للاستماع والاستئناس بالعائلة والتدخل السريع لتصريف وتطويق كل ما من شانه أن يؤدي إلى ما لا يمكن تداركه. هذا التدخل الذي تم الحرص على تهيئ النيابات العامة للقيام به في انسب الظروف.

ب- تطويق العنف الأسري على مستوى النيابات العامة
وعيا من وزارة العدل المغربية بان الإصلاحات التشريعية وحدها لا يمكن أن تحقق النتائج المستهدفة في غياب ترجمتها على ارض الواقع، من خلال التعاون مع كافة مكونات المجتمع المدني،رحبت هذه الوزارة بكل المشاريع الصادرة عن مختلف هذه المكونات، والتي استهدفت المساهمة في رفع جميع أنواع العنف ضد المرأة وضمان الحفاظ على كرامتها، كما بادرت إلى مساندة البرامج الداعمة والمساعدة على تلبية الاحتياجات الخاصة للنساء ضحايا العنف، إضافة إلى أنها أحاطت هذه التجربة بكل ما تستحقه من رعاية وإعداد لأسباب نجاحها.
وفي هذا النطاق، عقدت عدة لقاءات مع عدة جمعيات نسائية لإثراء الحوار وخلق مناخ يكون إطارا ينصب في المقترحات لبلورته على ارض الواقع تشريعيا وتطبيقيا، كما تمت المشاركة في عدة ندوات وملتقيات تمحورت حول تدارس سبل تطويق ظاهرة العنف الأسري والقضاء عليها .

 وبناء على ذلك، بادرت وزارة العدل إلى إصدار دورية تتضمن عدة توصيات للنيابات العامة تجسد الوسائل  الكفيلة بمواجهة ظاهرة العنف والاعتداءات التي تستهدف الأسرة والتي غالبا ما تكون منصبة على النساء؛ وقد تم على ضوئها:
- تعميم تكوين خلايا استقبال النساء المعنفات على كافة النيابات العامة في المملكة.
- دعوة الجمعيات ذات الاهتمام بموضوع محاربة العنف ضد النساء من طرف كافة النيابات العامة، وذلك من اجل التنسيق معها في الموضوع والانتظام في عقد اللقاءات معها.
- تعميم التعامل من طرف النيابات العامة مع الفاعلين في مجال محاربة العنف ضد النساء من القطاعات الحكومية خاصة منها قطاع الصحة.
- تكليف العنصر النسوي سواء على مستوى النيابات العامة أو على مستوى الضابطة القضائية بالتعامل مع ملفات العنف الموجه ضد المرأة.
- ضمان المساعدة القضائية والمساندة على مستوى الدفاع، للنساء ضحايا العنف في حالة احتياج.
- رصد الظاهرة من طرف النيابات العامة من خلال استمارات أعدتها لهذا الغرض.
- إعداد مطويات توجيهية لنشر المعلومة القانونية والقضائية تستهدف توعية النساء المعنفات.
- تتبع وزارة العدل  والسهر على حسن تطبيق النيابات العامة لمضامين دوريتها في الموضوع، وذلك من خلال خلايا خلقت لهذا الغرض، ومن خلال عقد اجتماعات دورية مع المسؤولين القضائيين.
- تنظيم أيام دراسية هادفة إلى تمتين الشراكة مع باقي القطاعات الحكومية المعنية وكذا فعاليات المجتمع المدني في مجال تطويق العنف ضد النساء.

هذا، وتكثيفا للجهود التي بذلت ولازالت تبذل في المغرب من اجل تطويق ظاهرة العنف الأسري -والتي عادة ما يطغى عليها العنف الموجه ضد النساء - ما فتئ  التواصل مستمرا بين مختلف الشركاء بالقطاعات الحكومية والجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان والنهوض بأوضاع المرأة على وجه الخصوص من خلال عقد اللقاءات، لتبادل وجهات النظر حول أنجع السبل الكفيلة بلم شتات الأسر أو على الأقل ضمان كرامة وحقوق أفرادها.

وفي هذا الإطار نظمت وزارة العدل خلال شهر اكتوبر من هذه السنة يوما دراسيا تحت شعار " انطلاق الشراكة من اجل تطويق العنف ضد النساء" بتعاون مع كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين وصندوق الأمم المتحدة للسكان ترأسه السيد وزير العدل وحضره ممثلون عن القطاعات الحكومية المعنية بمحاربة العنف ضد النساء، وممثلين عن منظمات تابعة للأمم المتحدة، تم خلاله تقييم المراحل التي قطعت في مجال محاربة العنف ضد النساء، وتعزيز التنسيق بين النيابات العامة ومراكز الاستماع والإرشاد القانوني للحد من ظاهرة العنف، وتحسين مستوى التكفل من طرف مراكز الاستماع في المجالات القانونية والنفسية والصحية والاجتماعية.
وعبر التعاون الدولي، يعمل المغرب على الاستفادة من التجارب الدولية الرائدة في مجال مكافحة العنف ضد النساء. وفي هذا السياق، تم تنظيم جولة تكوينية خلال شهر نوفمبر الماضي باسبانيا، استفاد منها عدد من قضاة واطر وزارة العدل، إضافة إلى عدد من اطر القطاعات الحكومية المعنية بمكافحة العنف ضد النساء، وذلك بهدف تطوير أنظمة التعاون القضائي الدولي وكذا آليات المساعدة القضائية للأشخاص في ظروف صعبة. وخلق شبكة وطنية لمساعدة النساء ضحايا العنف من اجل تقوية ودعم الآليات المتبناة من طرف وزارة العدل في هذا المجال.

والمغرب الآن بصدد دراسة إمكانية إحداث مراكز مختصة لإيواء النساء ضحايا العنف، ومساعدتهن على تجاوز آثار محنتهن، وإيجاد إطار قانوني لهذه المراكز، وكذا توفير أماكن خاصة لاستقبال النساء ضحايا العنف بمراكز الشرطة والدرك، مع العمل على تفعيل آليات الصلح كلما أمكن ذلك قبل اللجوء إلى القضاء الزجري حفاظا على النسيج الأسري، وكذا الاستعانة بالباحثات أو المساعدات الاجتماعيات في هذا الشأن.
كما أن العمل جار لمد جسور التعاون بين وزارة العدل وكتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين، لدعم مشروع مشترك لإحداث رقم أخضر للنساء ضحايا العنف -بما في ذلك الزوجي منه- وذلك بهدف ضمان التدخل السريع وتقديم الخدمات اللازمة والملائمة.
على أن القضاء على ظاهرة العنف الأسري، لا يمكن أن يتم في غياب البرامج الإعلامية والتحسيسية، حول حقوق المرأة ومكافحة العنف ضد النساء، بما في ذلك الخطب والوعظ والإرشاد الديني؛ مع العمل على تكوين الفاعلين في مجال مناهضة العنف ضد هذه الشريحة من المجتمع.

 أطبع الدراسة أرسل الدراسة لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6531499 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة