فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

دور الإعلام في معالجة العنف الأسري

القراء : 8220



دور الإعلام في معالجة العنف الأسري

- تبدو محاولة معرفة (الكيفية)التي تناولت بها وسائل الإعلام-وفي مقدمتها التلفزيون- ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتنا،صعبة ومتشابكة من جهة، وسهلة يمكن رصدها والوصول إليها وتحليلها من جهة ثانية، خلافاً للدراسات أو الأبحاث الميدانية التي تجابه مجموعة معقدة ومربكة من التحفظات والمعوقات والمخاطر، ذلك أن الباحث يدخل بشخصه وصفته كغريب إلى منطقة من المناطق المحظورة، يعد الدخول إليها هتكاً لحجب وأسرار وعلاقات شديدة الخصوصية.

أما الإعلام ونظراً لكونه تجلياً من تجليات الثقافة السائدة في المجتمعات، فهو يقدم بشكل واع أو غير واع في آن، صورة تلامس الواقع وتعبر عن الذهنية التي تحكم السلوكيات والمواقف. ورغم قلة عدد الدراسات والأبحاث العربية المتوافرة حول ظاهرة (العنف الأسري)،- مع ملاحظة أنها لم تبدأ في أوروبا أو أميركا على سبيل المثال قبل عام 1970- إلا أن مراجعتها تشير إلى اعتمادها مجموعة من الأسباب والدوافع المولدة لهذه الظاهرة، وتتمثل في:
- الدوافع الذاتية.
- الدوافع الاقتصادية.
- الدوافع الاجتماعية.
- الثقافة المجتمعية (أساليب تربوية/ مفاهيم دينية مغلوطة/ قوانين وتشريعات / إعلام / موروث شعبي وديني......).
ورغم تركيز الدراسات على هذه الدوافع، وعلى الأبعاد المرتبطة بواقع المجتمعات السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إلا أننا نقرأ من خلال كل ذلك هو أن التفاوت الكبير بين المجتمعات من النواحي السياسية (أشكال وأنماط أنظمة الحكم والأوضاع القائمة)، النواحي الاقتصادية (مستوى المداخيل والرفاه أو البؤس المادي)، الاجتماعية( أساليب التنشئة، التعليم، أنماط السلوك)، هذا التفاوت يقل ويتضاءل فيما يخص ممارسة (العنف الأسري)، بمعنى أن كثيراً من الحجج والذرائع التي تساق لتبرير الظاهرة ترصد ما هو ظاهر وتوضح ما هو واضح، ولا تولي الاهتمام الكافي لجانب هو الأشد تجذراً والأصعب معالجة ألا وهو الجانب الثقافي.وربما كان ذلك واحداً من الأسباب التي تقود إلى وضع الخطط واجتراح الحلول-قصيرة الأمد- وإرجاء أو إهمال الخطط-بعيدة الأمد- والدليل على ذلك أن الإعلام بصفته الحامل المعبر عن الثقافى السائدة كسلوك حياتي وعن الذهنية كطريقة تفكير وعن الرؤية التي تحكم انتاجاً معرفياً وفنياً، هذا الإعلام بقي يغرد على طريقته وكان بذلك إما هادماً لما يحاول الآخرون بناؤه، و أما محاولاً البناء بطريقة ظرفية وسطحية لاتؤسس للتغيير ولا تحمل صيغة المشروع، بل تؤدي واجباً لا نبرؤه تماماً من الدعائية.

وليس القصد من هذا التوصيف لدور الإعلام-فيما يتعلق بظاهرة العنف الأسري- تحميله كامل المسئولية، فالجهات الفاعلة الأخرى في الحياة العامة من رسمية وأهلية ركزت جهودها وأعمالها وخططها ضمن ما أطلقنا عليه صفة (قصيرة الأمد) بسبب طبيعة عملها ونوعيته وميادينه التي تقتضي العملانية وسرعة التحرك. أما فيما يتعلق بالإعلام فالأمر نوعيته وميادينه التي تقتضي العملانية وسرعة التحرك، أما فيما يتعلق بالإعلام فالأمر يتعدى ذلك. لقد أصبح من ناقل القول تكرار الحديث عن كوننا نعيش في عصر المعرفة وان القسم الأكبر من هذه المعرفة يتلقاه الناس عن طريق أجهزة الإعلام-تحديداً المرئي منه- خاصة المجتمعات النامية، حيث (تفيد تقارير بحثية أن 90% من المكونات الثقافية للإنسان العربي، يحصلها من مشاهدة برامج التلفزيون وهو أمر يطاول جميع الأجيال من الأطفال إلى الكهول فالشيوخ من دون استثناء، مما يعني أن النظر فيما تبثه هذه الوسائل يشكل مادة تساعد على تحليل الذهنية السائدة وميادينها بسلبياتها وإيجابياتها). هذا إضافة إلى معدلات الأمية المرتفعة خاصة بين النساء والأطفال وإلى الظروف الصعبة التي تعانيها هذه المجتمعات على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ودون الدخول في تفاصيل كل ذلك، إلا أن ما نحاول الانتهاء إليه هو أن الإعلام يجب أن يلعب دوراً مختلفاً، دوراً رئيسياً وفاعلاً على الطريقة الإيجابية، أي أن يكون تنويرياً توعوياً وكاشفاً، وأن يكون أحد أكثر الوسائل استعمالاً وفاعلية في عمليتي التربية التنمية. لقد أجمعت الدراسات العربية والعالمية التي تناولت ظاهرة العنف الأسري على أهمية دور الإعلام ومركزيته، لكنها تناولت الأمر بعجالة مسلطة الضوء على نقاط بعينها كررتها وربطتها بالمرأة ربطاً يكاد يكون حصرياً، وأهملت إلى حد كبير صورة (الأسرة) من حيث بنيتها، نوعية العلاقات السائدة بين أفرادها، طريقة التعامل والعيش، والسلوكيات الممارسة ضمن نطاق المنزل والذهنية التي تحكم ذلك كله.

كما أنها لم تبين ماذا فعل وماذا قدم الإعلام في موضوع العنف الممارس ضد الأطفال في الحياة الخاصة والعامة، بل نظر أغلبها إلى الأمر من زاوية تأثير العنف الموجود في برامج الأطفال على الأطفال، خاصة من أفلام الرسوم المتحركة.

إن سؤالاً مثل: ما هي الصورة التي قدمتها وسائل الإعلام عن الأسر العربية، سؤال هام ومحوري في محاولتنا لرصد ظاهرة (العنف الأسري)، فهذه الصورة تشير بشكل أو بآخر إلى لأدوار المحددة لكل فرد من أفراد الأسرة وفق ما هو سائد في المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وإلى نوعية العلاقات والسلوك النابعين من البعد الإجتماعي والثقافي بكل مكوناتهماـ فكيف إذا حصرنا هذه الصورة ضمن إطار ظاهرة العنف؟

إن تعريف العنف كفعل أو سلوك يمارسه طرف ضد آخر بهدف إخضعه وترويضه يعني علاقة غير متكافئة بين طرفين يمارس فيها العنف من هو أقوى على من هو أضعف، من يعتبر نفسه سيداً مسوداً، من بيده السلطة والمال أو القوة المعنوية أو الجسدية، فهل يطبق هذا التعريف على واقع الأسرة العربية؟، مما لا شك فيه أن هذه العائلة ورغم سيادة النظام الأبوي ووجود العلاقة غير المتكافئة، قد تعرضت إلى تحولات عديدة بحكم المتغيرات والتحولات والظروف(الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية) التي يعيشها كل العالم، مما كان له انعكاس كبير على الأدوار وعلى العلاقات، خاصة بين قطبي الأسرة الرئيسيين الأم والأب، وعلى أساليب تنشئة الأبناء ضمن الأسرة أولاً ثم المدرة وكذلك في هيئات ومؤسسات المجتمع التي تسن وتقر وتصادق على قوانين واتفاقيات ومواثيق تلغي التمييز وتعطي للمرأة والأبناء حقوقاً ليس أقلها حق التعبير عن الرأي.

هذه التحولات أحدثت ارتباكاً ما في كيفية التعامل معها من حيث القبول بها-بحكم الأمر الواقع- من ناحية وفي رفضها والتنكر لها من ناحية ثانية، فإن اعتبرنا الإعلام وما يقدمه انعكاساً لحال المجتمع أمكننا رصد هاتين الناحيتين معاً، إذ يتجلى التباين والتناقض في الخطاب الإعلامي نفسه، بين المادة البرامجية:( ندوات/حوارات/برامج...) التي تترجم قبول الأمر الواقع أو التسليم به، وبين المادة الدرامية (مسلسلات/تمثيليات/أفلام...) التي تعكس رفضاً ضمنياً وتمسكاً بخطاب قديم. تفرض طبيعة المادة البرامجية التعبير المباشر والآني عن الواقع المعاش، وتكشف واقع الحال، تعلق على الأحداث وترصد حياة الناس وتنقل آرائهم ومواقفهم كما تحمل الرسائل المراد إيصالها إلى الجمهور وتروج للسياسات وتسوق الخطط التي تضعها الأنظمة، وتوظفها حسب المناسبات المختلفة. وقبل أن نخوض في كيفية مقاربة ومعالجة البرامج لظاهرة( العنف الأسري)، نسأل: هل كان من أهداف البرامج التي تعني بالشأن الإجتماعي التصدي لهذه الظاهرة في محاولة للحد منها أو الكشف عنها بقدر التوعية والتنبيه؟، وهل تم ذلك وفق خطة مدروسة أم كان جزءاً من حملة عامة؟، هل كان خاضعاً للبرمجة حسب المناسبات، أم هو مشروع تتبناه الدولة والإعلام شريك فيه؟، للإجابة على هذه التساؤلات، سنرصد ما يقدمه التلفزيون السوري في هذا المجال. يبث التلفزيون برامجه على قنوات ثلاث: القناة الأولى/القناة الثانية/القناة الفضائية، وتقدم الشاشات الثلاث عدداً من البرامج الاجتماعية والخدمية تتوزع كالتالي:

القناة الأولى: ستة برامج(لك/حديث الناس/مرايا المجتمع/معكم على الهواء/أمور عائلية/مكاشفات)
القناة الثانية:أربعة برامج(للشباب رأي/مصارحات/منبر المشاهدين/مساحة للحوار).
القناة الفضائية:خمسة برامج( خط أحمر/بلا رتوش/50% في أروقة المحاكم/ الناس للناس)
هذا إضافة إلى البرامج الجماهيرية اليومية: صباح الورد/نهار جديد التي يمكن أن تتناول المواضيع حسب المناسبات.
لدى مشاهدة عدد من حلقات هذه البرامج ومراجعة أرشيف المواضيع التي عالجتها نخرج بالملاحظات التالية:
*تعتمد غالبية هذه البرامج صيغة الحوار، بدءاً من استقبال ضيف أو أكثر، وانتهاء بوجود جمهور من المشاركين تتراوح مشاركتهم بين مجرد(التواجد)إلى إبداء الرأي والمشاركة في النقاش، مع استطلاعات مصورة ترصد آراء الناس حول موضوع الحلقة.
*تتسع مروحة المواضيع وتتنوع، حيث يمكن أن تتناول: المشكلات البيئية والمرورية والقانونية، كما المشكلات العائلية فيما يتعلق بالمرأة والطفل بشكل خاص.
*يمكن لجميع هذه البرامج أن تتطرق إلى نفس المواضيع، لذا فالمضامين تتشابه وتتكرر(مما يدل على غياب التسيق، وهذا مؤشر على عدم السياسة أو الرؤية الواضحة، في مجال القضايا الإجتماعية).
*غالباً ما يتناول موضوع(العنف الأسري)حسب المناسبات: يوم المرأة العالمي/اليوم العالمي للعنف ضد النساء/اليوم العالمي لبث برامج الأطفال/المؤتمرات والندوات وورشات العمل المحلية....)

والملاحظة البارزة هي: لمن تتوجه هذه البرامج ومن جمهورها؟، إنها موجهة إلى النخبة المثقفة والمهتمة أساساً بهذه القضايا والمتواجدة في جميع الفعاليات المتعلقة بها والناشطة في هذه الميادين، يدل على ذلك جميع عناصر العمل من طريقة الإعداد والتقديم وإدارة الحوار والشخصيات المستضافة، و النتيجة هي أن الجمهور الواسع والذي( يتلقى 90% من مكوناته الثقافية عن طريق التلفزيون)، يعزف عن مشاهدة هذه البرامج التي لم تأخذ في الحسبان أو لم تدرك الطرق المناسبة للدخول إلى عقله وقلبه. وهذا ما يؤكد (المشكلة) التي أشرناإليها سابقاً. ونعني بها الارباكات التي سببتها التغييرات والتحولات الحاصلة في العالم، ولم نستطع التعامل معها بحيوية بل بشعارات صماء وأدت إلى ازدواجية وتناقض الخطاب الإعلامي، والذي يمكن أن يكون واحداً من تجليات (التناقض الكبير الذي يمكن أن يسجله المراقب والمهتم بتاريخ الأفكار، فقد عادت مجموعة هائلة من التصورات التقليدية والرؤى المحافظة في موضوع دور النساء في المجتمع، لتنتعش في الخطاب واللباس وفي الطقوس اليومية، بهدف مواجهة التحول الذي حققته أليات المأسسة التي نقلت قضايا المرأة من المستوى المحلي إلى المستوى الكوني، وعمقت قضاياها بمحاولتها التفكير في أسئلة التنمية الإنسانية).

تبرز حدة تناقض (الخطاب الإعلامي) لدى رصد ومتابعة الأعمال التلفزيونية الدرامية مقارنة بالبرامجية، إذ يمثل الإنتاج الدرامي في غالبيته الرفض الضمني والتمسك بالخطاب القديم بل العائد إليه بقوة وإصرار(ترافقه المجموعة الهائلى من التصورات التقليدية والرؤى المحافظة في موضوع دور النساء في المجتمع). تتميز الدراما التلفزيونية بصلتها الواضحة والمحسوسة بالمجتمع، فهي ترسم صورة للناس وللعلاقات الإجتماعية وأشكال السلوك ضمن إطار من الظروف التاريخية والسياسية والإجتماعية، ولما كان دور الفن (كالضوء الكاشف حين يسلط على زاوية معتمة فيفضحها ويعريها ليجعل الجميع ينتبهون إليها، وهذه هي الرمحلة الأولى من مراحل التغيير)، فإن ما تقدمه الدراما التلفزيونية المحلية والعربية، هو الضوء الكاشف الذي يسلط على الزوايا التي يقصدها، لكنه ينير في طريقه بعض الزوايا الخفية التي لم يقصدها ونعني بها ما يتعلق بموضوع العنف الأسري، إذ لم تجر مقاربته مباشرة ولم تكتب الأعمال بهدف الكشف عن هذه ففي مسلسل(ذكريات الزمن القادم) للكاتبة ريم حنا و المخرج هيثم حقي، كان المسلسل يرصد تأثير التحولات الاقتصادية والسياسية والإجتمعية على حياة مجموعة من الأشخاص وما يسببه ذلك من تخلخل في منظومة القيم الأخلاقية، وتعثر وارتباك في السلوكيات، خاصة لدى جيل الشباب.

في هذا المسلسل برز موضوع العنف ضد المرأة-زوجة وأماً- وتأثير ذلك على أفراد الأسرة، وجاء كرد فعل لإحباط وقهر الرجل الذي يمارسه، والذي يؤدي به في النهاية إلى فقدان التوازن النفسي. وشكل هذا الطرح مدخلاً للحديث عن اتفاقية ( القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة-السيداو-).

أما في مسلسل (عصي الدمع) للكاتبة دلع الرحبي، ومن إخراج حاتم علي، فالحب هو فكرته الأساسية، و بما أن بطلة العمل كانت محامية لديها مشروعها الخاص فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، فإن القضايا التي تمت معالجتها جاءت تحصيل حاصل، إذ عالج المسلسل(العنف القانوني) الممارس ضد المرأة المطلقة، بعد (العنف النفسي) الذي سببه لها زوجها، وما تبعه من عنف اقتصادي (حقها في السكن) وعنف اجتماعي(الزواج ثانية)، تقول الكاتبة (وهي محامية أيضاً): إن كثيراً من القضايا التي عالجها المسلسل كان مكتوباً كدراسات قانونية ومنشوراً منذ فترة طويلة، لكن أحداً لم يقرأه، وحتى من قبل زميلات وزملاء المهنة ، ولهذا وجدت (الدراما) وسيلتها للوصول إلى الجمهور الواسع.

وهذا ما حصل أيضاً مع الكاتبة والطبيبة مية الرحبي، التي قالت أنها كتبت دراسات وأبحاثاً وقصصاً تتناول قضايا المرأة والطفل والأسرة ومنها قضايا العنف على وجه الخصوص، لكنها وجدت أن من يقرأ هو المهتم والناشط في هذا المجال، و بالتالي اتجهت إلى الدراما لإيصال أفكارها حول المرأة والأسرة والشباب المهمشين ولإلقاء الضوء على التمييز القانوي والإجتماعي ضد المرأة.

هذه المقاربات جيدة و مباركة وتشكل خطوة متقدمة، إلا أن المشكلة تكمن في تلك الدراما الأكثر شعبية وجذباً وتأثيراً والبعيدة عن الأفكار الكبيرة كما يقال، والتي تتكلم عن حياة الناس العاديين من خلال قصص عادية، ويخيل فيها للمشاهدين أنهم يرون أنفسهم، حاضرهم وماضيهم وماضي آبائهم. هذا النوع من الأعمال هو الأكثر انتشاراً ومشاهدة، وإقبالاً وتأثيراً كما أنه الأربح انتاجاً بحكم المنطق التجاري التسويقي.

إن محاولة لتطبيق عناصر العلاقة غير المتكافئة التي تحكم منطق(العنف الأسري) على محتوى هذا النوع من الأعمال، ستؤدي إلى نتيجة تكاد تصل حد التطابق:

*تقدم هذه الأعمال صورة للإعتداء النفسي على المراة وعلى مفهوم الأسرة، إذ تصورها ككائن ناقص الأهلية، و تجردها من انسانيتها وشخصيتها ورغباتها وكرامتها، حين تعتبر أن ارضاء حاجاتها(الدنيا) هي المعيار الذي يحقق لها السعادة والأمان ، فإذا توافر لها (المسكن والمأكل والملبس) ماذا تريد أكثر؟. كذلك حين تلعب على عواطفها الأمومية فتضخمها إلى حد الإسراف وتجردها منها في لحظة، بحكم القانون والأعراف والتقاليد، وحين تمجد (حق) الرجل بالاقتران بأكثر من امرأة تحت حجج ومبررات مختلفة (ما دام يملك القدوة والمال، وما دام الأمر بيده)، وبالتالي تهدم مفهوم بناء الأسرة القائم على (السكن والمودة والرحمة).

*تمثل بعض المفاهيم التي تبث عبر هذه الأعمال اعتداء اقتصادياً على المرأة، حيث يصور عملها أحياناً وكأنه (حاجة فائضة)، عليها أن تفي قبل مارسته بـ(الحاجة الأساسية) المتمثلة بكل المهام والأعباء المنزلية، دون إشارة تذكر لأهمية التعاضد والتعاون الأسري والواجبات الأسرية التي تشمل كل أفراد الأسرة، أو حين تصور امرأة عاملة، مستبدة ، متسلطة يتسبب طموحها الشخصي في ضياع أفراد أسرتها وربما جنوحهم.

*الاعتداء الجنسي: إذ تقدم كـ(موضوع جنسي)، فظهورها كأنثى هو الأكثر تواجداً، الأنثى التي عليها (أن تتزين وتتجمل للرجل بهدف اصطياده أو غوايته)، كذلك ظهورها كـ(عورة) يجب سترها و(حرمة) عليها أن تبتعد عن الدرب، حتى أن هذه الألفاظ تستخدم لإهانة وتحقير الرجل والانتقاص من (رجولته).

*الاعتداء الإجتماعي: خاصة في الأعمال التي تدعي نهلها من (التراث) ومن أيام ماضية، فتصور المرأة (زوجة-أماً-أختاً-ابنة) سلبية خانعة، تمضي أوقاتها ما بين الثرثرة والثرثرة، لا تتزور ولاتزار إلا بمشيئة الزوج. الطلاق والزواج ثانية وثالثة، والحرمان من الأبناء سيف مسلطة على رقبتها لأبسط الهفوات وأتفه الأسباب، وبذلك ترسم ترسم هذه الأعمال صورة سلبية لل(عائلة) وللعلاقات التي تحكم أفرادها، وتشي بـ(صك ملكية) يملكه فرد واحد، وهو حقه دون منازع، وتبين أن( القوانين التي تحكم نظام الأسرة، وكأنها تدعم الفكرة القائمة على أن المرأة والأبناء هم امتداد طبيعي لمكلية الرجل). لو حاولنا سرد أسماء الأعمال التي كرست ما ذكرناه سابقاً لأعيانا السرد، يكفي أ، نتذكر جميعاً، الأشهر والأكثر شعبية من هذه الأعمال، حيث امتد تأثيرها إلى الحياة اليومية في:

-استخدام المفردات في لغة التخاطب اليومية بين الناس، خاصة الأطفال.
-افتتاح نواد و مقاههي ومحلات تجارية تحمل الأسماء و العناوين نفسها.
-ظهور بضائع استهلاكية (مأكولات، ملابس، ألعاب)أغلبها موجه للأطفال تحمل أسماء وشخصيات المسلسلات.(قام أحد محال بيع الحلوى في فلسطين بترويج سلعة مغلفة بأوراق نقدية مقلدة سورية وإسرائيلية، طبعت عليها صور الممثلين السوريين الذين شاركوا في مسلسل "باب الحارة"، وطبعت صورة الممثل عباس النوري على ورقة نقد اسرائيلية مقلدة من فئة (20) شيكلاً ، ويقول صاحب المصنع: إنها لم يفكر بشيء سياسي إنما أراد ترويج عمله وأن الأطفال لا يفهمون هذه الأمور، وهم يبحثون عن شيء يلعبون به!!!!.
كل هذا، إضافة إلى الترحيب الشعبي والرسمي أحياناً بظهور هكذا أعمال تذكربـ(ماض مفعم بقيم مثالية افتقدناها!).

ربما يقول قائل، إن هذا التأثير آني ومظهري وسوف يزول لصالح آخر جديد كما يحدث دوماً، لكن المشكلة تنبع من التأثير الحقيقي الذي يترسب في النفس ويعزز أنماط الثقافة المجتمعية المتخلفة، في مجتمعات (ما زالت تعاني من عدم وضوح المفاهيم الثقافية الإجتماعية على مستوى الأدوار والوظائف والحقوق.كما يجب ألا يغيب عن بالنا أن الإعلام وحسب بحوث عديدة يعد مصدراً رئيسياً من مصادر اكتساب أنماط السلوك العدواني في الثقافة المعاصرةز فالمصدر الأول هو العدوان الذي يحاكي أفراد الأسرة ويتعزز بهم، والمصدرالثاني هو الشبكة الاجتماعية التي تقع العائلة ضمنها، أما المصدر الثالث فهو وسائل الإعلام، حيث أن (العنف التلفزيوني يعلم أنماط سلوك عدوانية ويغير قواعد السلوك العدواني ويقلل حساسية النلس نحو العنف ويعودهم عليه، إنه يتحكم بصور الناس عن الواقع الذي يؤثر في السلوك).

لا يمكننا أن نقول أن الإعلام قد عالج مسألة العنف الأسري، لقد تناولها بالطريقة التي أسلفناها، ناهيك عن دوره في( نشر العنف اليومي عن طريق الصورة). وبالمحصلة بدا أن (وسائل الإعلام تتبنى وتروج ثقافة العنف –بصورة خاصة ضد المرأة- التي تستمدها من منظومة القيم التقليدية، و من أكثرها سلبية وتخلفاً، وتقدم صورة تعتبر امتداداً للعنف الإجتماعي الممارس ضدها، كما ان القائمين على إعداد مثل هذه الثقافة يكرسون بوعي أو بدونه، نظرة دونية للمرأة كبعد ذي خصوصية في الثقافة التقليدية، من دون محاولة لفهم أو إعادة النظر في مضامين هذه الثقافة والعمل على تطويرها أو الخفيف من حدتها).

لكل ذلك، تبدو إعادة النظر في مضامين الثقافة التي تقدمها وسائل الإعلام مسألة في غاية الأهمية ، وكل كلام يقال حول موضوع الفن، والحق في حرية التعبير وفي الرقابة، يجب أن يندرج ضمن إطار الشعور بالمسئولية تجاه المحتمع، فالفن ليس ستاراً ولا تزييناً للمحتوى السيء، بل من مهام الفن أن يرقى بالذوق العام وأن يكون رؤيوياً كاشفاً فـ(هذه المرحلة هي المرحلة الأولى من مراحل التغيير).

ماذا يجب أن يفعل الإعلام؟
لا يشكل الإعلام (جزيرة معزولة) عن محيطها، وبالتالي لا يمكن له رغم حيوية دوره أن يعمل منفرداً، ولهذا لابد من وجود خطط حكومية متكاملة يكون الإعلام جزءاً منها، خطط واضحة الرؤية والأهداف، تصمم لها الاستراتيجيات اللازمة، وتعمل وفق آلية تحقق توحيد وانسجام الخطاب الإعلامي مع هذه الخطط من ناحية ومع جميع المواد التي ينتجها ويبثها. إضافة إلى وجوب إعادة النظر في المتدة البرامجية التوعوية المقدمة في هذا المجال، بحيث تتمتع بالقدرة على الوصول إلى الناس جميعاً وبأقصى درجات الجودة، فجودة ما يقدم هي المعيار الأساسي، لأن الرداءة تسيء إلى كل القيم والمعايير. كذلك اعتماد المادة البرامجية التفاعلية التي تتيح للناس التواصل و السؤال والتعبير عن الرأي واكتساب المعرفة الحقوقية والقانونية. ومن الأمور الأساسية الحديث صراحة ودون مواربة أو مداهنة عن هذه الظاهرة، مع تقديم الحقائق المدعمة بالأرقام والوقائع والشهادات حول طبيعة وحجم الظاهرة والظروف المحيطة بها، وبيان تأثيراتها السلبية على أفراد الأسرة كافة كما على المجتمع، ثم لابد من العمل مع كتاب وصانعي الدراما التلفزيونية، للتحفيز على المشاركة في الرصد والكشف والتوعية من خلال ورشات العمل والدورات واللقاءات، كذلك مع الشخصيات العامة و المعروفة والمؤثرة في حياة المجتمع والناس من قادة و صناع الرأي.

نهاية لابد من اعتبار الإعلام واحداً من أهم اللاعبين الأساسيين في عمليتي التوعية والتنمية، وشريكاً لاغنى عنه في عملية التربية، ولهذا حان الوقت لنكف عن اعتباره (الضيف المسلي) و(حلضنة الأطفال)، لأن السم يكمن في الدسم ولأن البيت يعتبر أحياناً من أكثر الأماكن خطراً على الصحة و الحياة.


*(خبيرة إعلامية في الأسرة والطفولة- التلفزيون العربي السوري)

مؤتمر العنف الأسري
جمعية رعاية الطفل والأمومة
مركز معلومات والطفل/ مدينة عيسى
16 - 17 فبراير 2008

 أطبع التحقيق أرسل التحقيق لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6357563 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة