تشرد الأطفال …أسبابه ونتائجه
ميس نايف الكريدي ((مجلة الثرى))
التحول نحو الجريمة الأمراض الجنسية نتيجة حتمية
لنمضي معا من أجل الطفولة , قبل أن يصبح عدد المفترشين للشوارع أضخم بكثير من حجم حضن بحجم وطن يصغر , ويكاد يضيق علينا حتى لا نعرف كيف نرتديه ولو للحظة , أوطان بدانا نحولها شالا على أكتافنا منذ وقت ..فلم تعد تدفئنا , لا نحن , ولا أطفالنا . توسعت في الفترة الأخيرة الدراسات الاجتماعية والتقارير المراقبة لظاهرة تشرد الأطفال , وتمثلت في أحاديث , ومقالات عديدة تناولت أطفال الشوارع , واستعرضت هذه الظاهرة بمفاصلها و وأسبابها ونتائجها . وخلصت معظم تلك الدراسات لعملية ربط حقيقي بين التعرض للاعتداء الجنسي , والفترات الطويلة التي يقضيها الطفل في الشوارع خارج إطار الرقابة المنزلية و والتي هي اصلا قد تكون معدومة , بكون أحد أهم أسباب التشرد , غياب الأسرة ,وفي ظل غياب الدور الرائد الفاعل الحقيقي للمؤسسات المدنية , وقصور هذا العمل في عدد من المناحي , خاصة , وأن هذا النوع من الثقافة المجتمعية لم يكسب ثقة المواطن البسيط عموما , ولم يحقق امانا من نوع ما لهذه الفئة , وبما أن الدولة التي هي المعيل الأساسي في حالة مثل سورية , يجد المواطن نفسه في مهب ريح الجوع بمجرد أن بدات هذه الدولة تتملص تباعا من التزاماتها نحو تحرير السوق الذي أدى إلى تفاقم سريع في جملة الأمراض المستعصية في هذا النوع من المجتمعات , وتبدأ دائرة التشرد بالاتساع كجزء من نتائج تردي الوضع الاقتصادي حيث يشكل الفقر أحد أهم أسباب التشرد , والذي يجعل الأسر تدفع بأبنائها إلي ممارسة أعمال التسول والتجارة من خلال بعض السلع الهامشية, أو المهن اليدوية ضمن واقع , وظروف عمل بائسة مما يعرضهم لانحرافات ومخاطر الشارع.ومن جهة ثانية فإن وضع الأسرة التي ينتمي إليها الطفل تشكل عاملا إضافيا هاما ضمن المعادلة, حيث تلعب الظروف الأسرية دورا أساسيا في انتشار ظاهرة أطفال الشوارع وابرز تلك العوامل هي: أ- تفكك الأسر إما بالطلاق أو الهجر أو وفاة أحد الوالدين. ب- كبر حجم الأسرة عن الحد الذي يعجز فيه الآباء عن توجيههم وتلبية احتياجاتهم. ج- الخلافات الزوجية والمشاكل المستمرة هذا بالإضافة إلى مجموعة العوامل التي تتبع للوضع العام او ثقافة مجتمعاتنا التي تشكل مؤثرا فاعلا في تعزيز هذا الوضع وذلك للأسباب التالية : د- ارتفاع نسبة البطالة , ووجود اسر عديدة في ظل معيل بلا عمل مما يجعل هذه العائلات تدفع بأطفالها إلي الخروج للشارع..سواء للتسول , او للعمل ضمن شروط سيئة جدا . ه- - التسرب من التعليم ودفع الأطفال إلي سوق العمل والشارع. و- نمو وانتشار التجمعات العشوائية التي تمثل البؤر الأولي والأساسية المستقبلة لأطفال الشوارع. ي- انتشار مفاهيم مستوردة غير صحيحة عن الحرية الشخصية ترتبط بواقع عام بدءا من الشوارع , وانتهاء بالإعلام غير المسؤول الذي يعتمد على التحريض الغريزي , فيخرج الطفل من تحت مظلة الأسرة تحقيقا لواقع لا يدرك ابعاده الحقيقية .
وبالتأكيد تتناول الدراسات حجم المخاطر الصحية التي يتعرض لها الطفل عندما يكون الشارع هو المشرف العام على حياته , فيكون الطفل عرضة للأمراض بدءا من الجرب والتيفوئيد ,والأمراض الصدرية ...... وتأتي الأمراض الجنسية محصلة حتمية , بكون هؤلاء الاطفال ينتمون لمراحل عمرية متباينة , ويدركون ضمن حياتهم وتواجدهم معا انعدام الحماية التي يحسها كل منهم مما يجعلهم عرضة لا ستغلال بعضهم ضمن هذا الواقع , وأحيانا يلجؤون, هم أنفسهم ضمن واقع انحسار العاطفة عنهم إلى بعضهم بشكل آلي مما يتسب في حالات شذوذ ومثلية جنسية فرضتها حالة احتياجهم, والتحريض الغرائزي العشوائي غير الموجه,خارج الضوابط , وانعدام الغطاء العائلي والاجتماعي ..ومن جهة أخرى يتصاعد احتمال تعرضهم للاستغلال الجنسي المنظم أو الدعارة , لانحسار الحماية المناسبة عنهم و فيجد فيهم أصحاب الميول الشاذة مرتعا مناسبا للحصول على متعتهم الخاصة و أو الاتجار بهم , خاصة في ظل احتياجهم الشديد ماديا ومعنويا , مما يجعل الشارع البيئة الخصبة لكل أشكال الانحراف المتاح .وبحالتهم العامة والاجتماعية يصبح كل واحد منهم بؤرة خصبة لالتقاط كافة أنواع الأمراض الجنسية , وخصوصا الإيدز ..
التحول نحو الجريمة : تعتبر من أكثر المخاطر التي تمثل خطورة بالغة على أطفال الشوارع والمجتمع بوجه عام، وهو استقطاب المجموعات الإجرامية المنظمة لهم، واتخاذهم أدوات سهلة ورخيصة للأنشطة غير المشروعة فقد يستخدمون أدوات في الترويج والتوزيع للممنوعات أو الأعمال المنافية للآداب. وهذا يأتي في سياق الاتصال بأنواع من البشر ضمن هذا الواقع بين متعاطي المخدرات والحشيش ومحترفو الجريمة , حيث يلجأ الطفل للسرقة كحالة كسب مريحة تفرضها حالة التشرد , وبما انه لم يتلق أدنى درجة من درجات التوعية , يصبح الحشيش والمواد المخدرة مخرجا للألم وحالة نسيان لواقع لم تساعده الحياة بتجاوزه , بل بالعكس عززت انتماءه إليه.وفي ظل هذه المتطلبات الجديدة , يسهل توجيه نشاط الأطفال ضمن أي محور يخدم هذه العصابات . ومن ضمن المعادلة السابقة نجد أن الصفات العامة لطفل التشرد تصبح محصلة طبيعية لقسوة مطبقة عليه و وانتهاك لإنسانيته يحدث بقصد من الآخر أو بدون , فيتعود الطفل حالة القمع والمنع أو العطاء المهين والإهانة , فتتحول صفاته تباعا ويميل نحو الشغب والعند والعدوانية, حيث ان معظم أطفال الشوارع لديهم نوع من العدوانية نتيجة الإحباط النفسي الذي يصيب الطفل من جراء فقدانه الحب داخل أسرته، ويزداد الميل إلى العدوانية مع ازدياد المدة التي يقضيها الطفل في حياة الشارع، حيث يتعلم من الحياة في الشارع ان العنف هو لغة الحياة ، بالإضافة إلى كون هؤلاء الأطفال يمارسون العنف نحو بعضهم البعض. فالحياة في نظر طفل هي لعب وأخذ فقط دون الاهتمام بالمستقبل، وهما الواقع الذي فشل في الحصول عليه من أسرته التي دفعت به إلى الشارع رغماً عنه. مما يجعله ميالا للغيرة والانفعالات ..كما يلجا طفل الشارع إلى الكذب والتمثيل . لأن هذا التمثيل يصبح تلقائيا جزءا من وسائله المكتسبة الدفاعية ضد أي خطر يواجههم، أو حين يقبض عليهم، كما انه يستخدم من قِبل أطفال الشوارع للإضرار بأطفال آخرين باتهامهم كذباً بسلوك أو فعل أشياء معينة لم يفعلها هؤلاء الأطفال. هذا إضافة لحالة الضياع العاطفي ويتمثل لدى أطفال الشوارع من خلال كثرة البكاء والطلبات الكثيرة، وغير المحددة وعدم الكف عن البكاء حتى لو أقنعتهم عدة مرات باستحالة تلبية مطالبهم. وطبعا بلا ضابط أخلاقي أو توجيهي بعد أن خرج نحو الشارع فقد فقد كليا القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ ولأن أسلوب الضبط الخارجي كان يمارس من الأب أو من الأسرة بعد الوالدين بدرجة كبيرة من التسلط على الطفل فكان من نتيجة هذا ان الأب قد سلب من الطفل عنصر الضبط الداخلي الذي يتولد من خبرة الطفل الذاتية في ممارسة حياته. ومما تقدم تتوضح لنا اهمية مسألة تشرد الأطفال في شوارع مدن تفتحت مؤخرا على مظاهر لا تشبهها, ولا يعنيها ضمن قسوة الجريان مع الحياة التوقف لالتقاط طفل على رصيف يجتر قذارات المزابل , على كل الأصعدة , أكلا , وثقافة , وسلوكا ..
|