|
العنف العائلي في المجتمع الفلسطيني |
القراء :
5008 |
العنف العائلي في المجتمع الفلسطيني الباحثة: ميّ نايف تمهيد: في المجتمع الفلسطيني تشير التقارير والإحصاءات المتداولة إلى انتشار ظاهرة العنف العائلي بشكل ظاهر، وهناك العديد من التشريعات المجرّمة للعنف العائلي. بالإضافة الى القوانين الأخرى التي تضمن حقوق الإنسان وحريته والتي بينها قانون تعزيز الحرية. ويعتبر تناول موضوع العنف العائلي انطلاقاً من خصوصية المجتمع الفلسطيني إثراءً لدراسة ظاهرة العنف العائلي على المستوى الإقليمي والعالمي ومشاركة في الجهود الدولية للحد من هذه الظاهرة المشينة.
مفهوم العنف العائلي في المنجد: العنف ضد الرفق: الشدة والقساوة، وهو خلاف الرفق، وعَنَفَ بالرجل وعليه، لم يرفق به وعامله بشدة، وعنّف عامله بشدة: لامه بشدة.. وعند الساسة وعلماء الأخلاق، العنف: استعمال القوة في غير محلها. أو أي قول أو فعل يوجب الاشمئزاز عند الطرف الآخر. ويقابله الرفق وهو كما في كتب اللغة: المعاملة بلطف ولين الجانب. وفي الكتاب العزيز لم يذكر لفظ العنف على الإطلاق وربما لتعدد مجلاته ولبشاعته. قال (ص): إن الله يحب الرفق ويعين عليه. وقال (ص): ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجراً وأحبهما إلى الله عز وجل أرفقهما بصاحبه. والعنف عامة يمثل آفة البشرية الكبرى، والعنف العائلي سلوك مرفوض و مجرم في معظم الدول فهو مسألة ترجع إلى العنف الإنساني بشكل عام بين القوي والضعيف، وهو فكرة رمزية ولكن له انعكاسات سلبية على كيان الأسرة وسلامة وأمن وحقوق أفرادها، وبالرغم أن العنف العائلي من الظواهر التي تمتد جذورها إلى حضارات كل الأمم والثقافات والحضارات بدءاً من جريمة القتل الأولى عندما قتل هابيل قابيل إلا أنه مع ذلك ظل سلوكاً مرفوضاً ومشيناً في معظم تداعياته، ويشكل العنف العائلي تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان خاصة المرأة والطفل وكبار السن والمعاقون الذين هم أكثر أفراد الأسرة عرضة للعنف فهم ضحاياه. في العام 2000 قتلت في إسرائيل 15 امرأة على يد شركاء حياتهن؛ وفي العام 2001 قتلت 13 امرأة؛ بينما قتلت هذه السنة، حتى نهاية أيلول-سبتمبر، عشر نسوة ورجلان أثناء شجارات في العائلة. في هذا العام، قدمت 7،000 امرأة شكاوى في الشرطة عن ممارسة أشكال من العنف تجاههن من جانب شركاء حياتهن..
العنف والتخلف صنوان ، فالعنف هو الوجه الآخر للإرهاب والقهر اللذين يفرضان على الإنسان في المجتمع المتخلف. وقد جاء الإسلام ليقرر أن الناس جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات وهذا عمر بن الخطاب يقول متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. لقد أقر الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي تبتنه الجمعية العامة في كانون الأول / ديسمبر 1993 ووافقت عليه جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التعريف التالي لمصطلح العنف ضد المرأة : " أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أي أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".
كما نص هذا الإعلان على وجوب أن يشمل مفهوم العنف ضد المرأة ، على سبيل المثل لا الحصر، ما يلي: - العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في إطار الأسرة، بما في ذلك الضرب المبرح، والإساءة الجنسية للأطفال الإناث في الأسرة، والعنف المتصل بالمهر، والاغتصاب في إطار الزوجية، وبتر الأعضاء التناسلية للإناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، والعنف خارج نطاق الزوجية ، والعنف المتصل بالاستغلال. - العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في الإطار العام للمجتمع، بما في ذلك الاغتصاب، والإساءة الجنسية، والتحرش والترهيب الجنسي في العمل وفي المؤسسات التعليمية وسواها، والاتجار بالمرأة والبغاء القسري. - العنف الجسدي و الجنسي و النفسي الذي تقترفه الدولة أو تتغاضى عنه حيثما وقع.
كما تعتبر الأشكال التالية من العنف ضروباً من الانتهاكات لحقوق المرأة الإنسانية: - النساء في حالات النزاع المسلح، والنساء المهجرات واللاجئات. - النساء اللواتي يتم استبعادهن عن مراكز السلطة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية. - حالات التعقيم القسري والإجبار بالقوة على تناول موانع الحمل، وقتل الأطفال الإناث، واختيار جنس الطفل قبل الولادة. - أفعال التهديد بالعنف سواء أوقع ذلك في المنزل أو في المجتمع بصورة عامة.
ولقد توالت جهود المجتمع الدولي في التصدي لظاهرة العنف عموماً والعنف العائلي على وجه الخصوص، وقد تجسد ذلك في الاتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة (CDAW) والتي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر 12/ 1997، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفلC.R.C. ، واتفاقية تحريم الاتجار بالنساء والبالغات 7/12/1955، والاتفاقية الدولية بشأن جنسية المرأة المتزوجة. وفي كل الأحول فإن العديد من الدراسات والبحوث في مجال العلوم الاجتماعية والتربية وعلم النفس تؤكد على خطورة العنف العائلي وانعكاساته السلبية على الفرد في شخصه وعلى الأسرة في استقرارها وعلى المجتمع في نموه وتقدمه. أسباب العنف العائلي: إن مقاربة أسباب العنف العائلي تقتضي المعالجة المنهجية للبيانات المتوفرة من قبل الجهات المسئولة والمهتمة في العنف العائلي ولذلك اعتمدت على ما توفر لي من خلال جمعية المستقبل لرعاية ضحايا العنف وعلى البيانات الميدانية التي تتعلق بحالات وضحايا العنف العائلي والصادرة عن مركز شئون المرأة - غزة، وبرنامج غزة للصحة النفسية. وفي إطار ما تقدم يمكن إرجاع العنف العائلي كما يحدث في المجتمع العربي الفلسطيني إلى جملة من الأسباب لعل من أهمها ما يلي: 1.الوضع السياسي العنيف المفروض على الشعب الفلسطيني والقصف والاجتياح المستمر والأسر والتعذيب والتجريف، وردة الفعل المتمثلة بالانتفاضة وآثارها النفسية والسلوكية ، والحصار المستمر والحائل دون تحقيق الأماني والأهداف وتوفير الحاجات الأساسية على الأقل، وما نجم عنه من مشاكل أسرية واجتماعية على جميع أفراد الأسرة، ونشوء العديد من الأزمات من جراء الوجود السابق لإسرائيل في بلادنا وما خلفه من مشاكل أسرية ناتجة عن العمالة. 2. الوضع الاقتصادي المتدهور والصعب لبعض الأسر الأمر الذي يترتب عليه عدم مقدرة الأسرة أو نقص إمكانياتها في توفير حاجات أفرادها وغالباً ما ينشأ صراع بين الزوج والزوجة لعدم القدرة على توفير احتياجات البيت خاصة بعد قعود العمال عن العمل في إسرائيل وقد يتطور الصراع إلى نوع من الشجار والضرب وقد يسقط أحد الأبوين غضبه على أبنائه، أو على المعاق نتيجة صعوبة التعامل معه وتكاليفه، أو يسقطها الأبناء على آبائهم كبار السن الغضب لعدم قدرتهم على تحمل واجب رعايتهم والانفاق عليهم.مما يؤدي إلى أحد امرين إما الانكفاء على الذات أحياناً وأحياناً أخرى إلى التماهي بالمعنف. 3.الوضع السكني ويرتبط بحالات العنف العائلي، حيث تبين أن الظروف السكنية الصعبة كضيق المنزل وكثرة عدد العائلات به حيث توجد الأسرة الكبيرة التي بها الجد والجدة والأبناء وزوجاتهم وأبنائهم ولكل عائلة غرفة صغيرة حيث يقود هذا إلى حدوث نوع من الخلاف حول بعض المرافق، كالمطبخ ودورة المياه، واضطرار الصغار للبقاء طوال الوقت في الشوارع والأزقة الأمر الذي يترتب عليه الكثير من مظاهر العنف العائلي وخاصة ضد المرأة والأطفال وكبار السن. 4. انتشار التخلف الاجتماعي ونقص الوعي الاجتماعي بحقوق الإنسان وبخطورة الممارسات العائلية العنيفة على الجو العائلي ودور الأسرة في التنشئة الاجتماعية وغيرها. 5. انخفاض المستوى التعليمي والأمية التي تؤدي إلى افتقار الأبوين إلى الإلمام بوسائل التربية الحديثة ولجوئهم إلى الضرب والتعنيف في التعامل مع أبنائهم عندما يخطئون. كما أن تفاوت المستوى التعليمي بين الزوجين، ورفض الرجل لأن تكون المرأة وبالأخص زوجته في درجة علمية أعلى منه، يخلق العديد من المشاكل. 6. استمرارية بعض عناصر الثقافة السائدة والتي تميز بين الذكور والإناث وتؤيد فكرة الضرب والمراقبة التعنيف. 7. وجود حالات من المرض النفسي بين بعض أفراد الأسرة، حيث يتميز بعض من يلجئون إلى العنف عموماً و العنف العائلي على وجه الخصوص بسرعة الغضب وعدم التحكم في مشاعر الغيظ وسرعة الانفعال بسبب ضغط نفسي متعدد الأسباب. 8. وجود نوع من صراع القيم بين الأجيال داخل الأسرة الواحدة، حيث يتبنى الآباء قيماً تقليدية محافظة في حين يميل الأبناء إلى تبني قيم متحررة وبالتالي يميلون إلى التمرد ورفض قيم الآباء الأمر الذي يؤدي إلى نشوب الكثير من الخلافات التي ينجم عنها ممارسات عنيفة ضد الأبناء في الأسرة. 9. يتسبب تعاطي أحد الأبوين للخمور والمخدرات وإدمانها في الكثير من المشاجرات العنيفة والاعتداء بالضرب نتيجة لتأثير المادة المسكرة أو المخدرة. 10. مشاهدة أشرطة العنف في الإذاعة المرئية، وقد وجد أن الأطفال الذين يشاهدون أشرطة العنف غالباً ما يقلدونها ويكتسبون سلوكيات عدوانية. 11. تقليد الأطفال للسلوك العنيف الذي يقوم به آباؤهم أو مدرسوهم. هذه إذاً بعض العوامل التي يمكن الركون إليها في تفسير بعض مظاهر العنف العائلي، وهي أسباب لها خصائصها النفسية والاجتماعية والأخلاقية أو الاقتصادية والسكنية وغيرها، ومع ذلك يظل الموضوع في حاجة الى دراسة ميدانية يتم بها تتبع عوامل أو مسببات العنف العائلي والموقف القانوني والاجتماعي منها خاصة وفي ظل قلة المراجع والاحصائيات والمتاحة. مظاهر العنف العائلي: من خلال الاطلاع على الحالات المسجلة في إحدى الجمعيات التي تقوم على رعاية ضحايا العنف في غزة اتضح لي أن مظاهر العنف العائلي تنقسم إلى عنف جسدي، ولفظي ونفسي، وجنسي، واقتصادي، وسياسي، وتتجسد في جملة من المظاهر من بينها العنف الظاهري من مثل: 1. قتل الوليد صيانة للعرض. 2. هتك العرض. 3. الإجهاض. 4. تحريض الصغار على الفسق والفجور. 5. بالإضافة إلى الجرائم السابقة التي تدخل بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن جرائم العنف ضد الأسرة والعنف العائلي، توجد العديد من الجرائم التي لا تظهر في الإحصاءات الرسمية وهي غالباً جرائم مسكوت عنها، ويمكن الإشارة إلى نماذج من هذه الجرائم في التالي: 1. تزويج البنت دون رضاها وذلك بأن تزوج الأسرة ابنتها من شخص لا ترغبه ولا تشعر بأنه يناسبها لا شكلاً ولا سناً. حيث تؤيده بعض المظاهر الثقافية المتخلفة كما يجسده المثل الشعبي القائل (البنت يا جبرها يا قبرها). 2. التهديد بالطلاق أو تطليق الزوجة دون رضاها إذ غالباً ما تفرض بعض الأسر على ابنها تطليق زوجته لأنها لا تروق لأبويه أو لأنها لا تناسبهم أو ما إلى ذلك، وحرمانها من أولادها، ومن مكان الاقامة في السكن المناسب الذي يجمعها بأولادها. 3. حرمان البنات من مواصلة التعليم وذلك انطلاقاً من اعتقاد خاطئ بأن البنت ليس لها إلا بيتها والاعتناء بزوجها وأولادها مستقبلاً، وحرمانها من العمل بعد تلقيها قسطاً من التعليم. 4. الضرب المبرح للأولاد، ويعكس هذا النوع من العنف العائلي مظاهر سلوكية سلبية مسكوت عنها لأنها تمثل خصوصيات الأسرة، ولأن ضحاياها من صغار السن الذين لا يقدرون على التبليغ أو المطالبة بحقوقهم. 5. الاعتداء الجنسي على البنات الصغيرات السن ( المرأة الطفلة)، واعتباره جريمة جنسية لا على أساس أنها جريمة عنف مسلط على المرأة. خاصة وأنه يرفض تبليغ السلطة الأمنية خوفاً من الفضيحة. وقد يتم تزويجها له فتجبر على الزواج منه وممارسة الجنس معه وتتحمل الاغتصاب يومياً وعلى مرأى ومسمع الجميع، فليس هناك اعتبار لما تعانيه من عنف أو اعتبار لحالتها النفسية. 6. ضرب الزوجات: وهو من أكثر ظواهر العنف المسلط ضد النساء ومن أكثر الممارسات المسكوت عليها اجتماعيًا. وهو لغة الخطاب الأخيرة الممكنة مع الواقع ومع الآخرين حين يحس الإنسان بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي. إن ضرب الزوجات شأنه شأن ضرب الأطفال، وإساءة معاملتهم يمثل نوعاً من العنف العائلي لكنه عنف مسكوت عنه وهو عنف تؤيده بعض المظاهر الثقافية المتخلفة كما يجسده المثل الشعبي القائل (إذا ضربت المرأة فأوجع) وهو مظهر ثقافي يتناسى دعوة الدين الإسلامي إلى العمل بالمعروف و إلى اللين في المعاملة لقوله تعالى (فَبِما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر...) وقوله (فامسكوهن بمعروفٍ أو فارقوهنَّ بمعروفٍ). وإن كان ضرب الزوجة من الأسباب المؤدية إلى السجن وإلى الطلاق بسبب الضرر، إلا أنه نادراً ما تصدر عقوبة الحبس ضد الأزواج، لأن العائلة تحاول دائماً الإصلاح، وكذلك المؤسسا ت الأمنية وكأنها تشجع استغلال الرابطة الزوجية. 7. اغتصاب الزوجة وهو من العنف الجنسي المباشر المسلط على المرأة والذي لا تستطيع التصريح به. هذه إذاً أمثلةٌ لا حصراً لكافة مظاهر العنف العائلي كما تبرز ممارستها في نسيج الواقع الاجتماعي، كما أن استعراض هذه الأمثلة يعبّر عن مؤشر وجود بعض السلوكيات السلبية داخل إطار الأسرة الفلسطينية وهي سلوكيات لها انعكاساتها السلبية على أفراد الأسرة من ضحايا العنف ومرتكبية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإحصاءات التي ترصد تنامي هذه الظاهرة وتتبع مساراتها ليست بالقدر الذي يمكن الركون إليه لعدة اعتبارات منها: أ. إن سلوكيات العنف العائلي هي من السلوكيات المسكوت عنها لأنها تعتبر من خصوصيات الأسرة " أسرار العائلة " التي لا يحق لأحد الإطلاع عليها، وهل ستسجن المرأة والد أبنائها، وهل يقبل أن يسجن ثم يعود إليها، وهل يوافقها أهله أو أهلها على سجنه؟ ب. إن ما يتوفر من بيانات رسمية حول جرائم العنف العائلي وما بها من مؤشرات تعكس بساطة حجم المشكلة للدرجة التي لا يمكن اعتبارها ظاهرة إنما هي بيانات عن حالات محدودة جداً تحال للقضاء ويفصل فيها وهي بالتالي لا تعكس الحجم الحقيقي للظاهرة. ج. وحتى بالنسبة لضحايا العنف العائلي الذين تم علاجهم بالمستشفيات أو المصحات النفسية فإنهم غالباَ لا يصرّحون بالأسباب الحقيقية لإصابتهم خاصة بالنسبة للآباء والأمهات الذين يكونون عرضة لاعتداء أبنائهم عليهم، والمرأة المعنفة من قبل زوجها أو أهل زوجها، والشاب المراهق، والمعاق. وفي كل الأحول فإن أنماط العنف العائلي وممارسته الظاهرة والخفية لا يمثل نمطاً حياتياً للمجتمع الفلسطيني بقدر ما يمثل حالات فردية متوقع حصولها في ظل المعطيات النفسية والذاتية للأفراد وفي ظل بعض المعطيات السياسية الاقتصادية والاجتماعية فوجود الاحتلال الجاثم على الصدور والحصار والحرب والاجتياح يجعل الاشارة إلى تلك المشاكل على أنه نوع من الترف. آثار العنف العائلي: يجسد العنف أيا كان مصدره والعنف العائلي على وجه التحديد مظهراً سلبياً في إطار مسؤوليات الأسرة ومهامها تجاه أفرادها، بل لقد عده العلماء المختصون في التربية وعلماء الاجتماع انحرافاً خطيراً عن الوظائف السامية للأسرة يؤدي إلى عدد من الآثار منها: أ. إلحاق الأذى بالآخر وهو هنا قد يكون الأولاد أو الزوجة أو الزوج أو المعاق بالأسرة أو الأجداد أو من إليهم. ب. تدمير الطرف الآخر كما يحدث في حالات القتل حماية للشرف وفي حالات إجهاض الحامل دون رضاها أو حتى برضاها. ج. إكراه المعتدي عليه من أفراد الأسرة كإكراه البنت على الزواج ممن لا ترغبه أو إكراهها على عدم مواصلة التعليم وترك الدراسة أو إكراهها على تدبير شؤون البيت والقيام على خدمة أخواتها الذكور حتى وإن كانوا أكبر منها سناً. د. الإذلال بحيث يوضع عضو الأسرة المُعتدي عليه في موقف المذلة والمهانة كما يحدث في حالات ضرب الزوجة أو منعها من الخروج من البيت لمدة طويلة أو من زيارة أهلها. ومعامتها بطريقة فظة، عن طريق تجاهلها وتوجيه الألفاظ النابية لها واتهامها الدائم بالغباء، أو القبح أو الدونية وما إلى ذلك. هـ. شعور الضحية بالقلق والاكتئاب والاضطراب وانعدام الثقة بالنفس والصدمة النفسية الأمر الذي قد يدفع إلى بروز أشكال مختلفة للتفكك العائلي أو ترك بيت الأسرة. وقد يتخذ العنف العائلي مظاهر أخرى غير الفعل المادي، فرب الأسرة في فلسطين أو أي عضو من أعضائها قد يلجأ إلى أساليب أخرى يمارس من خلالها العنف العائلي كرفض الاهتمام بالأسرة والتقصير في القيام بالواجبات العائلية وترك الأسرة والذهاب للعيش في أراضي ال48 وعدم العودة وإجبار الزوجة على ترك البيت والعودة إلى بيت والدها، هذا بالإضافة إلى عقوق الأبوين ، وإهمال المعاق. ومن أخطر آثار العنف عموماً والعنف العائلي على وجه الخصوص توليده للعنف. فالعنف كما يرى بعض المتخصصين يولد العنف وهنا يمكن الإشارة إلى أن الأسرة التي يسود العلاقات بين أفرادها طابع العنف غالباً ما يكون أطفالها ميالون للسلوك العنيف، كما في التجربة التي أقامها أحد الباحثين حين طلب من المساعدة أن تعامل قسماً من المفحوصين بإذلال وجلافة وطلب منها معاملة القسم الثاني بشكل عادي بل وبمحبة أحياناً ثم قرر أمامهم جميعاً أنه يريد عقابها عن طريق إعطائها صدمات كهربائية وطلب منهم جميعاً الانتقام منها فوجد أن الفئة التي عوملت بعنف كانت تريد الانتقام منها بجرعات مضاعفة وبأذى أكبر في حين لم يحاول الاخرون إيذاها والبعض منهم رفض صدمها تماماً. هذه إذاً نماذج تحليلية لآثار العنف قصد إبرازها وإيضاح مدى خطورة العنف العائلي على سلوكيات وعلاقات الأفراد في الأسرة وبالتالي على المجتمع ككل انطلاقاً من أن الأسرة نواة المجتمع وأن القاعدة هي أن يعيش الإنسان في أسرة، كما قصد من إبراز هذه النماذج تبين مخالفتها لحقوق الإنسان وصون كرامته وبالتالي تهديد أمنه واستقراره. العنف العائلي ضد المرأة : تعرف الباحثة سهير سلطي العنف بأنه " أي عمل أو تصرف عدائي أو مؤذ أو مهين يرتكب بأي وسيلة وبحق أية امرأة، لكونها امرأة ويخلف لها معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن خلال الخداع أو التهديد أو الاستغلال الجنسي، أو التحرش أو الإكراه، أو العقاب، أو إجبارها على البغاء، أو أية وسيلة أخرى، أو إنكار وإهانة كرامتها الإنسانية أو سلامتها الأخلاقية، أو التقليل من شخصها ومن احترامها لذاتها وشخصها، أو الانتقاص من امكانياتها الذهنية أو الجسدية، ويتراوح بين الإهانة بالكلام حتى القتل. كما يمكن أن يمارس ضد المرأة من قبل الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات بشكل منظم أو غير منظم"([1]) وتعتبر قضية العنف المسلط على النساء من الظواهر العالمية، إذ نجدها في كل المجتمعات الإنسانية، فحتى المجتمعات الغربية لا تزال تعيش حالة العنف ضد المرأة رغم رفعها شعار المساواة، ونظراً لما يمثله العنف العائلي ضد المرأة من أهمية خاصة في مجال تداعيات العنف العائلي ونظراً لأن المرأة في معظم المجتمعات والمتخلفة منها على وجه الخصوص من أكثر الفئات تعرضاً للعنف ومن أكثر المتضررين من ممارساته فقد رؤي إعطاء اهتمام خاص لهذا البعد من ظاهرة العنف العائلي. أما على مستوى المجتمع الفلسطيني فإن هذه المظاهر تعتبر من الناحية الرسمية نادرة الحدوث، وذلك لأن مثل هذه الممارسات العنيفة والمضادة للمرأة هي من الأمور التي لا يجوز البوح بها أو الإبلاغ عنها كما تتدخل العادات والتقاليد و"المقاعد" في حلها قبل أن تصل للأمن أو تحول دون المعنفين وإيصال شكواهم للأمن وإلا تعرضوا لأضعاف ما يعانون ولتعددت الأزمات عندهم بدلاً من حدها وإنهائها، وهذا ما جعله من الصعب على الباحثين الحصول على إحصائيات دقيقة أو نزيه تماماً فوجود الحماة مع من تجرى عليهن الدراسة أمر قد يحول بين المرأة وقول الحقيقة أو وجود الولي مع الطفل أو المعاق أو الأبناء مع كبيرالسن... غير أن ذلك لا يعني عدم وجود أو تكرار حدوث حالات العنف، فالعنف الجسدي النفسي والجنسي والاقتصادي والسياسي وغيره ممارس بشكل خفي أو غير معلن الأمر الذي يجعل رصده والتصدي له أمر في غاية الصعوبة. انعكاسات ممارسة العنف على المرأة: كما سلفت الإشارة حول آثار العنف العائلي، فإن انعكاسات العنف على المرأة في الأسرة ذات أبعاد سلبية على سلامتها النفسية واستقرارها العاطفي واحترام آدميتها واختراق خصوصياتها وتعريض جسدها للأذى، كما أنه يؤثر على فاعليتها في المجتمع وعلى سلامة أطفالها وحسن رعايتهم وتربيتهم. ويؤثر العنف العائلي الموجه ضد المرأة، خاصة ما يتعلق بالاعتداءات الجنسية بشكل سلبي على الصحة الإنجابية للمرأة من ذلك مثلاً أن حالات الحمل التي تنجم عن الاغتصاب غالباً ًًما تؤدي إلى إجهاض يتم بصورة شعبية وبعيداً عن الضمانات الطبية وبشكل غير قانوني مما يترتب عليه مضاعفات صحية خطيرة قد تصل إلى حد الوفاة كما ذكرت الدكتورة نوال السعدواي عن النساء القرويات اللواتي كن يستعملن عود الملوخية داخل الرحم للتخلص من الحمل، كما أن الاعتداء الجنسي على المرأة، خاصة صغيرات السن قد يدفعهن إلى ممارسة البغاء وبالتالي التعرض للإصابة بأمراض جنسية وتناسلية يأتي على قمتها من حيث الخطورة مرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) وفي هذا السياق يشير تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقريره بعنوان (دور جديد للرجال؛ شركاء لأجل تمكين المرأة) إلى أن دراسة أجريت على طلبة الكليات في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993 أكدت على أن الفتيات اللاتي تعرضن لاعتداء جنسي كانت احتمالات تعدد شركائهن أو احتمالات ممارستهن الجنس من أشخاص غرباء لا يعرفوهن أكبر بواقع الضعف، واحتمالات حملهن قبل سن الثامنة عشر أكبر بواقع ثلاثة أضعاف ممن لم يتعرضن لاعتداء جنسي، وزادت احتمالات ممارسة الدعارة بينهن أربعة أضعاف مقارنة بغيرهن ممن لم يتعرضن لاعتداء جنسي. كما ويخلف العديد من المشاكل الاجتماعية عند تلك الفتيات المغتصبات وبالإضافة إلى نظرة المجتمع لهن وما يترتب على ذلك من أزمات نفسية. التصدي للعنف العائلي: تساؤلات كثيرة تتعلق بمنطلقا التصدي لظاهرة العنف عموماً والعنف العائلي على وجه الخصوص، فهل العنف سلوك طبيعي في الإنسان؟ أم هو سلوك مكتسب (متعلم) وهل يمكن السيطرة على العنف عموماً وعلى العنف العائلي خصوصاً في إطار خصوصية كل مجتمع على حدة كالمجتمع العربي مثلاً أم أن العنف العائلي يمثل ظاهرة عالمية لا يمكن التعامل معها إلا بشكل شمولي ومن منظور عالمي؟ منذ القدم أشار العلاّمة "عبد الرحمن ابن خلدون" في مقدمته وبالتحديد في الفص السابع والثلاثين منها بقوله: " اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة منذ براها الله وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض … وهذا أمر طبيعي في البشر لا تخلو منه أمة ولا جيل وسبب هذا الانتقام في الأكثر إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب لله ودينه". وينطلق أسلوب التصدي للعنف العائلي من بعدين رئيسيين أحدهما وقائي والآخر علاجي. أولا: البعد الوقائي: 1. للوقاية لا بد من ترسيخ وتعميق فهم أفراد الأسرة لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف التي تؤكد على نبذ العدوان، وإعادة المباديء الدينية إلى الثوابث انطلاقاً من قوله تعالى في سورة البقرة، الآية :263(قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم )، وقوله في سورة آل عمران، الآية:134( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ عن الناس والله يحب المحسنين)، وقوله في حسن معاملة الوالدين في سورة الإسراء الآيتين23و24:( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما ً(23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا (24)). وقوله تعالى في سورة آل عمران الآية: 159 ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر…). ففي القرآن الكريم تحريم للظلم والعدوان وحث على حسن المعاملة والتسامح وطيب الخلق. كما وجاءت السنة النبوية الشريفة شارحة ومبينة ومرشدة للمسلمين وداعية لهم إلى احترام الأبوين وإيثار ذي القربى وضاربة المثل الحسن في العفو عند المقدرة وفي التسامح وطيب المعشر وتحريم الاعتداء على المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم (كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وهكذا فإن الأخلاقيات الفاضلة التي جاء بها ديننا الإسلامي الحنيف والمتجسدة في تجنب الظلم والعدوان، وفي طيب العشرة وإيتاء ذي القربى حقه واحترام الوالدين والرحمة والابتعاد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن كلها مظاهر تجعل المسلم الملتزم بها محصناً عن ارتكاب الأفعال العدوانية في حق الآخرين. 2. ويرتبط البعد الوقائي بعمليات التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي حيث ينبغي أن تهتم الأسرة وغيرها من المؤسسات الاجتماعية بتنشئة الفرد وتربيته تربية سوية متوازنة، وعليه فلا بد من الاهتمام بالكتاب المدرسي والمناهج المفروضة على الطلاب، وإبراز المرأة والرجل سوياً في المناهج دون التركيز بالنصوص فقط على الرجل، وعدم التركيز على المرأة الأم، والطفلة التي تساعد أمها في أعمال المنزل، والمرأة الممرضة، أو المدرسة، أو التي تقوم بالأعمال اليدوية. وعدم التركيز على المرأة التي تعمل بسبب الحاجة المالية، وموت المعيل. ولا بد من الاهتمام بتعليم المرأة، وعملها، وصحتها وإبراز دور الرجل الكبير واحترامه في الأسرة، واعتبار المعاق جزءاً لا يتجزأ من الأسرة له كل الحقوق التي تعطى للآخرين. ولا بد من التنبه إلى الطفل منذ صغره حيث تهمل بعض الأمهات حين يرين الطفل يضرب بقدمه كل ما هو في طريقه ويؤذي الآخرين متذرعات بأنه صغير و- بكره بيكبر وبيتغير - فكل هذا له تأثير على سلوكه. 3. ويدخل في إطار الوقاية زيادة وعي أفراد الأسرة بمختلف الوسائل الثقافية والعلمية حول خطورة العنف العائلي وتزويدهم بالمعارف و المعلومات التي تؤدي إلى تطوير إطارهم المرجعي و مخزونهم المعرفي بشكل إيجابي بعيداً عن مظاهر العنف والعدوان. ويساعدهم في إماطة اللثام عن هذه المشكلة ويساعدهم على المكاشفة والمصارحة والشفافية وتقدير الذات والآخرين لإرساء تقاليد جديدة في الحياة الفلسطينة. فإن وضع الإصبع على الداء والتحدث بشفافية عنه أول الطريق إلى علاجه. 4. كما أن للإعلام بوسائطه المختلفة دوراً كبيراً في تخفيف العنف عن طريق تغير صورة المرأة التقليدية على سبيل المثال المعروضة في الإعلام السمعي والمرئي عن طريق التقليل من الإعلانات التي تحتل المرأة / الشكل بها مكاناً بارزاً، والخروج من مجال عرض المرأة /الشكل، المرأة/ المستهلكة، المرأة / العالة،وإبرازها في البرامج السياسية، وإظهارها في أدوار تكون فيها عاملة، منتجة، عالمة، ومناضلة وصاحبة قرار دون سخرية، والخروج من عرض المرأة بشكل أنثى أو أم أو زوجة فقط. وعلى الإعلام إبراز أهمية علاقات المحبة والعطف، وإبراز الدور المرجعي لكبير السن في العائلة وحنانه وعطفه على من هم أصغر منه، والتركيز على رعاية المعاق، وعلى الإعلام عدم نشر أشرطة العنف التي تساعد على نمو مشاعر الكره وترغب في ممارسة العنف. ونشر وتشجيع البرامج الإذاعية والتلفزية التي تعمل على تعويد الموطنين على صورة جديدة للمرأة ليسهل محو التمييز الجنسي. 5. مراجعة القوانين والتشريعات المحلية المضادة للعنف والجريمة فلا بد من مراجعة المعوقات التي تعيق القاضي في الحلات التي يكون الطلاق بيده بسبب الردة، الغياب، عدم الانفاق، السجن، العنه، والشقاق والنزاع ، وحالات الخلع وما بها من تأخير بالغ بسبب انتظار اتفاق كلا الزوجين عليه . وتفعيل الاتفاقيات والمواثيق الدولية من أجل وقاية أوسع وأشمل من مظاهر العنف العائلي خاصة وأن الدولة لم تعلن بعد ولم يتم اعتماد اتفاقيات دولية في القضايا الاجتماعية إلا ما رحم ربي. 6. زيادة التكاليف الاجتماعية للاعتداء فعندما يحمل المجتمع المعتدين جزاءات اجتماعية قاسية وعدم الدخول في علاقات معهم أو نبذهم فإن لهذه العقوبة المجتمعية أثر وقائي كبير حيث يخشى كل من تسوّل له نفسه ممارسة العنف ضد أفراد عائلته من ردة الفعل الاجتماعية المضادة له. 7.القضاء على مبدأ التقبل الثقافي والرمزي لاستخدام العنف لتسوية النزاع والخلاف. 8. تغيير الأسباب الثقافية المتأصلة لمشكلة العنف العائلي بما في ذلك الطريق التي ينظر بها إلى المرأة. ودور امرأة والرجل في المجتمع، ودورهما داخل الأسرة. وعلاقة المرأة بأطفالها. 9. تحرير النساء والأطفال من مظاهر الخوف من العنف الأسري والأضرار الجسدية والنفسية والعاطفية الناجمة عنه. والثقافة الذكورية السائدة، وتعزيز الديمقراطية وتطوير دور المرأة في المجتمع. 10. تأكيد دور كبار السن والقياديين الاجتماعيين. 11. توعية المرأة والرجل بالصحة الإنجابية وبخطورة الزنا والحمل المبكر على صحة المرأة وجنينها. 12. تأكيد حق المرأة في اختيار زوجها.وإيجاد مصادر دخل مستقلة للمرأة وتعزيز نفوذها ومكانتها داخل الأسرة، وعدم تأنيث الفقر خاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي بسبب تشديد الحصار الاسرائيلي على القطاع. وان كانت اسرائيل نفسها تعاني من تأنيث الفقر فلقد قامت سلطة تنظيم القوى العاملة في إسرائيل خلال العام 2000 بجمع معطيات تتعلق بظروف عمل النساء المنخرطات في سوق العمل في إسرائيل. وتبين من خلال هذه المعطيات ان النساء اللواتي بلغ تحصيلهن العلمي درجات أعلى، واللاتي لديهن عدد أولاد أقل يعملن ساعات أطول، إلا أن أجرهن متدن أكثر بكثير من الرجال. وصرح مدير السلطة أن عدد النساء العاملات في إسرائيل يصل الى 1.12 مليون امرأة، ويشكلن نسبة 48.1% من مجمل القوى العاملة في إسرائيل. ومعدل الدخل الإجمالي للنساء بلغ خلال العام 2000 حوالي 4.979 شيقل، مقارنة بـ 8.179 شيقل بالنسبة للرجال. 13. وفي إطار موضوع العنف المتعلق بالجنس في إطار العلاقات الزوجية الشرعية لا بد من توعية المرأة بحقوقها وواجباتهاالجنسية حتى لا تشعر بالعنف الجنسي فيما لا يمثل عنفاً، وحتى تعرف وتدرك ما تتعرض له من عنف حيث تجبر بعض النساء المتزوجات على الخضوع لرغبات أزواجهن لممارسة الجنس أو حتى لممارسته بأشكال معينة وإلا تعرضن للعراك والاعتداء بل وحتى الإتهام الأخلاقي. 14. تعزيز أهمية حل مشكلة العنف بأنواعه في حال الرغبة في إنشاء مجتمع مدني متوازن. ثانيا: البعد العلاجي: يقتضي علاج العنف توفر استراتيجيات قابلة للتطبيق ولها طابع الشمولية للقطيعة مع العنف وتقاليده الموروثة والممارسة ضد الأشخاص بصفة عامة والأطفال والنساء بصفة خاصة، استراتيجية تضمن أمن وسلامة جميع الأفراد أينما وجدوا وكيفما كانوا، وإن أول خطوة في العلاج الجدي لظاهرة العنف العائلي قليلها مرصود وكثيرها مسكوت عنه، وهذا لايعتبر مبرراً إلى تعطيل كل إمكانية العلاج، ومهما كانت أسباب العنف العائلي فإن العلاج ينبغي أن يستهدف بالإلغاء والرفض لفكرة أن صيرورة العنف نمطاً ثقافياً يتناقله الأبناء عن الآباء ويصبح كنوع من القدر المحتوم غير قابل للتغيير أو الإلغاء لأن العنف لا يولد إلا العنف فعندما يمارس الآباء العنف ضد أبنائهم يمارسه هؤلاء ضد غيرهم حتى يصير هذا العنف جزءا من نظام الحياة والتفكير له تواصله عبر الزمان والمكان. وبالاطلاع على حالات العنف الموثقة في أرشيف الجمعية المسئولة عن رعاية ضحايا العنف وجدت أن البعد العلاجي لابد وأن يرتبط بأساليب علمية تنطلق من مبدأ الدراسة والتشخيص لمظاهر العنف العائلي من أجل فهم أسبابه وخصائصه وتداعياته وبالتالي اقتراح الأساليب العلاجية له، والتي تعمل على التخفيف من حدة آثاره وذلك على النحو التالي: 1. يقتضي البعد العلاجي ألا يعتقد المعنف بأنه من الطبيعي أن يقع تعنيفه، حيث تقنع الضغوطات الإجتماعية نماذج المعنفيين بأنهم مذنبون لا بد أن يتحملوا مسئولية ما يحدث لهم. ولا بد أن يقتنعوا بوجود أشكال مختلفة من العنف تمارس ضدهم وتشكل مصدر خطر على الضحية، وأنهم ليسوا من الضروري أن يكونوا تابعين. 2. المراجعة وتقييم النظام القضائي والتشريعي في مجال تجريم العنف العائلي ففي المجتمع الفلسطيني يتطلب الأمر مراجعة التشريعات المتعلقة بالجرائم ضد أفراد الأسرة وكيانها وأخلاقياتها في إطار ما يشهده المجتمع من تطور خاصة وأن القانون المعمول به في الأحوال الشخصية هو القانون الذي وضع منذ الستينات ولم يتغير حتى الآن. 3. تسييد القانون وإلغاء الحماية التي تلقاها بعض جوانب العنف العائلي في منظومة العادات والتقاليد والقيم التراثية، حيث تساهم المنظومة الاجتماعية في إخفاء الممارسات العنيفة ضد المرأة وعدم فضحها، فالمرأة المعنفة والرافضة لوضعها ينظر إليها بعدم الارتياح، فإذا ما وقع عليها اعتداء في الشارع بكلمات بذيئة أو سلوك غير لائق فهي المسئولة لأنها دفعتهم إلى ذلك بسلوكها أو مشيتها أو لباسها... والمرأة التي يقع اغتصابها تعتبر مسئولة لأنها هي التي أثارت الرجل والزوجة المعنفة من الزوج هي التي دفعته لذلك لأنها ناقصة أدباً وعقلاً، وكذلك الطفل وكبير السن والمعاق الذي يشكل عبئاً كبيراً على أسرته. 4. تقدير مؤسسات الأمن والقضاء لشكوى المعنفين، والعمل على مساعدتهم فهم ضحايا، لن يستطيعوا الصمت دائماً، ولا بد من تقدير خوفهم/ن من الفضيحة أو العائلة أو من المجتمع الذي يجبرهم/ن على تحمل العنف والسكوت، بل والعمل على إنشاء مراكز أمنية نسوية تقوم بتلقي الضحايا ومساعدتهن وتشيع غيرهن على التقدم للشرطة للحصول على حقوقهن. كما حدث في الباكستان في عهد بى نظير بوتو بعد حادثة الاغتصاب التي تعرضت لها السيدة التي وصلت إلى مخفر الشرطة للشكوى من تعرضها للاغتصاب، وللنظر إلى اسرائيل فلقد أوجدوا "شرطة نسائية"، لحماية النساء والفتيات اللواتي لا يحظين بحماية الشرطة. وتعتبر "الشرطة النسائية" لديهم ثمرة مبادرة مشتركة لنشيطات من القائلات بمساواة الرجل بالمرأة وأخصائيات في علم الإجرام والعنف ضد النساء. والشرطة مكونة من المتطوعات وتعمل على مدار ساعات اليوم، وتعالج بها طلبات لنساء ولفتيات هوجمن أو عانين من تهديدات، ويتم بها ارشاد النساء اللواتي يعانين من العنف، حول كيفية بناء "غرفة أمن" في بيوتهن، للمكوث فيها في حالة تعرضهن لمهاجمة أو لعنف من قبل الزوج. 5. توظيف أساليب العمل الاجتماعي المهني وإنشاء مكاتب للخدمة الاجتماعية يكون لها استراتيجيات وخطط عمل واضحة لتكون مهمتها النظر في حوادث العنف العائلي وإجراء الدراسات اللازمة والمتابعة المستمرة وأن تعطي لها صلاحيات الضبط القضائي فإن وجودها بغير صلاحيات يفقدها قيمتها، ولا بد من احترامها وعدم اعتبارها السبب في تمرد النساء والأطفال وكبار السن للخروج عن طاعة أوليائهم ، ولا بد من توظيف النساء بها حتى يساعدن المعنفات فهن أقدر على فهمهن . والاهتمام بالجمعيات النسائية والجمعيات التي ترفض العنف وتعمل على التوعية بأنواعها وسبل الوقاية والعلاج، ومراكز الاستماع التي تساعد المعنفين عن بعد، كما هو الحال في مركز النزاعات المجتمعية وأمان ولست وحدك وغيرها من المراكز ذات الفعالية في مثل تلك الأزمات. 6.علاج الآثار المترتبة عن العنف العائلي وعلى الأخص تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية للمرأة المعتدى عليها وكذلك الاهتمام بالجوانب النفسية والاجتماعية لضحايا العنف العائلي ومحاولة إعادة تأهيلهن. 7.قد يتطلب علاج العنف العائلي سلب ولاية الأسرة عن أبنائها القاصرين ووضعهم في مؤسسات متخصصة أو لدى أسر كفيلة ترعاهم بدلاً عن أسرهم التي تسيء معاملتهم، فلا بد من سلب الولاية من كل من يسيء إلي الولاية بارتكابه مثلاً جريمة التقصير في الواجبات العائلية، أوجريمة سوء استعمال وسائل الإصلاح والتربية، أو جريمة إساءة معاملة أفراد الأسرة. أو جريمة الزنا أو المواقعة بالقوة أو بالتهديد أو الخداع. أو جريمة هتك العرض. أو جريمة تحريض الصغار على الفسق والفجور. أو جريمة الخطف لإتيان أفعال شهوانية. أو جريمة التحريض أو الإرغام على الدعارة. أو استغلال المومسات والدفع لاتخاذ الدعارة وسيلة للعيش والتكسب. ولا بد من سلب الولاية عن ولى النفس كلياً أو جزئياً ، دائما أو مؤقتاً إذا قيدت حرية الولي وكان من شأن ذلك الإضرار بمصلحته أو سلامته أو أخلاقه أو تعريضه للخطر. وتكليف غيره بالولاية من مؤسسات وهيئات ترعى ذلك المعنف. 8. إيجاد مصحات أو مراكز علاج نفسي اجتماعي يلجأ إليها ضحايا العنف العائلي أو بيوت لإيواء النساء المغتصبات أو اللواتي تطلقن ولا معلين لهن أو اللواتي يتعرضن للضرب المبرح. 9.عدم التهاون في معاقبة مرتكب العنف العائلي خاصة ذلك العنف المقصود حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر أو حتى يتحقق الردع الخاص والردع العام. 10. تعاون كافة الجهات الحكومية، والأهلية، والجمعيات والمنظمات النسائية في مجال حقوق الإنسان، لنبذ العنف بأشكاله وحماية المعنفين/ات. والعمل على التشبيك بينها ( محلي-محلي) خاصة وأن هناك ما يقارب من 14% من 1750 جمعية أهلية تختص بالمرأة أو مع غيرها من الجمعيات العربية ( محلي - عربي) أو مع الجمعيات الأجنبية ( محلي - عالمي) وتوحيد جهدها في تطوير قدرات ومهارات العاملات في المجالات المحاربة للعنف، وعلى المنظمات الفلسطينية غير الحكومية العمل بكل ما تستطيع في التأثير على السياسات العامة وتثقيف وتنوير وتوعية المجتمع. 12. ولا بد من تشجيع المثقفين والمهنيين الفلسطينيين والباحثين في مختلف العلوم الاجتماعية والسلوكية بالمشاركة في تسليط الضوء على مشكلة العنف وتشجيع الكتاب على إثارة هذه المشكلة ضمن قصصهم ورواياتهم وأشعارهم لمحاولة إيجاد حلول خلاقة لها وعدم قصر الحلول على الحركة النسوية الفلسطينية. 13. لما كان لمجتمعنا خصوصية مميزة له كان لا بد من الإشارة إلى ضرورة دراسة ووضع خطط واضحة وعملية لمواجهة الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على ما خلفه العدوان الإسرائيلي من" عملاء" وما يتعرض وتتعرض له ضحاياهم من اسقاط جنسي ونفسي وغيره وأثر ذلك على المرأة والأسرة والأبناء... وأثر الحصار على الأسر ومدى تأثير أسر الزوج على الأسرة من زوجة وأبناء.
ولا بد من توسيع مجال النظر وعدم الاقتصار على التطلع إلى ما نالته المرأة العربية أو حتى المرأة في اسرائيل المجاورة لنا ، فبالنظر للنساء في إسرائيل نجد أنهن يتلقين أجوراً أقل من الرجال بيد أنهن يتمتعن بثقافة أوسع فضلاً عن أن النساء يحظين في تمثيل أقل في الكنيست، مقارنة مع أية دولة غربية، غير أنهن يتلقين فرصاً أكثر في الجيش الإسرائيلي. وهن يعشن تحت تهديد العنف المتواصل وبتمثيل أقل في وسائل الإعلام.
-------------------------------------------------------------------------------- ([1] ) المرأة العربية الوضع القانوني والاجتماعي، المعهد العربي لحقوق الإنسان، منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس، 1996، ص 380 المصدر - دنيا الوطن |
أطبع
الدراسة |
أرسل الدراسة لصديق
|
|