فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

هل يحتاج الأطفال المسلمون في العالم مجلة عالمية ثقافية

القراء : 2909

هل يحتاج الأطفال المسلمون في العالم مجلة عالمية ثقافية

د. هادي نعمان الهيتي
 جامعة بغداد كلية الإعلام ـ  جمهورية العراق
 
المجلة الثقافية  لها أهميتها بالنسبة إلى الأطفال جميعاً، ولكن هذا السؤال يدور حول مجلة عالمية ثقافية، أي تصدر بلغات شتى وتعبر الحدود الجغرافية وتتخطى الحدود السياسية، وفيما إذا كان الأطفال المسلمون في العالم بالذات في حاجة إلى صدور هذه المجلة.
وللإجابة على هذا السؤال يتعين الوقوف على واقع الأطفال في العالم وفيما إذا كان ذلك الواقع يفرض وجود مجلة عالمية ثقافية وفيما إذا كانت هذه المجلة تسد نقصاً في الوظائف الثقافية للاتصال بالطفل المسلم في العالم.

ونحاول فيما يلي تقصي هذين المجالين الأساسين :
يرجع العلم الحديث كثيراً من خصائص الأفراد العقلية والنفسية والاجتماعية والثقافية بما فيها ثقتهم بأنفسهم وبالعالم الذي يحيط بهم وبإرادتهم على التعبير في صنع مستقبلهم إلى خبرات الطفولة وإلى المواقف الاجتماعية والعاطفية التي يمرون بها، وإلى المصادر الاتصالية التي يتعرضون لها في استقائهم مكونات الثقافة، ذلك أن هذه الأجواء هي التي تفعل فعلها الكبير في تكوين شخصيات الأفراد وشخصية المجتمع.
وتقود وسائل الاتصال الجمعي  Mass media إلى تكوين مشاركة في الأفكار والمشاعر أي تكوين ثقافات متشابهة، فالأفراد الذين يقرؤون كتاباً أو يتعرضون لصحيفة ذات اتجاهات معينة تتشكل لديهم أفكار ومشاعر فيها قدر من أوجه التشابه.
وإذا كان الراشدون قد أصبحوا تحت وطأة الظاهرة الاتصالية، في هذا العصر الذي يوصف بأنه "عصر الاتصال" فإن الأطفال، هم أيضاً، يشكلون جمهوراً لوسائل الاتصال، حيث تحمل هذه الوسائل رسائل فنية ذات مضامين وأشكال متفردة كالقصص والأخبار، والروايات والأشعار، والمقالات والمسلسلات والبرامج والمسرحيات، والتي تحتويها كتب الأطفال وبرامجهم الإذاعية والتلفزيونية وأفلامهم السينمائية.

وشهدت وسائل الاتصال الجماهيري، ورسائله، مع مطلع التسعينات من القرن العشرين انعطافاً كبيراً، وخاصة بعد استخدام أقمار الفضاء في البث التلفزيوني البعيد، وبعد زيادة استخدام الكمبيوتر في عمليات إخراجية واتصالية.
ومنذ حلول السنة الدولية للطفولة 1979 تحتل قضية ثقافة الأطفال موقعاً أكثر بروزاً في حركة الاتصال الحديثة.
ومع إن الطفل المسلم يشارك في هذه الحركة باعتباره مستقبلاً اتصالياً، إلا أن ما يتاح له أقل بكثير مقارنة بالأطفال الآخرين في هذا العالم، كما أن من بين ما يتاح له قد لا يتوافق مع توجهات النمو الاجتماعي والنفسي.
وحيث إن هناك ضرورات تستدعي رسم توجهات مشتركة لدى المسلمين ابتداء من الطفولة بحيث يتاح  لهم نمو أكبر ومساهمة أوسع مع العالم في بناء الحياة الجديدة، لذا فقد برز ذلك السؤال عن مجلة عالمية ثقافية للطفل المسلم، مع الإبقاء في الذهن أن >القصد من الدين هو تزكية النفس، وتطهير القلب، وظهور روح الامتثال والطاعة، واستثمار عظمة اللّه، وإقرار الخير والصلاح في الأرض على أساس قوي متين من ربط الإنسان بخالقه<(1).
وقد أصبحت الطفولة وما يرتبط بها من الموضوعات الأساسية لعدد من العلوم الإنسانية والطبيعية إذ اختصت أفرع من علم النفس، وعلم التربية، وعلم الاجتماع، وعلم الاتصال، وعلم الطب ببعض هذه الموضوعات. ولم يغفل التاريخ الوقائع والأحداث والتطورات المتعلقة بالطفولة  لكن الأديان كانت في اهتماماتها بالأطفال والطفولة أسبق من أي الاهتمامات الإنسانية.
ويتضح اهتمام الأديان بالأطفال والطفولة من خلال ما انطوت عليه تلك الأديان، من عقائد، أو شرائع أو منطلقات فقهية أو شواهد أو أدبيات تاريخية، حيث يمكن الوقوف على ما يشكل نظرات تربوية ونفسية واجتماعية إلى الطفولة أو أساليب للتعامل مع الأطفال.
وربط كثير من الباحثين بين الدين والأخلاق، وذهبوا إلى أن الأخلاق تقوم على الدين، أو أن الأخلاق تبدأ بالدين، على أساس أن الأخلاق توفر للإنسان تنظيم علاقاته بالآخرين. وهناك من ركز على تأثر الأخلاق بالدين في الجوانب النفسية والاجتماعية، وتأثر الحضارات، أيضاً، إذ هو طبع بعض الحضارات بطابعه، لذا وصفت الحضارة العربية بأنها إسلامية، ووصفت الحضارة الأوربية بأنها مسيحية.
وقد اهتمت الفلسفة بالدين منذ فترة مبكرة من التاريخ الفلسفي، وحين ظهر العلم الحديث أولى هو الآخر اهتمامه بالدين، وأفرد عدداً من الأفرع العلمية لدراسة الأديان، مثل علم الأديان المقارن، وعلم الاجتماع الديني.

ومع أن اهتمام الغرب بالدين يبدو عابراً، إلا أن التقصي الموضوعي يكشف أن الدين يشكل خلفية ذات فاعلية في نظر الغرب إلى الوقائع والظواهر والموضوعات والأشخاص والمجتمعات، وأن الغرب، رغم تخليه إلى حد ما عن الدين إلا أن كثيراً من منظورات الدين ما تزال تطبع ثقافته، كما أن الدين هو مصدر لكثير من الاتجاهات السائدة في الغرب، فضلاً عن أن الدين يلعب دوراً مهماً في الرأي العام.
ويفصح تحليل الإنتاجات الإعلامية والدعائية الغربية عبر الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية والأفلام السينمائية، سواء أكانت للكبار أم للأطفال، إنها تحمل في مضمونها أو في توجهها العام أفكار ومشاعر دينية : ضمناً أو صراحة، ويمكن تبين ذلك حتى في الأدبيات التي تبدو، في جوهرها، وكأنها بعيدة عن الدين خاصة وأن الكثير من تلك التضمينات هي، بالأساس، جزء من الثقافة في المجتمع، حيث أن الأفراد لا يمكن لهم التحرر كلياً من ثقافة مجتمعهم، وأن الإنسان، في تعبيره عن نفسه، يعبر  ـ في العادة ـ عن جانب من ثقافة مجتمعه التي يكون قد امتص جزءاً منها، وبصورة تراكمية منذ الطفولة في عمليات التنشئة الاجتماعية، إذ يتأثر الطفل بأنماط الثقافة، وبالدين، عبر أسرته، ومدرسته، ومجتمعه، ويتكيف معها ويكتسب معاييرها وقيمها، وينمو من خلال تفاعله معها.
وهناك عوامل أخرى لاقتناع كثير من الغربيين أن للدين من المقومات ما يمكن الانتفاع منها في مجمل عمليات التعامل مع الإنسان. لذا فإن كثيرين من المفكرين الغربيين ممن لم يعرف عنهم الإيمان الديني يعملون من خلال كثير من النتاجات الأدبية والفنية والعلمية على وضع كثير من الجوانب الروحية في موضع القداسة أو التأكيد على أهميتها في الحياة.

وبوجه عام، فإن بعض الاجتماعيين يرون أن التدين حاجة إنسانية، وأن للدين وظائف حيوية لها أهميتها للفرد والمجتمع.
وهذه الوظائف محاطة بسياج من السلوك الجمعي والعرف والقانون يعينها على أداء مهمتها في المجتمع، وأبرز هذه الوظائف في المجال الاجتماعي(2) :
1. يقوم الدين بدور هام في عملية التماسك الاجتماعي والتآلف بين الأفراد الذين يكونون المجتمع، ذلك أنه يوحّد بين هؤلاء الأفراد في القيم والأهداف والمعاني، كما يبرر هذه القيم.
2. يقوم الدين بضبط سلوك الأفراد ومراقبة تصرفاتهم، فعن طريق المعتقدات والعبادات تقرن قيم  الجماعة وأهدافها المشتركة بقوة لها قداستها، ورغبات لها احترامها، وبذلك يمارس الدين سلطة قوية على أفراد الجماعة تجعلهم ينسجمون مع قواعد السلوك المنصوص عليها في المحتويات الدينية، وتعد رقابة الدين أقوى أنواع الرقابات الاجتماعية.
3. يقوم الدين بتفسير بعض المشكلات الغامضة، والإجابة عن بعض الأسئلة المحيرة، وهذه الإجابات توفر فرص تفاعل الأفراد في المجتمع.
ووفقاً للمنظور الاجتماعي للدين يمكن الإشارة إلى وسائل الاتصال التي تتخذ من الدين روحاً لها، بما فيها وسائل الاتصال بالأطفال، كالصحافة، والإذاعة، والتلفزيون والسينما، خاصة وأن لصحافة الأطفال في الغرب وجوداً حيوياً، ولها أهميتها ودورها في حياة الأطفال وفي مستقبلهم.
وكانت صحف الأطفال قد ظهرت في فرنسا عام 1830 وبعد حين صدر بولتنزر ملحقاً لجريدة العالم  World عام 1896 في الولايات المتحدة الأمريكية يضم رسوماً لمغامرات طفل في شوارع نيويورك.
وتوالى إصدار صحف الأطفال في العالم الغربي منها مئات الصحف الدينية وتتولى إصدارها، في الغالب، الطوائف والمذاهب الدينية المتعددة فالكاثوليك والبروتستانت وغيرهم يصدرون صحف الأطفال مستهدفين غرس الوعي الديني في نفوس الأطفال منذ نعومة الأظفار، ويلاحظ أن أغلب تلك الصحف لا تعبأ للخسائر المادية التي تنفقها ما دامت تعمل بين جمهور الأطفال لوجه اللّه(3).
ويلاحظ أن أغلب صحف الأطفال الدينية تهتم ببث القيم والأخلاقيات أو تهتم بالقضايا الفنية والأدبية، لذا ليس بالوسع اكتشاف هوية مثل تلك الصحف بسهولة رغم أن الكثير منها تصدر عن مدارس الأحد للكنيسة المعمورية، أو عن دور نشر كنسية، أو كنائس أو جمعية شبان المسيح أو عن اتحاد الإنجيل أو عن منظمات يهودية(4).
وإزاء الأعداد الكبيرة من الصحف الثقافية الدينية التي تصدرها المؤسسات والهيئات المسيحية واليهودية، وغيرها والموجهة إلى الأطفال في العالم، يخلو الجو من مجلة : عالمية ثقافية للأطفال المسلمين، وهناك عدد من المجلات القطرية ذات الصفة الدينية البحتة والتي تركز على المسائل الدينية الصرفة والعبادات، أي أنه لا توجد مجلة إسلامية ثقافية للأطفال المسلمين على المستوى العالمي.

دواع لمجلة عالمية ثقافية للأطفال المسلمين
وإذا كانت هناك دواع لمجلة عالمية ثقافية للأطفال المسلمين فإن ذلك يتوقف على تحقيقها عدداً من الوظائف منها :
1. إن المجلة العالمية الثقافية الموجهة إلى الأطفال المسلمين يمكن أن توفر للأطفال فرص تقبل الذات منذ الطفولة، خاصة وأن مسألة تقبل الذات لدى المسلمين ما تزال في حاجة إلى مزيد من الإنماء، كما يمكن للمجلة أن تسهم في بلورة نظرة الطفل المسلم إلى نفسه حيث إن لنظرة الأمة إلى نفسها علاقة بمجمل العوامل النفسية للتغيير الاجتماعي، ويمكن للمجتمع أن ينكفئ على الذات إن هو فقد ثقته بنفسه أو تفهم بعجزه أو أصبح فريسة الاستكانة الناجمة عن الانبهار بالآخرين أو وصل به العنف حد المغالاة، أو انشغل بالتبريرات الكلامية على حساب التفكير المستقيم بالمشكلات ومواجهة الواقع فعلياً.
وفي حياة المسلمين تكونت أفكار عن الذات وعن الآخرين نتيجة لترسبات تاريخية، أو نظرات ضيقة. وقد قاد البعض منها إلى تولد مشاعر لدى المسلمين عن الآخرين من جهة، ولدى الآخرين إزاء المسلمين من جهة أخرى.
وهناك أوضاع فكرية أخرى متعددة، كلها تبرر الدعوة لأن تكون بين الأطفال مجلة موحدة الأفكار تسهم في تنمية تقبل الذات وتقبل الآخرين وتنطوي فيها مجمل الجهود التي تذكي الثقة بالنفس والثقة بإمكانات التقدم والمساهمة في بناء الحضارة وبعث الثقة بالمستقبل كبديل حضاري، كما ينطوي أيضاً قبول الآخرين وبوسع المجلة الثقافية أن تأخذ في تكوين الأفكار التي تعزز هذه الاتجاهات شيئاً فشيئاً.
2. امتزجت نظرة الغرب إلى الإسلام والمسلمين بعوامل تاريخية واجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية متشابكة، كان من بين مكونات تلك النظرة ما نجم عن حركة الاستشراق من تأثيرات وخاصة الدراسات التي وضعها بعض الباحثين الغربيين عن شخصية النبي محمد صلى الله عليه و سلم وعن تعليلهم لنشأة الإسلام ومواقفه الأخرى.
وساهمت عوامل ووسائل أخرى في تكوين انطباعات عن الإسلام عززتها في نفوس الغربيين أدبيات تاريخية، ومواقف، وحوادث عملت رسائل الإعلام الغربية على إظهارها في صور مغايرة للواقع.
وظهرت حملات للتخويف من الإسلام، وما تزال هذه الحملات تزداد بشدة، وخاصة في أعقاب أحداث 11 أيلول 2001 حيث حرصت قوى متعصبة، وأخرى مناوئة للإسلام إلى أظهار الإسلام خطراً يهدد الحضارة. وكانت نظرية صراع الحضارات واحدة من تلك الحركات.
وإزاء هذا كله فإن المجلة الثقافية للطفل المسلم يمكن لها أن تأخذ في الاعتبار إعطاء الصورة الحقيقية للإسلام. بحيث يمكن للأطفال المسلمين أن يتمثلوا حقيقة الإسلام.
3. كانت قوى وعوامل متعددة قد عملت على إثارة بعض المشكلات النفسية بين المسلمين من خلال التهوين من الحضارة الإسلامية والتقليل من دورهم التاريخي، وإضعاف نفوذهم السياسي وإظهارهم بمظهر الضعفاء، وقد وصل الأمر إلى توريط فصائل من المسلمين في مشاكل حادة، ووجدوا أنفسهم في أوضاع ليست لهم، يبذلون النفس من أجل قضايا ليست لهم.
ويضاعف من مشكلات المسلمين النفسية الاختلاف المذهبي الذي يدفع بالبعض إلى حد التنازع، كما تعمقها قتامة الصورة لدى بعض المجتمعات عن المسلمين.
وإذا كان الأمر يتطلب قيام الأجهزة التربوية والإعلامية من أجل التقليل من تأثير تلك المشكلات، فإن البدء بالأطفال مسألة ضرورية، وذلك من خلال تيسير وصول الأفكار المنفتحة إلى الأطفال المسلمين بحيث يتحقق التعامل مع هذه المشكلات بروح واعية.
4. للأسرة دورها في التنشئة الاجتماعية والثقافية إذ أنها الجماعة المرجعية الأولى التي يحيى فيها الطفل المسلم.
ولكن تغْلِب على الأسرة المسلمة أنماط لا تشجع الأطفال على الاتصال والمشاركة، مثلما تغلب بعض القيم التقليدية، وحيث أن متطلبات الحاضر والمستقبل يفترض أن ينشأ الأطفال وفق قيم جديدة لذا فإن مجلة الأطفال العالمية يمكن أن تعمل على تطويع القيم وتطويرها وتعميمها دون أن تقحم قيماً مغايرة. ومن هنا فإن بالوسع تكوين بناء قيمي ذي سلالم قيمية متناسبة مع تطورات الحاضر والمستقبل ويمكن للمجلة أن تكون مرجعاً للكبار في تفهم القيم الجديدة والمساعدة على غرسها في أعماق الأطفال.
5. ويعاني الأطفال المسلمون في واقعهم المدرسي من مشكلات شتى حيث إن تأثير المدرسة يتوقف على نوع الأسر التي يأتي منها الأطفال، ذلك أن المدرسة تميل لأن تكون أقل فاعلية في تربية الأطفال الوافدين إليها من المستويات الدنيا.
ولما كان تأثير المدرسة يرتبط بنوع الأسر التي ينتمي إليها الأطفال، لذا أمكن القول أن المدرسة وفق المنظور الإسلامي تعاني اليوم من بعض المشكلات الاجتماعية عامة والأسرية خاصة. وهي بهذا تعاني من جوانب تقليدية، بقدر أو آخر. وأن المدرسة الإسلامية لم تصل في وظيفتها إلى المستوى التجديدي أو الاستحداثي.
ومن هنا فإن المجلة العالمية للطفل المسلم يمكن لها أن تشد بعض جوانب النقص في المدرسة من خلال تأكيدها على الجديد، وإثارتها انتباه الأطفال إلى أساليب السلوك الديناميكية، والإسهام في دفع المدرسة إلى منطلقات وموضوعات الجديد، أو التعويض عن بعض مما ينقص المدرسة.
6. يعيش المسلمون في عدد من الدول الإسلامية التي يتألف مجمل أو غالبية سكانها من المسلمين، وفي دول أخرى يشكلون فيها أقليات كبيرة أو صغيرة أو جاليات، وبهذا فإن المسلمين يتوزعون بنسب متفاوتة في جميع أنحاء العالم.
وتعد آسيا مهد الإسلام ويعيش فيها نحو أربعة أخماس المسلمين، بينما يعيش المسلمون على أكثر من ثلث مساحة أفريقيا، ويتوزعون أقليات وجاليات في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية. ويؤلف الأطفال المسلمون الذين تقل أعمارهم عن خمسة عشر عاماً ما يزيد على %40 من عدد المسلمين في العالم قلة.
ورقعة التوزيع الجغرافي للمسلمين واسعة، لذا فإن عمليات الاتصال بينهم محدودة وعليه فإن المجلة العالمية يمكن أن تشكل، بقدر أو بآخر، صلة وصل بين أعداد كبيرة من الأطفال المسلمين.
7. ويضعف "الاتصال" بين المسلمين في عصر تتزايد فيه أهمية الاتصال المباشر وغير المباشر الأمر الذي يقلل من فرص الاندماج بالحياة. ومن جانب آخر فإن البلدان الإسلامية تستقبل سريان الاتصال من الدول المتقدمة إلى الدول الأخرى عن طريق القنوات التلفزيونية والصحف والكتب والسينما والإذاعات.
ويضم الإسلام أعراقاً مختلفة من البشر يعيشون في دول تختلف فيما بينها من حيث الأسلوب الثقافي والتاريخ الحضاري والواقع السكاني، ومن المسلمين من هم مهاجرون في بلدان تختلف عن بلدانهم الأصلية اختلافات عميقة، ويعاني أطفالهم من عمليات تذويب ثقافي مثلما يعاني الآباء من عمليات التأقلم والتكيف.
ومن هنا، فإن هناك ضرورة لتلبية الحاجة الاتصالية بين الأطفال المسلمين بقصد إشاعة قدر من المكونات الثقافية بينهم.
8. أما بشأن الثقافة فيمكن القول أنه ليست هناك ثقافة واحدة للأطفال المسلمين في العالم، بل هناك مجموعة كبيرة من الثقافات، كما يمكن القول أن مجمل هذه الثقافات هي ثقافات فرعية، إذ هي تتعدد وتتنوع في مجتمعات أو بيئات كثيرة، وهي من حيث انتظام عناصرها تبدو متباينة إلى حد كبير، لذا فإن ما يميز الطفل المسلم من الناحية الثقافية في مجتمع من المجتمعات الأفريقية يختلف إلى حد كبير عما يميز الطفل المسلم من الناحية الثقافية في مجتمع من المجتمعات الأسيوية.
وهكذا فإن تشتت ثقافات الأطفال المسلمين يفرض بذل الجهود من أجل التقريب بين الثقافات ويمكن للمجلة العالمية الثقافية أن تسهم في هذا المجال بقدر أو بآخر.
9. وعلى صعيد آخر فإن العصر الحديث اختص بأنه عصر العلم وهذا يعني أن السيادة فيه للتفكير العلمي بشروطه الأساسية كالمنهجية، والواقعية، والمرونة، والتعميم، والتحليل والتركيب، هذا يعني أيضاً أن أنماط التفكير المضادة  للعلم ينبغي أن لا يكون لها السلطان على السلوك، مثل التفكير الخرافي، والتفكير الوهمي، والتفكير الناجم عن المحاولة والخطأ.
ويعد العلم، كما تعد التكنولوجيا حصيلة العقل الإنساني في تفكيره المنظم، وقد فرض كل من العلم والتكنولوجيا على الثقافة، في كل مجتمع، وجهاً جديداً، ومن هنا يترتب أن يتاح  للأطفال المسلمين جهد ثقافي أكبر يتحقق بفضله بناء وحداتهم الثقافية الجديدة، ولذا كان للمؤسسات الوطنية دور في هذا المجال فإن المجلة العالمية الثقافية يمكن لها أن تبلور هذه الأفكار والمفاهيم حتى تشيع في ثقافة الأطفال وتقرب بينهم.
10. وتفرض التوجهات المستقبلية أساليب عمل وتفكير جديدة تتجاوز تلقين الأفكار والمفاهيم والعناصر الثقافية إلى إثارة التفكير وتنظيم مجمل العمليات الفكرية لدى الأجيال الجديدة.
ويواجه المسلمون تحديات كبيرة وثقيلة، إذ أن هناك الكثير من العوامل التي تقف أمام مسيرته، مما يجعله أمام تحديات مستقبلية أكثر تشابكاً وتنوعاً وصعوبة.
ويضاعف من ذلك أن المسلمين لم يعطوا لموضوع المستقبل ما يستحق من الاهتمام، ويبدو أنهم من بين المجتمعات الأقل اهتماماً بالاستشراف العلمي للمستقبل.
وعلى هذا أمكن القول أن الوعي الإسلامي بالمستقبل في حاجة إلى إنماء، وإذا كان هذا الإنماء يتطلب عمليات ثقافية وتربوية بحيث يدخل الوعي بالمستقبل في السلوك والتفكير لدى المسلمين بصورة أكثر موضوعية ودقة فإن ذلك لا يقتصر على الراشدين وحدهم، إذ قد تكون بلورة هذا الأمر في الأذهان منذ الطفولة ضرورة أكثر إلحاحاً.
ومن بين ما يقتضيه الوعي بالمستقبل تبني معطيات فكرية وقيمية متعددة، ذلك أن هذه الدعوة تشمل تجديد آمال المسلمين في أن يواكبوا الحياة، ويتطلب ذلك جهداً ثقافياً يقوم على أساس تربوي سليم تعد المجلة العالمية الثقافية إحدى أدواته.
 
الوظائف الثقافية والأسس التربوية للمجلة العالمية الثقافية للطفل المسلم.
من بين المنطلقات التي يترتب التركيز عليها في المجلة العالمية الثقافية للطفل المسلم ما يلي :
1. فهم الأطفال للدين
ذلك أن من بين المشكلات الثقافية الكبيرة التباين في فهم الدين. لذا فإن إصدار مجلة للأطفال المسلمين تضع أطراً عامة لعلاقات الدين بالموضوعات المختلفة، وبالتالي تحقيق فهم للدين بما في ذلك التاريخ، وهنا يشير أحد الباحثين بالقول : >إن العجب كله ... أن تَنْقََضََّ أمة على تاريخها فتهلهله أو تصوره سلسلة من الفتن والمؤامرات ... حتى تتوازى أجيالنا ـ رغم أصالة تاريخها ـ في مواجهة العالم، لا تريد أن تظهر به ... أو تنتمي إليه<(5).
2. المرونة ومجافاة التطرف
إن انتشار فكرة الغلو، بوجه عام، يعني مجاوزة حدود الشرع أو العقل أو الاعتقاد، وهو يتنافى مع الإسلام(6).
لذا فإن من بين الوظائف والمبادئ التي تمضي عليها المجلة الأخذ بالمرونة مع مجافاة التطرف.
3. تكوين الضمير الخلقي
يتمثل قوام الضمير في جملة القيم والاتجاهات والأفكار في انتظامها في تكوين كلي. ومن هنا فإن من وظائف المجلة بلورة قيم الضمير من خلال التركيز على قيم بذاتها وتجسيدها فنياً عبر أساليب صحفية وأدبية وفنية.
4. تكوين مشاعر مشتركة
سعياً وراء تحقيق الشعور بالوحدة والتعاطف والتآخي بين المسلمين يتعين العمل الثقافي المنظم بحيث تتخذ المساعي أهدافاً تضامنية بعيدة عن كل صيغ التحالفات أو التكتلات أو التجمعات الدينية أو السياسية، وأن لا تنحو نحو التعصب أو التطرف أو الانعزال، إذ يمكن أن تكون المجلة الثقافية مساهمة كبرى في هذا المجال، وخاصة وأن من بين أسباب غياب التوجهات المشتركة، إلى حد ما، بين المسلمين هو التناقض في الأطروحات، والتباين في المنظورات، والمغالاة في التمذهب، إضافة إلى عدم وجود قنوات اتصال تربط بين المسلمين في العالم.
5. إنماء الشعور القومي بالمسؤولية
يذهب المربون إلى التأكيد على تنمية الشعور بالمسؤولية، بأن يكون هدفاً أساسياً للتربية والتعليم، وهم يلقون هذه الوظيفة على المجتمع، ومؤسساته المختصة، كي يمكن تحقيقها للأطفال.
6. إذكاء التفكير
يمكن للمجلة الثقافية أن تساهم في إذكاء تفكير الأطفال، وذلك من خلال تدريب العقل على التعامل مع الواقع ومشكلاته بعيداً عن أنماط التفكير الوهمي والخرافي.
7. استيعاب المتغيرات
تتميز حياة اليوم بدينامية حركة التغيير، لذا تفرض ظواهر الحياة الحديثة استيعاباً لمجمل المتغيرات والعلاقات والوعي بها. ويمكن للمجلة العالمية أن تضع في حسابها هذه المسألة وتجعل الأطفال أمام المتغيرات بحيث يألفون حركة التغير ويسايرون بعض توجهاتها.
8. ممارسة النقد والنقد الذاتي
إن إنماء الطفل على تقبل النقد وممارسة النقد البناء هي جزء من عوامل تفتح شخصيته، وحين تضع المجلة هذه المسألة في حسابها يمكن لها، بقدر ما، أن تعزز هذا النمط السلوكي لدى الأطفال المسلمين.
9. إنماء الاستقلالية في شخصية الطفل
يتطلب أن تكون الاستقلالية إحدى الأسس المهمة في شخصية الطفل المسلم، وتكون هذه الميزة عاملاً يحول دون تسلل أنماط التفكير والسلوك الإشكالي أو المقلد.
وإنماء هذه الخصيصة يتطلب جهداً ثقافياً على صعيد الأطفال المسلمين في العالم، وتعد المجلة الثقافية إحدى أدواته.
10. تنظيم الولاء
يتمثل ارتباط الطفل العاطفي بالمجتمع في ولاءات متعددة للوطن والنظام والآخرين، ويدعم ذلك الارتباط أنظمة متعددة كالنظام الديني، والنظام الأسري، والنظام التعليمي والنظام الإعلامي.
ويعد الولاء للحقيقة في مقدمة الولاءات تستتبعها ولاءات متعددة. ومن أجل أن تتسق هذه الولاءات وتنتظم يتطلب الأمر جهداً ثقافياً على قدر من الدقة، ويمكن للمجلة أن تؤدي دوراً فيه.
وهكذا فإن إصدار مجلة عالمية ثقافية للطفل المسلم باللغة العربية وباللغة الإنجليزية، وبلغات أخرى هو مشروع عملاق، وهو ضرورة غاية في الإلحاح.
 
________________________________________
(*) جامعة بغداد كلية الإعلام ـ  جمهورية العراق.
(1)  محمود شلتوت، من توجيهات الإسلام، ط 3، القاهرة، دار العلم، ص 22.
(2) محمد عبد المنعم نور، المجتمع الإنساني، القاهرة، مكتبة القاهرة الحديثة، ص 90-89.
(3) هادي نعمان الهيتي، أدب الأطفال، فلسفته، فنونه، وسائطه، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1977، ص 244.
(4) هادي نعمان الهيتي، صحافة الأطفال، بغداد، وزارة الإعلام، 1978، ص 248-246.
(5)  محمد الأحمد الرشيد، مناهج عرض التاريخ الإسلامي وأثرها على تربية الأجيال، مجلة رسالة الخليج العربي، السنة 7، 1987، العدد 22، ص 10.
(6)  د. نشأت عبد الجواد، انتشار فكر الغلو وخطورته على الشباب المسلم، من بحوث الندوة العالمية الثامنة للشباب المسلم، 1998، والمحور، ص 13.

 قضايا الطفل من منظور إسلامي
أعمال الـندوة الـدولية التي عقدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ بالتعاون مع جمعية الدعوة الإسلامية العالمية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي
الرباط في الفترة من 29  أكتوبر إلى1  نوفمبر 2002
منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ  1427هـ/  2006م

 

 أطبع الدراسة أرسل الدراسة لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6531467 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة