فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

حـقـــوق الإنـســـان في التعاليم الإسلامية

القراء : 11345

حـقـــوق الإنـســـان في التعاليم الإسلامية

 
الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري

o الفهرس
o مقدمـة
o توطئة
o الأصول الإسلامية لمبادئ حقوق الإنسان
o حقوق الإنسان في الإسلام
o حقوق الإنسان وازدواجية المعايير
o  خاتمـة
o ملاحق :
1 . إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام
 2 . إعلان ر وما حول حقوق الإنسان في الإسلام

مقدمة
دعيت إلى المشاركة في الندوة الإسلامية الدولية التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي في العاصمة الإيطالية روما، في الفترة من 25 إلى 28 فبراير من عام 2000 م، حول موضوع (حقوق الإنسان في الإسلام). وقد حرصت على تلبية تلك الدعوة، نظراً إلى الأهمية الخاصة لهذه الندوة التي عقدت في مدينة أوروبية لها خصوصيتها ورمزيتها، واعتباراً لحيثيات الشخصيات الدولية التي أعلن عن حضورها هذه الندوة، وذلك من أجل الإسهام مع الصفوة من العلماء والمفكرين والأكاديميين المتخصصين الذين دعوا لإلقاء بحوثهم ودراساتهم أمام الندوة، في توضيح الموقف الإسلامي الصحيح والسليم إزاء قضية تشغل المجتمع الدولي برمته على نطاق واسع، وتبيان الرؤية الإسلامية المستنيرة بصحيح الدين، إلى موضوع حقوق الإنسان من الجوانب كافة.
ولقد اخترت أن أتحدث أمام هذه الندوة في موضوع (حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية)، منطلقاً من الأسس والمبادئ التي جاء بها الإسلام، والتي كفل بها، ولأول مرة في التاريخ البشري، الحقوقَ الأساس للإنسان على هذه الأرض، ومقارناً بين التعاليم الإسلامية التي تؤكد على حقوق الإنسان وتجعل منها واجباتٍ دينيةً، وبين القوانين الوضعية عبر تطورها التاريخي. ثم انتهيت إلى تبيان ما يشوب مفهوم حقوق الإنسان لدى الغرب، من نظرة استعلائية، وما يشين تطبيق هذا المفهوم، من ازدواجيةٍ في المعايير. وخلصت إلى ضرورة القيام بمراجعةٍ شاملةٍ لأحوالنا وأمورنا، خاصة ما يتصل منها بتطبيق التعاليم الإسلامية في مجال حقوق الإنسان، حفاظاً على كرامة أمتنا، وحمايةً لديننا من تشويه حقائقه الناصعة والنيل من تعاليمه السمحة.
ولقد رأيت أنه من المفيد والمناسب، أن أنشر في ختام هذه الدراسة، إعلان روما حول حقوق الإنسان الصادر عن الندوة التي شاركت فيها، والنصّ الكامل لإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن المؤتمر الإسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية، لأنه يعكس الرؤية الإسلامية إلى هذه الحقوق، ويعبّر عن إرادة دول منظمة المؤتمر الإسلامي واقتناعها وتوجّهها واختيارها.
كما حرصت على أن أنشر الترجمتين الانجليزية والفرنسية لهذه الدراسة مع الإعلانين الآنفي الذكر، في كتاب واحد، تعميماً للفائدة، وتبليغاً لرسالة التعاليم الإسلامية بخصوص حقوق الإنسان، إلى الرأي العام الدولي من خلال هاتين اللغتين.
واللَّه وليّ التوفيق.

الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري
المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة
 
توطئة :
 اخترت الحديث عن (حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية)، لسببين اثنين :
أولهما، أن موضوع حقوق الإنسان، أصبح اليومَ من الموضوعات التي تتصدَّر اهتمامات المجتمع الدولي، وتتعدَّد فيه وجهات النظر، وتتباين المواقف، مما يشوش الأذهان، ويفسح المجال للمزايدات والمغالطات، وهو الأمر الذي يتطلب تحديدَ معالم الموقف الإسلاميّ الصحيح والواضح من هذه القضية.
وثانيهما، أن موضوع حقوق الإنسان قد صار اليومَ عند بعض الأطراف ولدى بعض الجهات، مدخلاً إلى تشويه صورة العالم الإسلامي، وإلى الإضرار بسمعة المسلمين، وإلى النيل من الإسلام والطعن في شريعته، مما يستلزم تصحيحَ المفاهيم، وتوضيحَ الحقائق، بما يطمئن الرأي العام الدولي، إلى براءة الإسلام مما يُفْتَرَى به عليه، وإلى سلامة موقفه تجاه كل ما من شأنه أن يحقق السلام والأمن والاستقرار والوئام والتفاهم بين الشعوب والأمم، ويُسهم في بناء الحضارة الإنسانية.

إِنَّ الاهتمام بموضوع حقوق الإنسان في إطاره الشامل، وبإثارته على هذا النطاق الواسع، هو حديثُ عهدٍ بالظهور؛ فلئن كانت قضية حقوق الإنسان مطروحةً ومتداولةً في المحيط الفكريّ والسياسي،  منذ القرن السابع عشر للميلاد، فإن الاهتمام بها بقي محصوراً في الإطار القانونيّ والدستوريّ على وجه الإجمال، ولم يتعدَّ هذا النطاقَ، وينتقل إلى طليعة الاهتمامات على المستوى الدولي. وحتى بعد تأسيس الأمم المتحدة، وصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عنها، في عام 1948، فإن الانشغال بهذه القضية، لم يخرج عن الإطار القانوني، إلى الآفاق الدولية الرحبة، إلاَّ أثناء احتدام الحرب الباردة بين الشرق والغرب، عندما اتخذ المعسكر الغربيّ، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، من حقوق الإنسان، سلاحاً استخدمه في الإجهاض على المعسكر الشرقي، والإطاحة بالاتحاد السوفياتي، وتفكيك منظومته، ودحر إيديولوجيته.
ففي خضم الصراع المحموم بين القطبين الكبيرين الرأسمالي والاشتراكي، ظهرت الدعوة إلى حقوق الإنسان في شكلها الجديد، بحيث صارت هذه الدعوةُ من القضايا التي تستأثر باهتمامات المجتمع الدولي، وتتصدَّر المسائلَ ذاتَ التأثير القويّ على اتجاهات السياسة الدولية، مما جعلها أداةً فاعلةً وضاغطةً يستخدمها الغرب لممارسة الهيمنة، ولفرض السيطرة، ولبسط النفوذ السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ على الدول كافة.
ولقد فسح هذا الاهتمامُ المتزايدُ بقضية حقوق الإنسان، الباب واسعاً أمام الاستغلال السيّئ للمقاصد الشريفة التي تنطوي عليها حقوق الإنسان، وأمام التحريف المتعمد للأهداف النبيلة التي ترمي إليها، مما يجوز معه القولُ إن هذه القضية في بعض الأحيان، أصبحت حقّاً أُريد به باطل.
 
الأصول الإسلامية لمبادئ حقوق الإنسان :
بالرجوع إلى منشأ فكرة حقوق الإنسان في صيغتها الراهنة، ومن خلال المراجعة المتأنية للأسس التي قامت عليها الدعوةُ إلى حقوق الإنسان عبر جميع المراحل التي قطعتها، منذ القرن السابع عشر، وإلى اليوم، يثبت لنا أن أغلب المواثيق والإعلانات والعهود الخاصة بحقوق الإنسان ــ وهي تكاد تصل إلى مائة إعلان واتفاق وعهد دولي ــ أخذت مبادئها الكلية ومنطلقاتها الأساس عن الأصول الإسلامية، فلقد استفاد الغرب من عطاء الحضارة العربية الإسلامية عبر الأندلس وصقلية وإِبّان الحروب التي يسميها الغرب بالحروب الصليبية، في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وكان من نتيجة ذلك، ظهور البوادر الأولى لما يعرف بعصر النهضة، ثم عصر التنوير في أوروبا والتي تمثّلت في حركات الإصلاح الديني التي عرفتها هذه القارة، تلك الحركات التي لم تكن بعيدةً عن التأثر، بصورة أو بأخرى، بالفكر الإسلامي في نزوعه نحو التحرّر والانعتاق من العبودية لغير اللَّه، وفي رفعه من مقام العقل، وفي احترامه لكرامة الإنسان.

ولا يتردد الباحثون المنصفون، بمن فيهم الأوروبيون، في الإقرار والاعتراف بأن إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أصدرته الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، استند في بعض مبادئه ومنطلقاته، إلى الأصول الإسلامية، وبأن قانون نابليون الفرنسي، تأثَّر في قواعده العامة ومبادئه الكلية وفي بعض مواده، بالفقه المالكي(1). وهذا موضوعٌ بالغ الأهمية يتطلب من الباحثين المسلمين المتخصصين دراسته بتوسّعٍ واستفاضة.

إن ما يؤكد تأثّر الفكر السياسي والقانوني العالمي في منطلقاته الأساس ومبادئه العامة، ومن حيث جوهر المسألة الإنسانية، بالأصول الإسلامية، أن المادة الأولى في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تكاد تكون ترجمةً لقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي اللَّه عنه، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)(2)، إذ تقول المادة الأولى من هذا الإعلان بالحرف : (يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء). وهذه المادة في روحها وفي الشق الأول منها، مأخوذة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أصدرته الثورة الفرنسية.
وهذا دليل على أن فكرة حقوق الإنسان ومفهومها، ليسا، كما يزعمون، من التراث الغربي المستمد من أفكار فلاسفة عصر النهضة الأوروبية ومفكري الثورتين الأمريكية والفرنسية، بل إن الإسلام كان الأسبق في إعلان حقوق الإنسان بمفاهيمها الواسعة، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، وبضماناتها الكاملة الملزمة، قبل خمسة عشر قرناً. وفضلاً عن ذلك، فقد كفل الإسلام للإنسان حماية شخصيته بشقَيْها المادي والروحي، ضماناً لعدم التفكك الاجتماعي والانحلال الخلقي، كما أن الإسلام في كفالته لحقوق الإنسان، قد وَازَنَ بين مصلحة الفرد في صيانة حقوقه الأساس، وبين مصلحة الجماعة في التجريم والعقاب(3).

ولهذا، فإننا نؤكد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي هو أساس الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، بمواده الثلاثين، وباستثناء المادتين السادسة عشرة والثامنة عشرة(4)، لا يتعارض في عمقه الإنساني وفي كلياته وتوجّهاته العامة وروحه، مع التعاليم الإسلامية في الإقرار للإنسان بحقوقه كاملةً، من منطلق وحدة الأصل الإنساني، ومن حيث الإقرار له بالكرامة الإنسانية. ولقد استثنينا هاتين المادتين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واللتين تتحفّظ عليهما بعض الدول الإسلامية(5)، لأن المادة السادسة عشرة، تنص على حق الزواج دون أي قيد بسبب الدين، وهذا مخالفٌ لتعاليم الإسلام، فالمرأة المسلمة لا يحل لها الزواج بغير المسلم، والمادة الثامنة عشرة تقرّ لكل شخص بالحق في تغيير دينه، مما يعدُّ في الشريعة الإسلامية، ردّةً لا شبهة فيها. أما المواد الثماني والعشرون الأخرى، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهي تتطابق، في جوهرها وعمقها وأصلها المبدئي، مع تعاليم الدين الحنيف، تطابقاً يتفاوت من مادة إلى أخرى، على اعتبار أن الإسلام حرَّر الإنسان من العبودية، وأخرجه من الظلمات إلى النور، وكفل له الحريات العامة، في إطار الضوابط الشرعية، ووفق المنهج الرباني الهادي إلى الحياة الإنسانية الكريمة.
واتساقاً مع هذا التطابق بين الأسس القانونية للشرعية الدولية لحقوق الإنسان من حيث العمق والأصل والجوهر، وبين التعاليم الإسلامية، نسجّل أيضاً، أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يتعارض هو الآخر، في مواده الإحدى والثلاثين، في جوهره وعمقه ومقاصده الإنسانية، مع ما هو ثابتٌ في التعاليم الإسلامية. وينطبق هذا أيضاً على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، باستثناء المادة الثامنة عشرة منه، التي تنصّ على أن لكل إنسان الحقّ في تغيير دينه، مما هو عندنا في الشرع الحنيف، وبالنسبة للإنسان المسلم، ردّةٌ مؤكدةٌ لا ريب فيها. أما حرية الإعتقاد أصلاً، فقد كفلها الإسلام بقوله تعالى \ لا إكراه في الدين \(6).

حقوق الإنسان في الإسلام :
إن الإسلام كان سبّاقاً إلى الإقرار للإنسان بحقوقه، وإلى الحثّ على صون هذه الحقوق وحفظها، وإلى إحاطة هذه الحقوق بالرعاية وشمولها بالعناية من أولى الأمر. لأن الإسلام، وهو دين اللَّه ورسالته الخاتمة إلى البشرية، أقام المنهجَ المتكاملَ للحياة الإنسانية، على قواعد ثابتة، وجعل له أصولاً راسخة ومبادئ خالدة. بل إن الإسلام اعتبر التفريط في حقّ من حقوق الإنسان، تفريطاً في جنب اللَّه، وتعدّياً على حدوده، وخروجاً على سنة اللَّه في خلقه.
ومن أجل ذلك، كان حقّ الفرد والمجتمع في التعاليم الإسلامية، حقّاً للَّه تعالى، وسمي بذلك لشمول نفعه وعظيم خطره وبالغ تأثيره على الحياة الإنسانية كلِّها(7).
والحقُّ في الشريعة الإسلامية يمثّل القاعدة الأساس للتشريع كلِّه. وتأسيساً على هذه القاعدة، فإن حقوق الإنسان في المنظور الإسلامي، هي حقوق اللَّه يترتَّب على الوفاء بها وأدائها على خير الوجوه، خلوصُ العبودية للَّه، والطاعةُ له سبحانه، والقيامُ بتكاليف شرعه الحنيف. وبذلك يرتقى المفهومُ الإسلاميُّ لحقوق الإنسان، إلى مقام العبادة الرفيع، باعتبار أن هذه الحقوق، هي في الشريعة الإسلامية، واجباتٌ دينيةٌ، ومن الفروض الشرعية. وهذه درجةٌ من التكليف تطوق الإنسانَ بمسؤولية كبرى، أمام ربّه سبحانه وتعالى، ثم أمام نفسه ومجتمعه والإنسانية جمعاء.

وينسجم هذا المفهومُ مع المعنى اللغوي للحقّ ؛ ففي اللغة، الحقُّ هو الثابتُ الذي لايسوغ إنكارُه، وهو الحكم المطابق للمعاني، ويقابله الباطل(8). فالحقّ إذن، هو الثبوت. وهذا المعنى يعمّق الإيمان بالحقوق جميعاً، حقوق الفرد والمجتمع، ويقوي الثقة واليقين في أن حقوق الإنسان هي من صميم التعاليم الإسلامية.
وبهذا المعنى، فإن حقوق الإنسان في الإسلام، هي من الثوابت التي يقوم عليها المجتمعُ الإسلاميُّ، فهي ليست حقوقاً سياسية ودستورية فحسب، وهي ليست نتاجاً فكرياً يمثّل مرحلةً من تطوّر العقل الإنساني، وليست حقوقاً طبيعية كما يعبر عنها في القانون الوضعي، ولكنها في التعاليم الإسلامية، واجبات دينية يُكلَّف بها الفردُ والمجتمع، كلٌّ في نطاقه، وفي حدود المسؤولية التي ينهض بها. وبذلك فإن الفرد في المجتمع الإسلامي يتشرَّب هذه الحقوقَ، ويتكيّف معها، بحيث تصبح جزءاً من مكوّناته النفسية والعقلية والوجدانية، ويحافظ عليها، لأن في المحافظة عليها، أداءً لواجب شرعي، وليس من حقه أن يفرط فيها، لأن التفريط فيها تقصيرٌ في أداء هذا الواجب.
وما دامت حقوق الإنسان تتمثّل أساساً، وتبدأ وتنتهي، من احترام كرامة الإنسان من حيث هو إنسان، فإن الأصل الثابت الذي تقوم عليه التعاليم الإسلامية، هو الاحترام الكامل والوافر للكرامة الإنسانية التي يتسم المفهومُ الإسلاميُّ لها بخاصيتَيْ الشمول والعموم، فيكتسب بذلك هذا المفهومُ عمقاً ورحابةً وامتداداً في الزمان والمكان. وكما هو مقرَّر شرعاً، فإن المفهوم الإسلامي للكرامة الإنسانية يرتقى إلى قمة عالية من العدل المطلق، ومن المساواة الكاملة، ومن الحق والإنصاف اللذين لا تشوبهما شائبة. يقول تعالى \ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً \(9). ويدل سياق الآية على أن التكريم هو التفضيل، للترابط والتكامل بين بدء الآية وختامها : ( لقد كرمنا بني آدم )، و( فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً). وبهذا التكريم والتفضيل، تأصَّلت الكرامة في الأصل الإنساني تأصيلاً ؛ فتكريم اللَّه لعباده، هو تشريفٌ لهم ما بعده تشريف(10). ومن تكريم اللَّه لعباده كفالةُ الحقوق لهم في شريعته التي شرعها للناس كافة.

 كذلك فإن الإسلام أكّد المساواة بين البشر بقوله تعالى \ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم \(11). وهذه المساواةُ تنفي التمييزَ القائم على العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين. كما نادى الإسلام بوحدة الأسرة الإنسانية، قال رسول اللَّه  صلى الله عليه وسلم  ، > كلكم من آدم وآدم من تراب <، وقال أيضاً > لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا َّ بالتقوى <(12).
 وفي التعاليم الإسلامية نصوصٌ كثيرةٌ تبيّن حقَّ الإنسان في التنقّل بحرية، وحقّه في حصانة مسكنه، وعدم تجريمه دون بيّنة ظاهرة، قال تعالى \ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور \(13)، وقال تعالى \ لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها \(14)، وقال تعالى \ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين\(15). كذلك دعا الإسلام إلى التكافل بين أبناء المجتمع لتحقيق الحياة الإنسانية الكريمة، والتحرر من الفقر والحاجة، قال تعالى \ والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم \(16).

وإذا كان من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فإن جماع ذلك كلِّه، هو حفظُ كيان الإنسان. والحقوق المقرّرة للإنسان فطرةً وشرعاً، هي أساس كيانــه، وهي جوهر وجوده، وهي عصب حياته، قال رسول اللَّه  صلى الله عليه وسلم   : > حرام عليكم أموالكم ودماؤكم <(17).
كما أن التعاليم الإسلامية تؤكد على المساواة التامة في كفالة حقوق الإنسان بين الرجل والمرأة. وهذه المساواة الحقيقية، تمثّل العدل في أرقى مظاهره، وذلك مصداقاً لقوله تعالى \ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولائك يدخلون الجنة \(18)، وقوله تعالى \ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة \(19)، وفي قوله عزَّ وجل \ فاستجاب لهم ربُّهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى \(20). وقال رسول اللَّه  صلى الله عليه وسلم   : > النساء شقائق الرجال <(21).

كما حفظ الإسلام حقوق غير المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الإسلامية، بما في ذلك حقُّهم في حرية الاعتقاد والتحاكم إلى شرعهم، وإقامة العدل لهم وحفظ دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ومعاملتهم بالحسنى، فهم مواطنون لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم في جوار اللَّه وذمة نبيه محمد  صلى الله عليه وسلم   .
فاللَّه سبحانه وتعالى، خالق الخلق أجمعين، لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، وفي ذلك العدل كلُّه، والرحمة كلُّها، والمساواة بالمعنى الحقيقي والعميق. ومن العدل الإلاهي، تنبثق حقوق الإنسان في الإسلام، لأنها حقوق اللَّه، تنفع الإنسان وتصلح أحواله ويمكث أثرها في الأرض. وهي ليست حقوقاً للرجل دون المرأة، وإنما هي للإنسان عموماً، أيّا كان أصله وجنسه وعرقه ودينه. وهذه المساواة لم تعرفها الإنسانية، إلاَّ في المجتمع الإسلامي، ولم تدركها البشرية إلاَّ بعد خمسة عشر قرناً من بزوغ الإسلام.
لقد وضع الإسلام القواعد الثابتة والمبادئ الراسخة لكرامة الإنسان، ولمبدأ المساواة وعدم التمييز، ولوحدة الأسرة الإنسانية، وللدعوة إلى التعاون بين الشعوب، ولحرية الإنسان في العبادة، ولحق الحياة، ولحق الحرية، ولحرمة العدوان على مال الإنسان وحصانة بيته، ولقاعدة أن الأصل في الإنسان هو البراءة، ولمبدأ التكافل الاجتماعي. وهذه هي المبادئ العامة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي كان الإسلام سبَّاقاً إلى إقرارها، وكان المجتمع الإسلاميّ سبَّاقاً إلى ممارستها والحياة في كنفها.
وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 من صفر سنة 1369 هـ/10 من ديسمبر عام 1948م، قد أحاط بأغلب ما للإنسان المعاصر من حقوق، فإن للرؤية الإسلامية لهذه الحقوق، تميّزاً يتجاوز الأسبقية الزمنية التي جاء بها الإسلام في حقوق الإنسان قبل هذا الإعلان بنحو أربعة عشر قرناً، عندما ترتفع هذه الرؤية الإسلامية بهذه (الحقوق)، إلى مرتبة (الضرورات) ودرجة (الفرائض والواجبات)(22).
 فالتطور الذي عرفته الحضارة الغربية في منتصف القرن العشرين في مجال (حقوق الإنسان)، قد عرفته الحضارة الإسلامية، بل مارسته قديماً، لا كمجرد (حقوق ) للإنسان، وإنما (كفرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية)، لا يجوز لصاحبها ــ الإنسان ــ أن يتنازل عنها أو يفرط فيها أو يهملها، حتى بمحض إرادته إن هو أراد. وتلك زاوية لرؤية القضية، ودرجة في تناولها، تمثّلان إضافة (نوعية ... وكيفية) تزيد الرؤيةَ الإسلاميةَ غنًى وأصالةً وعمقاً، وتوفر المزيد من الفعالية والتأثير لهذه (الحقوق) كي تحقق المزيد من الأمن الاجتماعي للإنسان(23).

ولقد فصَّل الشيخ سيد سابق في كتابه (فقه السنة)، الذي صدر قبل سنة 1949، حقوق الإنسان في الإسلام، تفصيلاً دقيقاً، استوفى فيه المقومات الرئيسَة والمرتكزات الأساس لهذه الحقوق، في وقتٍ متزامنٍ مع صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي خطوة رائدة تستحق منا كل التقدير، حيث بيَّن أن من الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان :
ــ حق الحياة : لكل فرد حق صيانة نفسه، وحماية ذاته، فلا يحل الاعتداء عليها إلاَّ إذا قتل، أو أَفْسَدَ في الأرض فساداً يستوجب القتل.
ــ حق صيانة المال : فكما أن النفس معصومة، فكذلك المال، فلا يحل أخذ المال بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة.
ــ حق العرض : ولا يحل انتهاك العرض حتى ولو بكلمة نابية.
ــ حق الحرية : ولم يكتف الإسلام بتقرير صيانة الأنفس، وحماية الأعراض والأموال، بل أقرَّ حرية العبادة، وحرية الفكر، وحرية اختيار المهنة التي يمارسها الإنسان لكسب عيشه، وحرية الاستفادة من جميع مؤسسات الدولة.
وأوجب الإسلام على الدولة المحافظة على هذه الحقوق جميعها. ولا تنتهي حقوق الإنسان عند هذا الحدّ، بل هناك حقوق أخرى، منها :
ــ حق المأوى : فالإنسان له الحق في أن يأوي إلى أي مكان، وأن يسكن في أي جهة، وأن ينتقل في الأرض دون حجر عليه أو وضع عقبات في طريقه، ولا يجوز نفي أي فرد أو إبعاده أو سجنه إلاَّ في حالة إذا ما اعتدى على حق غيره، ورأى القانون أن يعاقبه بالطرد أو بالحبس، ويكون ذلك في حالة الاعتداء على الغير والإخلال بالأمن، وإرهاب الأبرياء(24).
ومن هذا المنظور الشمولي إلى حقوق الإنسان، وبهذا الفهم العميق لمقاصد الشريعة ومكارمها، يتجلى لنا، بالوضوح الكامل، كيف أن الإسلام كفل للإنسان حقوقاً لم يكفلها له دينٌ من الأديان، ولا مذهب من المذاهب، ولا فلسفة من الفلسفات، كما يتضح لنا أن المفهومَ الإسلاميَّ لحقوق الإنسان، هو الأكثر عمقاً وأصالةً والأشدّ انسجاماً وتوافقاً مع الفطرة الإنسانية، لأنه مستمدٌّ من هدي اللَّه تعالى، الذي هو رحمةٌ للعالمين.
 
حقوق الإنسان وازدواجية المعايير :
على الرغم من أن مفهوم القانون الدوليّ لحقوق الإنسان، من حيث هو مفهومٌ قانونيٌّ ودستوريٌّ، يستند إلى الشرعية الدولية، وبالتالي لا يمكن أن يكون إلاَّ موضع قبول من المجتمع الدولي، فإن هناك تعارضاً كبيراً بين الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وبين التفسير والتطبيق الغربيين لهذه الشرعية ولتلك الحقوق، وهذا من التناقضات الصارخة التي تطبع الحياة السياسية الدولية في هذا العصر، وهو الأمر الذي يمثّل تحدّياً ضارياً يفرض على الشعوب والأمم الدخولَ في مواجهةٍ غير متكافئة مع القوة الكبرى الساعية إلى الهيمنة والسيطرة على مقدرات العالم، تحت دعاوى عديدة، بعضُها يكتسي صبغة العَوْلَمة، التي هي اليومَ التوجّهُ العامُّ للنظام الجديد الذي فُرض على العالم، والذي في ظلِّه تُنتهك حقوق الإنسان بدرجة أو بأخرى، وبأسلوب أو بآخر. وفي ذلك من المفارقة القدر الذي يجعلنا نتردد في التسليم بعالمية حقوق الإنسان وفق التفسير الغربي لها ؛ إذ أنه على الرغم من اعترافنا بالشرعية الدولية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن ذلك لا يَنفي الحرصَ على أن تُراعى الخصوصيات الثقافية التي تقرّها المواثيق الدولية في تفسير مواد هذا الإعلان العالمي، ولا يُجيز أن يكون تطبيقُ تلك الحقوق غير عادل وشامل، يُميّز فيه بين شعب وآخر.
وتأسيساً على ذلك، فإننا نؤكد ضرورة تعامل المجتمع الدولي مع حقوق الإنسان تعاملاً منصفاً ورشيداً دون تمييز، مع احترام الخصوصيات التي جاءت بها الأديان السماوية، والتي تقرّها المواثيق الدولية.

إن لحقوق الإنسان بُعداً ثقافياً يتركز في طبيعة المرجعية التي تنبع منها حقوق الإنسان، وهل هي حقوق غربية المنبع، أم أنها عالمية الأبعاد(25). ومن الطبيعي أن لا يكون هناك قبولٌ مطلقٌ لعولمة حقوق الإنسان وتطبيقها وفق منظور أحادي، وذلك بحكم الطبيعة الإنسانية التي من مظاهرها التنوّع الثقافي بين شعوب العالم. وإن العديد من المفكرين والحكماء أخذوا يعارضون التوجّه الغربي الهادف إلى فرض التفسير والتطبيق الغربيين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان على العالم. ومن هؤلاء صامويل هنتنغتون الذي دعا في دراسة له نشرها بعد مقاله الذي أثار جدلاً واسعاً حول (صدام الحضارات)، الولايات المتحدة لتخفيف ضغطها على دول (الثقافات الأخرى) وتركها تمارس شؤونها كما تشاء(26). وهذا نقدٌ صريحٌ للأسس التي تقوم عليها عولمةُ حقوق الإنسان التي تعتمد ازدواجية المعايير وتفرضهما على الأمم والشعوب سياسةً متبعةً تتسم بروح الهيمنة.

وفي التعاليم الإسلامية، فإن هذه الازدواجية غير مقبولة، بأي وجه من الوجوه، لأنها افتئات على الحق، ولأنها تَتَنَافَى مع مبدأ العدل الذي هو أساسُ التعامل الإنساني السليم، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، أو على مستوى العلاقات الدولية.
ولذلك، فإن عولمة حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي الخاضع للهيمنة التي تحدو القوى العظمى،أمرٌ لا ينسجم مع روح القانون الدولي من جهة، ولا يتفق وطبيعة التنوّع الثقافي الذي هو من مصادر التشريع لدى العديد من الشعوب، من جهة ثانية. وبخلاف ذلك، فإن حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية، هي حقوقٌ لكل البشر، لا للغني دون الفقير، ولا للقويّ دون الضعيف، وإنما هي حقوقٌ جعلها اللَّه مكفولةً لكل إنسان، لا تتقيّد إلاَّ بالضوابط الشرعية المحكومة بالنصوص قطعية الدلالة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

إن المتأمل في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان، الأول الذي يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والثاني الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذين أقرتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1966/10/16،يجد أن هاتين المعاهدتين الدوليتين قد انتقلتا بحقوق الإنسان من مجرد التعزيز إلى الحماية الدولية. وإن كانت هذه الحماية قد انحرفت عن مقصدها، واتجهت في بعض الحالات، اتجاهاً مخالفاً لروح المعاهدتين ولجوهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لقد انتقل العهدان بالقواعد التي تكرّس هذه الحقوق من الاختيار إلى الإلزام(27)، ولن يتأتَّى ذلك إلاَّ بإرساء آلية معنية تتوفَّر على تحقيق هذه الحماية، وهي لن يكون لها صدى ما لم تتوافر فيها صفة الإلزام النابع من النص على هذه الحقوق في معاهدة دولية مُلْزِمَة لأطرافها، إذ لا يمكن تصوّر الحماية إلاَّ باتخاذ إجراءات محدّدة على المستوى القانوني(28).
فهذه المآخذ المعيبة تجعل قواعد القانون الدولي في مجال حقوق الإنسان، ليست بذات فعالية وجدوى وتأثير إيجابي في المجتمع الدولي، في جميع الأحوال، وتحت كل الظروف. ولذلك فإن الإنسانية لا يمكن أن تستغنى، بأية حالٍ من الأحوال، عن القواعد والمبادئ التي جاءت بها التعاليم الإسلامية حول حقوق الإنسان. لأنها مبادئ سماوية خالدة مدونة في كتاب اللَّه العزيز القرآن الكريم، وفيما صَحَّ من حديث رسوله  صلى الله عليه وسلم   .
وهنا تتجلى مسؤولية الأمة الإسلامية في إبراز هذه القواعد والمبادئ، وفي جعلها حقائق تُطبّق في الواقع المعيش.

خاتمـة :
إن سبق الإسلام إلى كفالة حقوق الإنسان، ينبغي أن يكون حافزاً لنا إلى القيام بمراجعة شاملة ودقيقة لأحوالنا وأمورنا كلِّها، خاصة ما يتصل منها بتطبيق التعاليم الإسلامية في مجال حقوق الإنسان. فليس بخافٍ على أحد منا، أن هناك تقصيراً كبيراً في احترام تلك الحقوق في أنحاء عديدة من العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي يشجع المنتقدين على إيجاد المبررات للإساءة إلى المسلمين وتشويه حقائق الإسلام وتعاليمه السمحة التي تهدف إلى ما فيه الخيرُ للبشر أجمعين، والتي تأمر بالعدل والإحسان إلى جميع الناس، على اختلاف أعراقهم وألوانهم وأديانهم.
ولقد جاء إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن المؤتمر الإسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية المنعقد في العاصمة المصرية في عام 1990، مستوفياً التعبير عن المبادئ الراسخة لحقوق الإنسان التي جاء بها الإسلام هدايةً للناس كافة.
والخلاصة أن حقوق الإنسان في الإسلام، وهي جزءٌ من الدين الإسلامي، جاءت في أحكام إلهية تكليفية. ولذلك فإن من الموضوعية أن لا نجعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي هو نتاجٌ بشريٌّ، حكماً على الإسلام الذي هو رسالة سماوية.
 

إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام
الصادر عن المؤتمر الإسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية
(القاهرة ،  14 محرم 1411 هـ / 5 أغسطس 1990 م)


تأكيداً للدور الحضاري والتاريخي للأمة الإسلامية التي جعلها الله خير أمة أورثت البشرية حضارة عالمية متوازنة ربطت الدنيا بالآخرة وجمعت بين العلم والإيمان وما يرجى أن تقوم به هذه الأمة اليوم لهداية البشرية الحائرة بين التيارات والمذاهب المتنافسة وتقديم الحلول لمشكلات الحضارة المادية المزمنة.
ومساهمةً في الجهود البشرية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تهدف إلى حمايته من الاستغلال والاضطهاد، وتهدف إلى تأكيد حريته وحقوقه في الحياة الكريمة التي تتفق مع الشريعة الإسلامية.
وثقةً منها بأنّ البشرية التي بلغت في مدارج العلم المادي شأناً بعيداً، لا تزال، وستبقى في حاجة ماسة إلى سند إيماني لحضارتها وإلى وازع ذاتي يحرس حقوقها.
وإيماناً بأنّ الحقوق الأساسية والحريات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين لا يملك أحد بشكل مبدئي تعطيلها كلياً أو جزئياً، أو خرقها أو تجاهلها، في أحكام إلهية تكليفية أنزل الله بها كتبه، وبعث بها خاتم رسله وتمم بها ما جاءت به الرسالات السماوية وأصبحت رعايتها عبادة، وإهمالها أو العدوان عليها منكراً في الدين، وكل إنسان مسؤول عنها بمفرده، والأمة مسؤولة عنها بالتضامن. إن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، تأسيساً على ذلك، تعلن ما يلي :
المادة الأولى :
أ)  البشر جميعاً أسرة واحدة جمعت بينهم العبودية لله والبنوة لآدم، وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف والمسؤولية دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللون أو اللغة أو الجنس أو المعتقد الديني أو الإنتماء السياسي أو الوضع الاجتماعي، أو غير ذلك من الاعتبارات، وأنّ العقيدة الصحيحة هي الضمان لنمو هذه الكرامة على طريق تكامل الإنسان.
ب) أن الخَلْق كلَّهم عيال الله، وأنّ أحبهم إليه أنفعهم لعياله، وأنه لا فضل لأحد منهم على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.
المادة الثانية :
  أ) الحياة هبة الله وهي مكفولةٌ لكل إنسان، وعلى الأفراد والمجتمعات والدول، حماية هذا الحق من كل اعتداءٍ عليه، ولا يجوز إزهاق روح دون مقتضى شرعي.
ب) يحرم اللجوء إلى وسائل تُفضى إلى إفناء الينبوع البشري.
ج) المحافظة على استمرار الحياة البشرية إلى ما شاء الله واجبٌ شرعيٌ.
د) سلامة جسد الإنسان مصونة، ولا يجوز الاعتداء عليها، كما لا يجوز المساس بها بدون مسوغ شرعي، وتكفل الدولة حماية ذلك.
المادة الثالثة :
 أ)  في حالة استخدام القوة أو المنازعات المسلحة، لا يجوز قتل من لا مشاركة لهم في القتال كالشيخ والمرأة والطفل، وللجريح والمريض الحقُّ في أن يداوى، وللأسير أن يطعم ويُؤْوىَ  ويكسى، ويحرَّم التمثيل بالقتلى، ويجب تبادل الأسرى وتلاقي اجتماع الأسر التي فرقتها ظروف القتال.
ب) لا يجوز قطع الشجر أو إتلاف الزرع والضرع أو تخريب المباني والمنشآت المدنية للعدو بقصف أو نسف أو غير ذلك.
المادة الرابعة :
ــ  لكل إنسان حرمته والحفاظ على سمعته في حياته وبعد موته، وعلى الدول والمجتمع حماية جثمانه ومدفنه.
المادة الخامسة :
 أ) الأسرة هي الأساس في بناء المجتمع، والزواج أساس تكوينها، وللرجال والنساء الحق في الزواج، ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق، قيود منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية.
ب) على المجتمع والدولة إزالة العوائق أمام الزواج وتيسير سبله وحماية الأسرة ورعايتها.
المادة السادسة :
 أ) المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية، ولها من الحق مثل ما عليها من الواجبات، ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها.
ب) على الرجل عبء الإنفاق على الأسرة ومسؤولية رعايتها.
 المادة السابعة :
 أ)  لكل طفل عند ولادته حقٌّ على الأبوين والمجتمع والدولة في الحضانة والتربية والرعاية المادية والصحية والأدبية، كما تجب حماية الجنين والأم وإعطاؤهما عناية خاصة.
ب) للآباء ومن بحكمهم الحقُّ في اختيار نوع التربية التي يريدون لأولادهم، مع وجوب مراعاة مصلحتهم ومستقبلهم في ضوء القيم الأخلاقية والأحكام الشرعية.
ج) للأبوين على الأبناء حقوقهما، وللأقارب حقٌّ على ذويهم وفقاً لأحكام الشريعة.
المادة الثامنة :
ــ  لكل إنسان التمتّع بأهليته الشرعية من حيث الإلزام والالتزام، وإذا فقدت أهليته أو انتقصت، قام وليُّه مقامه.
المادة التاسعة :
  أ) طلب العلم فريضة والتعليم واجب على المجتمع والدولة وعليها تأمين سبله ووسائله وضمان تنوعه بما يحقق مصلحة المجتمع ويتيح للإنسان معرفة دين الإسلام وحقائق الكون وتسخيرها لخير البشرية.
ب) من حق كل إنسان على مؤسسات التربية والتوجيه المختلفة من الأسرة والمدرسة والجامعة وأجهزة الإعلام وغيرها، أن تعمل على تربية الإنسان دينياً ودنيوياً تربية متكاملة ومتوازنة تنمي شخصيته وتعزز إيمانه بالله واحترامه للحقوق والواجبات وحمايتها.
المادة العاشرة :
ــ  الإسلام هو دين الفطرة، ولا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه على إنسان أو استغلال فقره أو جهله لحمله على تغيير دينه إلى دين آخر أو إلى الإلحاد.
المادة الحادية عشرة :
 أ) يولد الإنسان حراً، وليس لأحد أن يستعبده أو يذله أو يقهره أو يستغله، ولا عبودية لغير الله تعالى.
ب) الاستعمار بشتى أنواعه وباعتباره من أسوأ أنواع الاستعباد، محرَّم تحريماً مؤكداً ، وللشعوب التي تعانيه الحقُّ الكامل في التحرير منه وفي تقرير المصير، وعلى جميع الدول والشعوب واجب النصرة لها في كفاحها لتصفية كل أشكال الاستعمار أو الاحتلال، ولجميع الشعوب الحقُّ في الاحتفاظ بشخصيتها المستقلة والسيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية.
المادة الثانية عشرة :
ــ  لكل إنسان الحق في إطار الشريعة في حرية التنقل، واختيار محل إقامته داخل بلاده أو خارجها، وله إذا اضطهد حقُّ اللجوء إلى بلد آخر، وعلى البلد الذي لجأ إليه أن يجيره حتى يبلغه مأمنه ما لم يكن سبب اللجوء اقتراف جريمة في نظر الشرع.
 المادة الثالثة عشرة :
ــ  العمل حق تكفله الدولة والمجتمع لكل قادر عليه، وللإنسان حرية اختيار العمل اللائق به مما تتحقق به مصلحته ومصلحة المجتمع، وللعامل حقه في الأمن والسلامة وفي كافة الضمانات الاجتماعية الأخرى، ولا يجوز تكليفه بما لا يطيقه، أو إكراهه، أو استغلاله، أو الإضرار به، وله ــ دون تمييز بين الذكر والأنثى ــ أن يتقاضى أجراً عادلاً مقابل عمله دون تأخير، وله الإجازات والعلاوات والفروقات التي يستحقها، وهو مطالب بالإخلاص والإتقان، وإذا اختلف العمل وأصحاب العمل، فعلى الدولة أن تتدخل لفضّ النزاع ورفع الظلم وإقرار الحق والإلزام بالعدل دون تحيز.
المادة الرابعة عشرة :
ــ  للإنسان الحق في الكسب المشروع، دون احتكار أو غش أو إضرار بالنفس أو بالغير، والربا ممنوع مؤكداً.
المادة الخامسة عشرة :
  أ) لكل إنسان الحق في التملك بالطرق الشرعية، والتمتّع بحقوق الملكية بما لا يضرُّ به أو بغيره من الأفراد أو المجتمع، ولا يجوز نزع الملكية إلا لضرورات المنفعة العامة ومقابل تعويض فوري وعادل.
ب) تحرم مصادرة الأموال وحجزها إلا بمقتضى شرعي.
المادة السادسة عشرة :
ــ  لكل إنسان الحق في الانتفاع بثمرات إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني أو التقني، وله الحق في حماية مصلحته الأدبية والمالية العائدة له، على أن يكون هذا الإنتاج غير منافٍ لأحكام الشريعة.
المادة السابعة عشرة :
 أ) لكل إنسان الحق في أن يعيش بيئة نظيفة من المفاسد والأوبئة الأخلاقية تمكنه من بناء ذاته معنوياً، وعلى المجتمع والدولة أن يوفرا له هذا الحق،
ب) لكل إنسان على مجتمعه ودولته حق الرعاية الصحية والاجتماعية بتهيئة جميع المرافق العامة التي تحتاج إليها في حدود الإمكانات المتاحة،
ج) تكفل الدولة لكل إنسان حقه في عيش كريم يحقق له تمام كفايته وكفاية من يعوله، ويشمل ذلك  المأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج وسائر الحاجات الأساسية.
المادة الثامنة عشرة :
 أ) لكل إنسان الحق في أن يعيش آمناً على نفسه ودينه وأهله وعرضه وماله،
ب) للإنسان الحق في الاستقلال بشؤون حياته الخاصة في مسكنه وأسرته وماله واتصالاته، ولا يجوز التجسس أو الرقابة عليه أو الإساءة إلى سمعته، وتجب حمايته من كل تدخل تعسفي.
ج) للمسكن حرمته في كل حال، ولا يجوز دخوله بغير إذن أهله أو بصورة غير مشروعة، ولا يجوز هدمه أو مصادرته أو تشريد أهله منه.
المادة التاسعة عشرة :
 أ) الناس سواسية أمام الشرع، يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم،
ب) حق اللجوء إلى القضاء مكفول للجميع،
ج) المسؤولية في أساسها شخصية،
د) لا جريمة ولا عقوبة إلا بموجب أحكام الشريعة،
هـ) المتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة تؤمن له فيها كل الضمانات الكفيلة بالدفاع عنه.
المادة العشرون :
ــ  لا يجوز القبض على إنسان أو تقييد حريته أو نفيه أو عقابه بغير موجب شرعي، ولا يجوز تعريضه للتعذيب البدني أو النفسي أو لأي نوع من المعاملات المذلة أو القاسية أو المنافية للكرامة الإنسانية، كما لا يجوز إخضاع أي فرد للتجارب الطبية أو العلمية إلا برضاه وبشرط عدم تعرض صحته وحياته للخطر، كما لا يجوز سنّ القوانين الاستثنائية التي تخول ذلك للسلطات التنفيذية.
المادة الحادية والعشرون :
ــ  أخذ الإنسان رهينة محرَّمٌ بأي شكل من الأشكال، ولأي هدف من الأهداف.
المادة الثانية والعشرون :
 أ) لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية.
ب) لكل إنسان الحق في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقاً لضوابط الشريعة الإسلامية،
ج) الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك أو الانحلال أو الضرر أو زعزعة الاعتقاد،
د) لا تجوز إثارة الكراهية القومية والمذهبية وكل ما يؤدي إلى التحريض على التمييز العنصري بكافة أشكاله.
 المادة الثالثة والعشرون :
 أ) الولاية أمانة يحرم الاستبداد فيها وسوء استغلالها تحريماً مؤكداً ضماناً للحقوق الأساسية للإنسان،
ب) لكل إنسان حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن له الحق في تقلد الوظائف العامة وفقاً لأحكام الشريعة.
المادة الرابعة والعشرون :
ــ  كل الحقوق والحريات المقررة في هذا الإعلان مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية.
 المادة الخامسة والعشرون :
ــ  الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد هذه الوثيقة.
 


إعلان روما حول حقوق الإنسان في الإسلام
الصادر عن الندوة العالمية حول حقوق الإنسان في الإسلام
(روما ، 21 ذو الحجة 1420  هـ /  27 فبراير 2000 م)


بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه والصلاة والسلام على رسول اللّه وسائر الأنبياء والمرسلين، وبعد.
 فإن ندوة حقوق الإنسان في الإسلام التي عقدتها رابطة العالم الإسلامي في العاصمة الإيطالية روما، وفي مقر المركز الإسلامي الثقافي لإيطاليا، تدارست على مدى ثلاثة أيام ومن خلال ثلاثة عشر بحثاً في خمس جلسات، الظروف والعوامل والمنعطفات التي أحاطت بالإنسان خلال الخمسين سنة الماضية، وتلمست تطور شؤون الحياة من حوله، وناقشت المواثيق الدولية المتعلقة بحقوقه، وقارنت بين مضامينها وفاعليتها في التعامل مع حقوق الإنسان، ولاحظت قصورها في تلبية احتياجاته المتطورة.
ومن أجل تلافي هذا القصور الذي أدى إلى إضعاف الشمولية والمصداقية والتكامل في الحفاظ على حقوق الإنسان، فإن الندوة تهيب بجميع حكومات العالم وجميع الهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، إلى مراجعة الإعلانات والمواثيق الدولية الخاصة بالحقوق الإنسانية مراجعة موضوعية لسدّ الثغرات الموجودة فيها وتعويض ما جاء فيها من نقص، كما تأمل الندوة من جميع أطراف المجتمع الدولي الرسمية والشعبية، تدارس هذه الحقيقة في ضوء الحاجات الإنسانية ومراعاة المبادئ التي رأت الندوة أن الإنسان بحاجة إليها لضمان حقوقه، وذلك كما يلي :
 المبدأ الأول :
أهمية ربط الحقوق الإنسانية بمرجعية تراعي المعتقدات والقيم الدينية التي أوصى بها اللّه سبحانه وتعالى على لسان أنبيائه ورسله.
المبدأ الثاني :
ضرورة ربط الحقوق بالواجبات من خلال مفهوم يرتكز على قاعدة التوازن بين وظائف الإنسان واحتياجاته في بناء الأسرة والمجتمع وعمارة الأرض، على نحو لا يتعارض مع إرادة اللّه تعالى.
المبدأ الثالث :
اعتبار إسهام المنظمات غير الحكومية في الجهود المبذولة في إعادة صياغة المواثيق والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان، عاملاً إيجابياً في تحقيق الشمولية المطلوبة ومساعدتهم لتكامل الرؤى والجهود الإنسانية الساعية لحماية الإنسان وضمان حقوقه.
المبدأ الرابع :
 تشجيع الحوار بين الثقافات والحضارات بما يساعد على تفهم أفضل لحقوق الإنسان، وبما يجنّب المجتمعات البشرية ويلات الصراع والنزاع المسلح وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية على الإنسان والبيئة.
المبدأ الخامس :
العمل على توفير الأسباب والوسائل التي تحقق نبذ التمييز بين أفراد المجتمع البشري على أساس من الجنس أو اللون أو اللغة أو الإنتماء الوطني.
 والندوة إذ تضع هذه المبادئ، تعلن لحكومات العالم ومنظماته الرسمية والشعبية، أن شريعة الإسلام قدمت الضمانات لتحقيق التكامل والشمول والتوازن والمرجعية وآليات التطبيق الصحيح لحقوق الإنسان. والندوة إذ تضع ذلك بين يدي المجتمع الدولي عبر إعلان روما، لتدعو اللّه أن يوفق الجميع إلى ما فيه خير البشرية جمعاء.
 وصلى اللّه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى جميع أنبيائه ورسله
 
 

 أطبع الدراسة أرسل الدراسة لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6348269 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة