|
التربية الوالدية في العالم الإسلامي |
القراء :
20637 |
التربية الوالدية في العالم الإسلامي الفهرس o تقديم o تمهيد o الخصائص والمقومات المبادئ والأسس الغايات والأهداف العوامل والمحددات الأساليب والآليات o المشاكل والمعوقات المشاكل والتحديات الكبرى النواقص والقصورات البارزة o مقترحات وحلول o خلاصة o المراجع
تقديم التربية الو الدية من المصطلحات المستحدثة في علوم التربية، وهي عبارة عن ممارسة تربوية تحكمها مرجعيةٌ سيكولوجيةٌ تتحدَّد في النظرية التي يحملها الوالدان عن سيكولوجية الطفل، هذه النظرية التي تتمثّل من جهة، في مجمل التصورات والأفكار التي يكونها الوالدان عن نموّ الطفل وكفاءاته وقدراته واحتياجاته ورغباته، ومن جهة أخرى، تتجلى في مختلف أفعالهما وممارساتهما التربوية تجاه هذا الطفل. في إطار هذا المنظور السيكولوجي الصرف، قامت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافـــة في هذه الدراسة، ببحث موضوع التربية الو الدية وتحليله كما تمارس في البلدان الإسلامية، وذلك من خلال المحاور الثلاثة التالية : أ) الخصائص والمقومات التي تمَّ التركيز فيها على تشخيص تحليلي لأهم مبادئ هذه التربية ومناهجها وأساليبها، وذلك عبر الاستحضار الدقيق لعناصر الثقة والمراقبة والتهذيب والتثقيف بالنسبة للمبادئ والأسس، ولمظاهر التفتق الشخصي والتكيف الاجتماعي بالنسبة للغايات والأهداف، وللمتغيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بخصوص العوامل، ثم نماذج الممارسات الضعيفة والصارمة والمرنة بخصوص الأساليب والآليات. ب) قضية المشاكل والمعوقات التي تم الاعتماد في تجسيد مضامينها ومكوناتها، على صنفين إثنين من المظاهر والمواصفات : ــ الأول يشخص عمق المشاكل والتحديات التي تواجه الممارسات التربوية الوالدية في البلدان الإسلامية، وخاصة مشاكل الفقر والتخلف والأمية والجهل وتقلص دور الأسرة ؛ ــ الثاني يستعرض جملة النواقص والتصورات البارزة التي تؤثر سلباً في الممارسات التربوية الوالدية في العالم الإسلامي، وخاصة نواقص الافتقار إلى بيداغوجية تربوية، وإلى مرجعية سيكولوجية، ثم الافتقار إلى استراتيجية تربوية في هذا الشأن محكمة الأهداف ومنضبطة الإجراءات. ج) قضية المقترحات والحلول التي حاولت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إجمالها في ثلاثة عناصر أساسٍ : ــ أولها : يتعلق بالتكافؤ في الإمكانات والفرص، مع التأكيد على أهمية التعليم من خلال الممارسات التربوية للوالِدين، وبالتالي اعتماد برامج لتكوين الوالِدين في مجال أدوارهم التربوية ؛ ــ ثانيها : إسناد مسؤوليات تربوية جديدة إلى الوالدين، قوامها تحقيق الأهمية الوالدية اللازمة للتعامل مع الطفل وتربيته ؛ ــ ثالثها : يتجسد في التكوينات التربوية اللازمة وذلك عبر استراتيجيات تربوية هادفة، أساسها توعية أباء المستقبل بأدوارهم التربوية ومسؤولياتهم البيداغوجية. وفي الجملة، فإن هذه أهم القضايا التي حاولت هذه الدراسة من خلال تحليل مضامينها ومظاهرها الاقتراب أكثر ما يمكن من طبيعة الممارسة التربوية الوالدية في العالم الإسلامي، ومن فحوى النظرية السيكولوجية التي تحكمها وتوجّهها، وهي النظرية التي تقترح المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة أن تنصب عليها جهود الباحثين والعاملين في ميدان التربية الوالدية، لأن في دراسة مضامين هذه النظرية وفي تحليل مكوناتها، تكمن الحلول الفعلية لتجاوز مشاكل هذه التربية ومعوقاتها. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينتفع بهذه الدراسة كلُّ الذين يسعون جاهدين إلى خدمة التربية السليمة الهادفة ويعملون من أجل السهر على ازدهار عالمنا الإسلامي وتطوره. والله وليّ التوفيق. الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة تمهيد تعدّ إشكالية التربية ووظيفتها التنموية واحداً من التحديات الكبرى التي أصبحت تواجه مختلف المجتمعات الإنسانية وخاصة المجتمعات الإسلامية. فهذه حقيقة لا جدال فيها ؛ إذ أن الإجماع الحاصل منذ قرون عديدة حول ضرورة التربية كسبيل لكل نهضة مرتقبة، قد تعزز منذ أوائل الثمانينيات من هذا القرن بإجماع آخر مفاده أن مصير المجتمعات في القرن الحادي والعشرين، قرن العولمة والتكنولوجيا، سيتوقف بمعنى من المعاني، على الكيفية التي وفقها ستربي هذه المجتمعات أبناءها. فالتربية التي تشكل في مدلولها الحضاري المرآة الصادقة لحالات الناس وأحوال المجتمع وفي مدلولها العميق الأداة الأساس للنمو والتطور، قد أضحت في السنوات الأخيرة تمثل إحدى الأزمات المجتمعية العميقة. وإذا كانت أغلب المجتمعات المتقدمة قد أولت هذه المشكلة كل ما تستحقه من عناية واهتمام، فإن أغلب المجتمعات الإسلامية لا تزال على العكس من ذلك غير مبالية بها وبانعكاساتها السلبية المتنوعة (أحرشاو، 1998م). لكن عن أية تربية نتحدث في هذا النطاق ؟. عادة ما يقصد بالتربية مجموع التفاعلات والممارسات والتأثيرات التي يُتوخى منها تلقين الطفل القيم والسلوكات وتعويده على عادات المجتمع وتقاليده. فهي عبارة عن مختلف تقاليد المجتمع وقيمه ونماذج الحياة والتفكير التي لا تُنْقل إلى الطفل بصورة وراثية، بل بواسطة التأثير الثقافي. وهذا يعني أن الطفل يكون منذ ولادته في حاجة إلى التعلمات التي تمكنه من امتلاك الأدوات الثقافية اللازمة لتطبيعه واندماجه الاجتماعي. ومن الطبيعي أن تشكل الأسرة، باعتبارها فضاءاً حميمياً وموطناً للرعاية ومكاناً للعيش، البيئة القوية التأثير في نمو الطفل وتفتق شخصيته. وبهذا المعنى يمكن الحديث عن تربية أسروية. لكن ما موقع التربية الوالدية في هذا الإطار ؟ وما علاقتها بالتربية الأسروية ؟
كثيراً ما تُختزل التربية الوالدية في التربية الأسروية بحيث يُستعمل هذان اللفظان بالترادف، وهذا غير صحيح لأن التربية الوالدية ما هي إلا مكون أو متغير أساس من بين المتغيرات الكثيرة المكونة للتربية الأسروية التي هي صاحبة الدور الرئيس في عملية تنشئة الطفل وتربيته. فالأسرة التي قد تتعدد وتتنوع مكوناتها لتشمل مختلف أعضائها وفضاءات إقامتها وأدوات تفكيرها وترفيهها ثم أنساق قيمها وثقافتها قد تغطي أيضا الممارسات التربوية المستعملة داخلها بقصد تنشئة أطفالها وتربيتهم وممارسات التدخل والتكوين من طرف الوالدين، وبذلك فهي تتضمن التربية الوالدية (بورتوا Pourtois 1989م، ديرينج During 1995م). أما التربية الوالدية، فعادة ما تختصر في تعامل الوالدين المباشر مع الطفل وبالضبط في الممارسات التي تحدد فعلهما التربوي إزاء هذا الأخير. فهي عبارة عن ممارسات الوالدين اليومية ومواقفهما السلوكية تجاه الطفل قصد تأطيره وتوجيهه وإمداده بمختلف المعارف والخبرات والنماذج والتصرفات والقيم والاتجاهات اللازمة لمواجهة مشاكل الحياة في شتى مظاهرها ومختلف مجالاتها. وبذلك فهي لا تشكل المرادف المطابق للتربية الأسروية أو التنشئة الاجتماعية أو الاتجاهات الوالدية، كما أكدت على ذلك خطأ بعض الدراسات العربية (حسن 1970م، كفافي 1989م، القرشي 1986م، عبد الفتاح 1992م، إبراهيم 1978م)، بل إنها وإن كانت تندرج في التنشئة الاجتماعية كمتغير أساسٍ وتستغرق الاتجاهات الوالدية كإطار أوسع، فإنها مع ذلك تبقى غير قابلة للاختزال في أي لفظ من هذه الألفاظ. فهي تعني أساساً وجود علاقة تربوية تجمع الطفل بوالديه عبر ممارسات محددة، تتمظهر على شكل مجموعة أساليب أو معاملات يتبعها هؤلاء خلال المواقف المختلفة التي يواجهها الطفل إما داخل البيت أو خارجه. إذن وككل تربية فإن التربية الوالدية هي عبارة عن ممارسة تحكمها مجموعة من المبادئ والأسس وتوجهها سلسلة من الأهداف والغايات وتحدها جملة من العوامل والمحددات وتتحقق عبر فئة من الأساليب والآليات وتتخللها عينة من المشاكل والمعوقات. وهي بهذا التحديد حتى وإن كانت تشكل الميدان المعقد الذي يستدعي مقاربة متعددة التخصصات، تشمل أساساً علوم النفس والاجتماع والتربية والاقتصاد والقانون، فإن التربية الوالدية من المنظور الذي يوجه هذه الدراسة عبارة عن ممارسة تربوية تحكمها مرجعية سيكولوجية تتحدد في النظرية التي يحملها الوالدان عن سيكولوجية الطفل، هذه النظرية التي تتمثل من جهة في مجموع التصورات والأفكار التي يكونها الوالدان عن نمو الطفل وكفاءاته وقدراته وحاجياته ورغباته وردود أفعاله ومن جهة أخرى في مختلف الأفعال التربوية للوالدين تجاه الطفل. في إطار هذا المنظور السيكولوجي الصرف، سنعمل على بحث إشكالية "التربية الوالدية" وتحليلها كما تمارس في البلدان الإسلامية من خلال التحليل الموضوعي لثلاث قضايا جوهرية وهي : قضية الخصائص والمقومات وقضية المشاكل والمعوقات ثم أخيرا قضية المقترحات والحلول. لكن قبل ذلك لابد من التنبيه إلى أن هذه الدراسة تشرطها ثلاثة حدود رئيسَة :
الحد الأول : بطبيعة الحال لا نعتقد أن دراسة بهذا الحجم ستتطرق إلى جميع المشاكل المرتبطة بالتربية الوالدية في العالم الإسلامي. ولكن المأمول منها هو أن تشكل إطاراً أولياً لأعمال ودراسات لاحقة يمكن للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة أن توفر لها جميع الشروط، وأن تهيئ لها كل الظروف اللازمة لبحث هذه الإشكالية الحيوية تحليلاً علمياً أوسع ومعالجة مضامينها ومظاهرها معالجة أشمل.
الحد الثاني : بالتأكيد أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بإمكانية الإحاطة الشاملة بجميع جوانب وحقائق الممارسات التربوية الوالدية في العالم الإسلامي. فغزارة سلوكات هذه الممارسات وغنى تفاعلاتها، لا يسمحان بتاتاً بهذه الإحاطة، وبالتالي فطموحنا في هذه الدراسة لن يتعدى حدود تعيين العلامات البارزة وتشخيص الأعراض الدالة وضبط المؤشرات المعبرة التي يمكن معها وبفضلها تكوين تصور شبه ــ فعلي حول مقومات هذه الممارسات ومشاكلها وحلولها.
الحد الثالث : لابد من التنبيه إلى أن تحليلنا للممارسات التربوية الوالدية في الدول الإسلامية لا يوجهه أي قصد أخلاقي أو أداتي يخدم مدرسة بعينها أو فلسفة بذاتها. فكل ما نسعى إليه في هذه الدراسة، هو الالتزام والبقاء عند مستوى المعرفة الموضوعية للممارسات التربوية الوالدية كوقائع وحقائق يومية نعاينُها ونعايشها جميعاً، لأن مشكل التربية لا يكمن في تقديرنا في الاختيارات الاجتماعية أو السياسية أو الفلسفية فقط بل يتمحور كذلك حول مستوى المعرفة الموضوعية لمختلف التأثيرات الناجمة عن المحددات النفسية والاجتماعية والتي لا يجب أبدا أن تبرَّرَ فقط بالمبادئ والرؤى الذاتية.
الخصائص والمقومات الراجح أن كل تربية كيفما كان نوعها أو شكلها، لها من المقومات والخصائص ما يجعلها قادرة على أداء رسالتها. وهذه المقومات والخصائص عادة ما تنبني على أسس ومبادئ تحكمها وعلى غايات وأهداف توجهها وعلى محددات وعوامل تؤطرها وعلى آليات وأساليب تسيرها. وإذا كانت التربية الوالدية كما تمارس في البلدان الإسلامية لا تشذ عن هذا التحديد، فإن اهتمامنا في هذا النطاق سينصب أساساً على عرض تحليلي لأهم مبادئ وأهداف ومحددات وأساليب هذه التربية.
المبادئ والأسس : تشكل مبادئ الثقة في الطفل وتأطيره وفق أساليب مرنة ودقيقة ومراقبته قصد حمايته من المعاشرة السيئة وتخليق سلوكاته وفق معايير الحياة الاجتماعية الصحيحة المتمثلة أساساً في العدل والصدق والاستقامة والنزاهة والتمييز بين الضار والنافع، بين القبيح والجيد، بين الحرام والحلال ثم تعليمه طقوس وتقاليد التفاعل الاجتماعي وخاصة تقنيات العلاقة مع الآخر وقواعد الحوار ومهارة الحياة وآدابها، فضلاً عن تمكينه من تمثل الذات وبناء هويته على أسس صلبة، تشكل هذه المبادئ أهم الأسس التي يجب أن تنبني عليها كل تربية والدية نموذجية كما تؤكد على ذلك أغلب الدراسات السيكولوجية الحديثة (لوثري Lautrey 1989م، كيليرهالس ومنتندون Kellerhals et Mantandon 1990-1991م، أليس جرديل Allès-Jardel 1997م). لكن الحقيقة هي أن هذه المبادئ والأسس لا تمثل شيئاً جديداً بالنسبة للتربية الوالدية المتشبعة بالتعاليم الإسلامية. فتعليم الطفل وتدريبه وتوجيهه قصد تمكينه من تحمل مسؤولياته والقيام بدوره، ورعايته الرعاية الشاملة المتعلقة بجميع جوانب شخصيته الذهنية والوجدانية والخلقية وتوفير البيئة الملائمة لحاجاته ورغباته وآماله، كلها مبادئ وتعاليم يؤكد عليها التراث التربوي الإسلامي. ففضلا عما يحفل به هذا التراث من اتجاهات ونظريات تربوية كلها تَحًثُّ على أهمية تعليم الطفل وتربيته وإعداده للمستقبل، حيث توجد تلك السلسلة من المباحث التربوية التي صاغها أمثال ابن سحنون وابن حزم وأبي حامد الغزالي وابن سينا ونصير الدين الطوسي وابن جماعة والسمعاني(ü) (أحرشاو 1998م)، فلابد من التأكيد على أن هذا التراث ومنذ أن نزل الوحي على النبي#، وهو يحفظ تعاليم الديانة الإسلامية فيما يتعلق بتربية الطفل ورعايته والاهتمام به. وهذه مسألة قـائمة الـذات تعـبر عنها آيات قرآنية كثيرة نذكر منها على سبيل المثال : \ المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصـالحات خــير عــند ربـك ثـواباً وخـير أملاً \ (سـورة الكـهف، الآيـة 46) و\ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قَتْلَهُم كان خطأ كبيراً \ (سورة الإسراء، الآية 31). وقد تضمنت أحاديث النبي#، حكماً وإشارات كلها تنصيص وتأكيد على حقوق الولد على الوالدين أن يُبِرّا به وأن يحسنا أدبه واسمه وتعليمه (عويس 1977م، ص 126) مثلما هو وارد في الأحاديث الشريفة التالية : >أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم< (ابن ماجة، كتاب الأدب، رقم 3661) و>من حق الولد على الوالد : أن يحسن اسمه ويحسن أدبه<، ثم >ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن< (الترمذي، البر والصلة، رقم 1875. أحمد، مسند المكيين، رقم 14856).
الغايات والأهداف : إذا كان هناك إجماع تام حول أهمية التربية الوالدية في المجتمعات الإسلامية ودورها القاعدي في تعلم أسس الحياة ومبادئها، فإن غاياتها الأساس يجب أن تكمن في المظهرين التاليين : -- التفتق الشخصي : إن أول شيء يكون الطفل في حاجة إليه في مراحله الأولى هو الأمن الذي يشكل الشرط الأساس لأي نمو عاطفي. فوجوده وانغماسه في صيرورة متطورة، تقتحمه بموجبها مختلف الغرائز الداخلية والمثيرات الخارجية لا يسمح للطفل أبدا بالوثوق من نفسه ومن محيطه الفيزيقي والإنساني على حد سواء. ولهذا فبدون تدخُّل الوالدين لطمأنته والأخذ بيده سيصبح فريسة للخوف والقلق، خاصة وأنه يدرك تمام الإدراك أنه عاجز عن تدبير أموره بنفسه.. فهذا الإحساس بالأمن والذي يتكون عند الطفل منذ إشباع الأم لرغباته الأكثر أولية ويتطور تبعاً لإيقاع المواقف والوضعيات المتكررة، هو الذي يسهم بشكل واسع في بنية وتنظيم انطباعاته الأولية، وهو ينبني حسب عدد من الباحثين على أربعة مكونات أساس (حسن 1970م، ويري Wery 1974م). أ) إشباع الرغبات الأولية التي تختلف باختلاف الأوساط الأسروية وتبعا للإمكانات المادية، لأنها رغبات تتعلق بكل ما هو بيولوجي. فالأمر يتعلق هنا بتحقيق التكامل الصحي كهدف أساس للطفل بحيث لا يمكن إغفال قيمة وأهمية الغذاء الصحي والسكن النظيف والوقاية اللازمة والعلاج المطلوب. ب) الحماية من الأضرار الخارجية، بحيث يؤدي الوالدان في الظروف العادية دوراً تضبيطياً في اتجاهين متعارضين : فمن جهة، هما اللذان يخففان على الطفل الصدمات القوية والهزات الحادة الآتية من المحيط الخارجي. ومن جهة أخرى هما اللذان يوسعان إمكانات الطفل لتمكينه من التواصل والتحاور مع العالم ومن تعلم كيف يعيش فيه تبعاً لإيقاع متطور. وإذا كان دور الوالدين المزدوج هذا يتقلص مع نمو الطفل حتى يختفي نهائياً حوالي سن المراهقة، فإن إمكانية ارتكاب الوالدين لأغلاط في التقدير وذلك إما بالتهاون في الحماية (الإهمال) وإما بالإفراط فيها (الحضن) تبقى أمراً وارداً. جـ) تحقيق تماسك الإطار النمائي للطفل واستقراره وذلك بفعل توجيهه وإرشاده وضبط سلوكه وإمداده بمرجعية واضحة حتى يتمكن من التمييز بين الصواب والخطأ، بين الإيجابي والسلبي، بين الحلال والحرام...الخ. د) إشعار الطفل بأنه مرغوب فيه وذلك عن طريق إشباع رغباته العاطفية عوض الوقوف فقط عند الرعاية البيولوجية. فالطفل في حاجة إلى هذه الممارسات لكي يشعر بأنه مقبول من لدن والديه لكنه في المقابل يكون في أمس الحاجة إلى هامش من الحرية لكي يحقق لاحقا استقلاليته. إذن بارتكاز التربية الوالدية على هذه المكونات الأربعة يتكون لدى الطفل الإحساس بالأمن الذي يعدّ الشرط الأساس في تحقيق تكامله النفسي وبالتالي الضمان الأكيد الذي يحول بينه وبين أي لون من ألوان الاضطراب في المستقبل.
-- التكيف الاجتماعي : بالتأكيد أن الأسرة لا تشكل فقط هذا الوسط العاطفي الذي يؤمن التفتح النفسي والتفتق الشخصي للطفل بل هي أيضا وسط اجتماعي تتفاعل فيه كمية هائلة من العلاقات والأفعال. فضمن هذا البعد الثاني للوسط الأسروي يكتشف الطفل قواعد التواصل مع الآخر ويتعرف على حريته وحدوده ويميز بين الحقوق والواجبات وبين الممكنات والممنوعات ويدرك روح المنافسة والتضامن وطبيعة القيم الخاصة بفئته الاجتماعية. وهكذا فإن آلية القابلية للتكيف الاجتماعي تتولد هي الأخرى عن التقدير النسبي بين قوتين متعارضتين. فمن جهة توجد القيمة الحياتية النابذة للأنا الذي ينمو ويتوسع في اتجاه تجاوز كل الحواجز، ومن جهة أخرى توجد القوة الضاغطة للأنا الأعلى الذي يفرض على الوالدين مقاومة هذا التوسع بوعي أو بدون وعي. ومن توازن هاتين القوتين، وهو التوازن الذي يكوّن الأساس القاعدي لكل تربية والدية، تتولد الحصيلة النهائية لسلوك الطفل. هذا السلوك الذي يتحقق معه تكامل الطفل الاجتماعي كلما وفر له الوالدان >الجو الاجتماعي السليم المطبوع بالاستقرار والباعث على تعليم الطفل حب الآخرين وكثيراً من القيم والتقاليد والمواقف التي تدل على التسامح أو على التعصب< (حسن 1970م، ص 144).
على أي يمكن التمييز بهذا الخصوص بين أربع صيغ نوعية لتدخل الوالدين في اتجاه تحقيق اندماج الطفل اجتماعياً وهي : ــ التضبيط الذاتي، بمعنى تصيير الطفل قادراً على تحديد غاياته. ــ التلاؤم مع الأعراف والقوانين الاجتماعية. ــ التعاون مع الآخرين. ــ الحساسية. وهذه الصيغ الأربع تستدعي على مستوى تحققها كغايات اجتماعية، اتباع أربعة أشكال للتنشيط والحث البيداغوجي وهي: المراقبة والتحريض والتخليق ثم العلاقة العاطفية والتي يمكن ملاحظتها في أربعة قطاعات أساس لتربية الطفل وتحقيق اندماجه الاجتماعي : - فهناك أولاً قطاع تعلّم المعارف التقنية المرتبطة أساساً بمهارات القراءة والكتابة والرسم وغيرها. - وهناك ثانياً قطاع تعلم القيم الأخلاقية والمعايير اللازمة لتدبير الحياة الاجتماعية كأحكام الحلال والحرام، وكمفاهيم العدل والصدق والاستقامة والنزاهة والجيد والقبيح والمسموح والممنوع... إلخ. - وهناك ثالثاً قطاع تعلم قيم وعادات التفاعل بكل ما تحتويه من تقنيات العلاقة مع الآخر وقواعد الحوار والأدب ثم مهارة الحياة. - وهناك أخيراً قطاع تعلم أساليب تمثُّل الذات وبناء الهوية الاجتماعية وخاصة على مستوى صورة الجسد واللباس (آليس ـ جرديل Allès-Jardel 1997م). والحقـيقة أن تحـقيق تكـيف الطـفل وفـق هـذه الصـيغ والأشـكال لا يزال يشكل في البلدان الإسلامية الميدان الذي لم تقتحمه بعد الدراسات والأبحاث الإنسانية عامة والسيكولوجية خاصة رغم ما يمثله من أهمية علمية وقيمة عملية.
العوامل والمحددات : تشكل الممارسة التربوية للوالدين حصيلة اتجاهاتهم وتمثلاتهم في مجال التربية. وهذه الاتجاهات والتمثلات تكون بدورها متأثرة بالانتماء الاجتماعي والثقافي إلى حد أن شخصية الوالدين وذكاءهما يتوقفان على التاريخ الأسروي وتغيراته الاجتماعية (Pourtois 1989م). فالنسبة الكبيرة من العلاقات ذات التأثير على نمو الطفل وتوافقه النفسي والاجتماعي والدراسي تعود إلى المحيط الاجتماعي والوقائع الأسروية وخاصة فيما يتعلق "بخصائص شخصية الوالدين وتكيفهما الاجتماعي واتجاهاتهما التربوية" (Pourtois 1979م، ص 30-29). وبالاستناد إلى نتائج وخلاصات أهم الدراسات الإسلامية والغربية التي أنجزت حول العوامل المؤثرة في الممارسات التربوية للوالدين، يمكن التمييز بين أربعة أصناف كبيرة من المحددات :
محددات نفسية : إذا كانت أغلب الدراسات (Allès-Jardel 1997م، Andrey 1954م، محمد بدون تاريخ، فهمي 1963م، حسن 1970م، اسماعيل 1974م) تؤكد على أن أهم المتغيرات التي تؤثر في الممارسة التربوية للوالدين تجاه أطفالهم هي: خبرات الوالدين وتجاربهم، الإيقاع العاطفي للعلاقات بين الوالدين والطفل، الاتساق الأسروي والتنظيم الفيزيقي لمحيطه، الاتجاهات النفسية للوالدين وتوقعاتهم حول مستقبل أبنائهم، تصورات الوالدين وتمثلاتهم بخصوص مراحل نمو الطفل والوسائل اللازمة لإشباع رغباته والاستجابة لحاجاته، فإن أبرز المؤشرات التي تعبر على مستوى العالم الإسلامي عن تشبعات هذه الممارسة بمثل هذه المتغيرات وآثار ذلك على نمو الطفل وتكيفه ما يلي : أ) إن معاملة الأب لطفله على أساس من الصرامة والقسوة كثيراً ما تعود في البلدان الإسلامية إلى التجارب المرة التي عايشها الأب، حيث تجعله يعيد مع طفله نفس المعاملة التي كان يُعامَل بها أثناء طفولته (حسن 1970م، اسماعيل 1974م). ب) إن بعض الاتجاهات الوالدية السلبية كالرفض والحماية الزائدة والضغط على الأبناء لتحقيق مستويات عليا من التحصيل "تكون أكثر ظهورا لدى الآباء عنها لدى الأمهات" (القرشي 1986م، ص 15). ج) إذا كان الآباء الأكبر سنا هم الأكثر ميلا للحماية الزائدة وإلى تأكيد قيم السيطرة من الآباء الأصغر سنا فإن الأمهات الأصغر سنا أكثر ميلاً إلى تأكيد قيم السيطرة من الأمهات الأكبر سنا في معاملة الأبناء. وفضلا عن هذا، فإن القيم التربوية للأمهات على الخصوص تتأثر بسنهن، حيث أن صغيرات السن هن اللواتي يستوفين القيم الأكثر كلاسيكية مثل : الطاعة، في حين أن كبيرات السن يؤكدن أكثر على استقلال الطفل وحريته (القرشي 1986م).
محددات اجتماعية : الواقع أن الممارسة التربوية كسلوك أو معاملة تصدر عن الوالدين تجاه الطفل تتأثر بالمحيط الاجتماعي الذي يوجدان فيه لاسيما أن هذه الممارسة غالباً ما تحصل داخل الأسرة التي تشكل من بين مختلف مكونات المحيط الاجتماعي السياق الأكثر دلالة. فدورها جد أساسي لأنها تشكل الوسط القاعدي للعلاقات والتجارب الأولى. والملاحظ في معظم الأعمال التي أنجزت في العالم الإسلامي بخصوص هذه المحددات أن هناك تلازماً واضحاً بين مكونات المحيط الأسروي (عدد الأطفال، جنسهم، أعمارهم، أهداف الأسرة، القيم، العلاقات وتوزيع المهام والمسؤوليات) والممارسات التربوية للوالدين. وهو التلازم الذي يتمحور حول الوقائع التالية : أ) رغم تأكيد دراسات غربية كثيرة على علاقة حجم الأسرة وطبيعتها ونوعية أدوارها بنوعية الممارسات التربوية للوالدين، فإن أغلب الدراسات الإسلامية التي تناولت هذه العلاقة (بركات 1977م، العلوي 1986م، جسوس 1982م) ترى أن الأسر الإسلامية إن كانت قد تحولت في نسبة كبيرة مـنها مـن أسـر ممتـدة إلى أسـر نووية(ü)، فـإن هـذا التـحول لا يحدد دائماً أسلوب الممارسة التربوية المتبع داخلها. >فهناك الأسر التي تحولت إلى نمط نووي في الشكل فقط ولم تعرف أي تحول في المحتوى العقلاني والديموقراطي وخاصة على مستوى العلاقات والأدوار وهناك أسر جمعت بالفعل بين الشكل والمحتوى< (راضي Radi 1977م، ص 36). وهكذا يبدو أن الأمر يتعلق بنموذج أسروي متحول متعدد الأنماط من جهة، ومن جهة أخرى فإن حجم هذا النموذج لا يعكس بالضرورة نوعية المعاملة. ب) تؤكد أغلب الدراسات (مهان Mahan 1981م، Pourtois 1979م) وجود ارتباط موجب ودال بين عدد الأطفال في الأسرة ومعتقدات الأمهات في استخدام أساليب العقاب والسيطرة المتشددة، بحيث أن كثرة الإنجاب في فترات متقاربة يشكل عبئا ضاغطا على الأم الصغيرة خاصة ويؤدي إلى اتجاهات سلبية نحو الأبناء. ج) من ضمن العوامل المحددة للتربية الوالدية في العالم الإسلامي نجد جنس الطفل الذي يؤثر في علاقة والدين ــ طفل في سن جد مبكر. فالأسرة وهي تحاول قولبة الطفل وفق تقاليد المجتمع وأعرافه وقيمه، تنطلق أولا من كون هذا الطفل ذكر أم أنثى. فهي تسند عبر الوالدين أهليات وكفاءات خاصة بكل جنس. ومن ثمة فتعاملها مع الأطفال يختلف باختلاف جنسهم مهما كانت فئاتهم الاجتماعية والثقافية. فعن طريق القيم الاجتماعية والثقافية تحدد الأسرة >أنماطا من السلوك للبنت مخالفة للذكر في مجالات النشاط، على غرار ما هو سائد في الوسط الاجتماعي والمجتمع بصورة عامة< (مبارك 1993م، ص 198). فعلى العموم عادة ما يتم إخضاع الفتيات لممارسات تربوية تتميز بالإكراه والإجبارية والمنع أكثر من الذكور حيث إن الآباء يتوقعون من الفتيات أن يكن أكثر عاطفية والذكور أكثر فاعلية (عبد المجيد 1984م، حطب، مكي 1988م).
محددات اقتصادية : عرفت علاقة الممارسات التربوية الوالدية بالمستوى السوسيواقتصادي دراسات كثيرة كلها تؤكد على أن ارتفاع هذا المستوى يؤدي بأساليب معاملة الوالدين لأطفالهم إلى الميل نحو المرونة والديموقراطية نظرا إلى وفرة الإمكانيات المادية وتنوع الظروف والشروط اللازمة لإشباع رغباتهم (لوتري Lautrey 1989م، Pourtois 1989م، بالاسيو ــ كانطن Palasio-quintin 1990م، Allès-jardel 1997م). وإن نتائج الدراسات الإسلامية التي اهتمت بهذه العلاقة (إسماعيل وآخرون 1974م، نجاتي 1963م، عبد المجيد 1984م، الطيب 1990م، القرشي 1986م)، تتفق مع هذا الطرح وتؤكد على الوقائع التالية : أ) يوجد ارتباط موجب ودال بين ارتفاع المستوى الاقتصادي للوالدين وبين درجة مرونتهما وتسامحهما. ب) إن الفئات الاجتماعية الدنيا (الفقيرة) تكون أكثر تشددا وحفاظية وامتثالا لما هو سائد من قيم اجتماعية. ولهذا فإن الممارسات التربوية للوالدين المنتميين إلى هذه الفئات عادة ما تتميز بالقسوة المحكومة بصرامة العقاب. فهما يستغلان سلطتهما أكثر من اللازم لردع الطفل ومعاقبته بصرامة متشددة على ارتكابه لأدنى خطأ أو عصيانه لأتفه الأوامر أو تطاوله على أي رد فعل لا يتماشى مع كل ما هو متداول ومألوف. فآباء هذه الفئات غالبا ما يميلون إلى استخدام العقاب البدني أو التهديد به. ج) هناك اختلافات في أساليب ضبط سلوك الأطفال تبعا للاختلافات في القيم الوالدية بين الفئات. فبينما يميل الوالدان من الفئة الدنيا إلى إخضاع الطفل للقيم المفروضة من الخارج كالنظافة والطاعة واحترام الكبار، وإلى استخدام العقاب البدني في حقه والاهتمام بالآثار المادية المباشرة لسلوكه، فإن الوالدين من الفئة المتوسطة يتجهان إلى تقدير الدينامية الداخلية للطفل والمطالب اللازمة لنموه كالشغف بالتعليم ومحبة الوالدين وخصال التعاون وآداب السلوك ويميلان إلى أساليب الحوار والإقناع والتوجيه والإرشاد في تربيته.
محددات ثقافية : يعتبر المستوى الثقافي عامة والتعليمي خاصة من أقوى المؤشرات المحددة لكفاءات الوالدين المعرفية ومهارتهما السلوكية والتي لها دورها الكبير في تعديل اتجاهاتهما نحو تربية الطفل. فنتائج أغلب الدراسات الأجنبية والإسلامية على حد سواء (Mohan 1981م، Pourtois 1979م، نجاتي 1974م، القرشي 1986م، الطيب 1990م)، تبين أن المستوى التعليمي للوالدين يعتبر العامل الأقوى تأثيرا في الممارسات الوالدية لتربية الأبناء بالمقارنة مع بقية المتغيرات الأخرى وخاصة مهنة الوالدين ودخلهما وجنسهما وسّنهما وعدد الأطفال. فهذا المستوى يعتبر من أهم العوامل المؤثرة في اتجاهات الوالدين نحو الأبناء بحيث أنه كلما كان مرتفعا يكون الوالدان أكثر ميلا للتسامح والمرونة مع الأبناء وكلما كان منخفضاً تكون السيطرة لأساليب التشدد والعقاب.
الأساليب والآليات : إذا كانت الممارسة التربوية تعني وجود علاقة تربوية تجمع أساسا الطفل بوالديه كمربيين فإن الشكل الذي تتم به يعتبر أسلوباً للمعاملة. ولابد من التأكيد هنا على أن الممارسات التربوية لا تنبني على بعد واحد للأسلوب الوالدي في التعامل مع الطفل، بل إن أغلب الدراسات السيكولوجية الغربية والإسلامية تجمع على وجود مجموعة من الأبعاد المتعددة المتحكمة في هذه الأساليب والمتمثلة خاصة في: المراقبة، وضوح التواصل، ضرورة النضج والدفء الوالدي، وتؤكد أن هناك أنواعا وأشكالا متعددة من الأساليب التربوية التي يصعب حصرها نظرا للاعتبارات التالية : ــ كثرة هذه الأساليب والممارسات وتنوعها إلى الحد الذي يصعب معه تصنيفها وتحديدها بدقة. فمن التركيز على نماذج الممارسات التسلطية والديموقراطية والإباحية (Baurvind، Allès-Jardel 1997م) إلى التنصيص على أنماط الممارسات الضعيفة التركيب والصارمة التركيب والمرنة التركيب (Lautrey، 1989م) إلى التأكيد على الممارسات المتسامحة والتأديبية والعلائقية والفوضوية (Kellerhals، Montandon 1990-1991م) وأخيرا إلى التركيز على أساليب: الرفض مقابل التقبل، الإهمال مقابل الاهتمام، الحرمان مقابل الإشباع، القمع مقابل التفهم، التشدد مقابل اللين، الصرامة مقابل التسامح، التصلب مقابل المرونة... الخ (حسن 1979م، الطيب 1990م). ــ تباين نماذج وأساليب الممارسات هاته داخل مختلف الأعمال إلى الحد الذي يصعب معه الحديث عنها بصورة موحدة، لأن الممارسات التربوية تشكل في حد ذاتها سيرورة تفاعلية ينخرط فيها الوالدان والأطفال على حد سواء. فالوالدان يدركان بوعي أكثر أو أقل أنهما يُكيّفان أساليب تدخلهما تجاه هذا الطفل أو ذاك حسب جنسه وسنه. ــ تنوع هذه الممارسات وأساليبها تبعا للأوساط السوسيواقتصادية والثقافية للوالدين وأيضا تبعا لجنس الطفل وسنه وشخصية الأب أو الأم. فكل هذه العوامل تؤثر في التصورات الوالدية الكامنة وراء ممارساتهم التربوية. فتوقعاتهم يمكنها أن تختلف حسب انتماءاتهم بحيث أنه كلما ارتفع مستوى هذه الانتماءات كلما اتجهت ممارساتهم التربوية إلى أن تكون ليبرالية وكلما انخفض هذا المستوى كلما اتجهت هذه الممارسات نحو التسلطية أو الفوضوية. إذن رغم كثرة الممارسات التربوية الوالدية وتنوعها وتباين أساليبها يمكن مع ذلك التركيز على ثلاثة نماذج أساسية هي التي نلمس فيها الأصناف الملائمة للتعبير عن مختلف أشكال أساليب الممارسات التربوية الوالدية في البلدان الإسلامية :
نموذج الممارسة الضعيفة : يعبر هذا النموذج عن الممارسات التربوية التي لا يحكمها أي سلوك ثابت أو قواعد عامة وقارة توجه تصرفات الطفل وأفعاله. فهذا الأخير لا يعرف مثلا متى سينام، ولا شيء يعوقه عندما يريد مشاهدة التلفاز أو ممارسة أي نشاط يريده. فلديه كامل الحرية ليفعل ما يشاء ومتى يشاء. والحقيقة أن هذا النموذج الذي يعتبر الأقل ملاءمة أو الأكثر ضرراً على تربية الأبناء بحيث أنه يشكل مصدر اللاتوازن بالنسبة لنمو الطفل وتكوينه وتكيفه، هو الذي تندرج ضمنه في الغالب الممارسات التربوية للآباء المنتمين إلى الفئات الاجتماعية الضعيفة من حيث المستوى السوسيواقتصادي والثقافي. فالأمر يتعلق هنا بالآباء الذين وبفعل ظروفهم المادية المزرية والإمكانيات الثقافية المحدودة أو المنعدمة نجدهم يعاملون أطفالهم إما بنوع من التذبذب الذي يصل أحيانا إلى درجة من التناقض في المواقف وبالنسبة لنفس الوضعية، وإما بنوع من المزاجية المتقلبة التي تلعب فيها الحالة النفسية للوالدين الدور الحاسم، وإما بنوع من الإهمال التام لواقع الطفل، وحاجاته البدنية والعاطفية والمعرفية. وإن نشأة الطفل في ظل ممارسة تربوية تهمله ولا تعيره أدنى اهتمام على مستوى الدفء العاطفي والإشباع البيولوجي والتأطير التربوي لابد وأن يفتقر إلى مقومات الشخصية السوية القادرة على التكيف الجيد وعلى مواجهة مشاكل الحياة بشتى مظاهرها ومختلف تحدياتها.
نموذج الممارسة الصارمة : يُقصد بهذا النموذج السلوك القار المحكوم بقواعد ثابتة لا تتغير مهما كانت الظروف والأوضاع، بحيث على الطفل أن ينام في وقت محدد ولا يشاهد التلفاز إلا بإذن من الوالدين ولا يزاول إلا الأنشطة التي يحددانها له. وتندرج ضمن هذا النموذج الممارسات التربوية للآباء من الفئات الاجتماعية ذات المستوى الاقتصادي والثقافي المنخفض أو المنعدم تماماً. بمعنى أن الأمر يتعلق هنا بالأساليب التربوية التي يمارسها الآباء الذين عادة ما لا يتناسب مستواهم المادي والثقافي مع إشباع رغبات الطفل وتحقيق تكيفه ونموه. وهي الممارسات التي تتميز، حسب عدد من الباحثين (حسن 1970م، الطيب 1990م)، إما بتسلط الوالدين وسيطرتهم وكل ما يواكب هذا من أساليب الحرمان والصرامة والقسوة والعقاب وإما بالمبالغة في الرعاية والحماية وكل ما يرافق هذا من أساليب العناية الزائدة بصحة الطفل وتعليمه والخوف عليه من أقرانه وإما بالتحكم وعدم الاتساق والوضوح والافتقار إلى أطر مرجعية راسخة وكل ما يصاحب ذلك من تقييد لحركة الطفل وحريته. والواقع أن معايشة الطفل لنموذج يتميز بهذه المواصفات لابد وأن يخلق لديه شخصية ضعيفة من أبرز سماتها الشعور بالدونية وفقدان الثقة والخوف والعجز وبالتالي الفشل في التكيف والاندماج والتحصيل ومواجهة مشاكل الحياة. وهو الذي يؤدي به إلى ممارسة سلوكات عدوانية على شكل ردود أفعال منحرفة كالسرقة والتخريب والاعتداء والتشرد.
نموذج الممارسة المرنة : إن المقصود بهذا النموذج هو تلك السلوكات الثابتة أو القواعد العامة لبعض الآباء والتي يمكنها أن تتعدل حسب الظروف بحيث لابد للطفل أن ينام مثلا في وقت محدد ولكن إذا كان يوم الغد عطلة يمكنه أن يسهر، ويشاهد التلفاز حينما يرغب لكن باحترام بعض الشروط ومنها نوع البرامج ثم زمن ومدة الإرسال. وبإمكانه أن يزاول الأنشطة التي يرغبها ولكن بشروط. وهذا يعني أن القواعد ليست هنا جامدة بل تتقولب تبعا للظروف والأحداث. وإذا كانت هذه الممارسة تمثل في آن واحد خاصيات الممارستين الصارمة والضعيفة، فإنها تعتبر أكثر ملاءمة للتربية الهادفة وتوجد في الغالب لدى الآباء من الفئات الاجتماعية الميسورة أو المحظوظة. فضمن هذا النموذج تدخل الممارسات التربوية للأباء المنتمين إلى الأوساط السوسيواقتصادية والثقافية المرتفعة أو المتوسطة على أكثر تقدير. ومادام أن "هذه الأوساط هي القادرة في الغالب على تلبية جميع رغبات أبنائها فإن حظوظ هؤلاء عادة ما تكون وافرة لكي يتربوا بطريقة أفضل ويتعلموا بصورة أجود" (الطيب 1990م، ص 21). والحقيقة أن نموذج الممارسة المرنة هذا هو الذي يعكس مواصفات الممارسات التربوية الوالدية الصحيحة التي توفر الإشباع المنتظم لحاجيات الطفل والمتمثلة في نظر جل الباحثين (باندورا Bandura 1973م، Lautrey 1989م، كفاني 1989م، عبد الفتاح 1992م، الطيب 1990م) في : المرونة، الحرية، التقبل، التسامح، العدل، الحوار، الالتزام، العقلانية، التأطير والدفء الوالدي. فالطفل الذي يترعرع في كنف هذه الممارسة التربوية المرنة عادة ما يتميز بسمات الشخصية السوية المتمثلة أساساً في الثقة في النفس والتقدير العالي للذات وتحمل المسؤولية والشعور بالأمن والكفاءة في التحصيل وفي التواصل والمهارة في حل المشاكل ومواجهة مواقف الحياة المختلفة. على أساس هذا التحديد الذي توخينا منه إبراز نماذج الممارسات التربوية الأساسية المؤثرة في تربية الطفل في المجتمعات الإسلامية لابد من التأكيد على الخلاصات الثلاث التالية (الطيب 1990م، ص 30-24) : أ) تجمع نتائج أغلب الدراسات السيكولوجية، الغربية والإسلامية، على أن نموذج الممارسة التربوية المرنة يتميز بتأثير إيجابي أكثر من نموذجي الممارسات الضعيفة والصارمة. ب) مادام أن نوع نموذج الممارسة يلعب دورا إيجابيا أو سلبيا حسب المستوى السوسيو اقتصادي والثقافي للوالدين، فإن هذا يعني ضمنيا أن الوالدين اللذين يعيشان في مجتمع سلطوي متشدد لابد وأن يتميز أسلوب معاملتهما للأبناء بنوع من القسوة والصرامة في حين أن الوالدين اللذين يعيشان في مجتمع ديموقراطي متفتح لابد وأن يتميز أسلوب معاملتهما بنوع من الليونة والتسامح. ج) إذا كانت التسلطية والقسوة تشكلان خاصيات النموذج التربوي الجامد والديموقراطية والتسامح تشكلان خاصيات النموذج التربوي المرن، فإن القسوة والصرامة لا يمكن اعتبارهما سمتين مرتبطتين بالفئات الاجتماعية الدنيا بقدر ما هما فقط وسيلتان للحفاظ على نوع من التوازن بين أعضاء الأسرة حينما تكون ظروف الحياة صعبة جدا. كما أن المرونة والتسامح هما شكلان من أشكال التربية الممارسة داخل الأسرة حينما تكون إمكانيات الاختيار متعددة للوصول إلى هدف معين أو لتحقيق إشباع ما.
المشاكل والمعوقات حاولنا في النقطة الأولى من هذه الدراسة التأكيد على أن التربية الوالدية في البلدان الإسلامية وفي غيرها من البلدان، هي عبارة عن ممارسات أو سلوكات يومية يمكنها أن تتجلى في أشكال مختلفة وأن تتلون بألوان متنوعة تتراوح بين الصحيح والخاطئ، بين الإيجابي والسلبي، بين الفعال وغير الفعال، تبعا لطبيعة المبادئ والأهداف ونوعية المحددات والأساليب. فكلما كانت الأهداف موجهة بمبادئ مطابقة والأساليب محكومة بمحددات ملائمة إلا وكانت هذه الممارسات محمودة النتائج على مستوى إعداد الطفل وتربيته وكلما كان هناك تناقض بين المبادئ والأهداف وتباين بين المحددات والأساليب كانت حصيلة هذه الممارسات وخيمة النتائج على نمو الطفل وتكيفه. نقول هذا لأننا ندرك تمام الإدراك أن مشكل التربية الوالدية في البلدان الإسلامية عادة ما يكمن في هذا التباين الواضح بين مقوماتها النظرية التي غالبا ما تستعمل كشعارات فضفاضة يُحتفى بها في بعض المناسبات ويُلوح بها في بعض المناقشات وتستحضر كلما ظهرت المشاكل واستفحلت الأزمات، وخصائصها العملية التي حتى وإن كانت تبدو ذات أهمية بالغة لدى بعض الفئات الاجتماعية المحظوظة اقتصاديا وثقافيا فإنها ما تزال بالنسبة لأغلبية الشرائح الاجتماعية محدودة الفعالية والمردودية وعديمة الجدوى والفائدة. فالأكيد أن المجتمع الإسلامي وكبقية المجتمعات الأخرى، كان ولا يزال يتطلع إلى ممارسة تربوية مرنة، هادفة ومتفتحة، قوامها تمكين الطفل من امتلاك شخصية سوية، متزنة وكفأة، قادرة على التكيف والتواصل وتحمل المسؤولية وعلى وقاية صاحبها من جميع الأخطار والتحديات المحتملة. إلا أنه ورغم التهافت المتتالي على تحقيق هذا المطمح والتطلع إلى تجاوز كل المشاكل والصعوبات الممكنة فإن المجتمع الإسلامي يبدو في أغلب فئاته، متعثر التحركات والخطوات ومحدود الأهداف والرغبات. وهذا واقع لا تنفلت من آثاره السلبية التربية الوالدية الممارسة في العالم الإسلامي لكونها غالبا ما تجد نفسها أمام جملة من المشاكل والمعوقات التي >تحبس انطلاقتها وتشل حركتها وتشد مسيرتها إلى الوراء لتحول جهود بعض الآباء العارفين بأمور التربية الصحيحة ثمرات جافة أو سراب خادع< (أحرشاو 1998م، ص 18-17).
إذن ما هي أهم المشاكل وأبرز النواقص التي تشكو منها التربية الوالدية في الدول الإسلامية ؟ وما هي مختلف العوامل التي تحد من فعالية هذه التربية وتشكل بالتالي معوقات وحواجز تحول دون أدائها لدورها المطلوب وخاصة على مستوى إعداد الإنسان الكفء القادر على مواجهة مشاكل الحياة وتحديات العصر؟ هل واقع المجتمعات الإسلامية في شكله الحالي يساعد على تحفيز الأسرة ومن خلالها الوالدين على أداء دورهما التربوي في مجال بناء وجدان الطفل وتطوير كفاءاته المعرفية ؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة المحورية تستوجب الاعتماد على صنفين اثنين من المظاهر والمواصفات التي تشخص من جهة عمق المشاكل والتحديات الكبرى التي تواجه الممارسات التربوية الوالدية في الدول الإسلامية وتجسد من جهة أخرى فحوى جملة من النواقص والقصورات التي لا يمكن لحال هذه الممارسات أن يتحول معها إلا من سوء إلى أسوأ. وعلى الرغم من تداخل هذه المشاكل والنواقص وتفاعلها العضوي فقد فضلنا التطرق إليها منفصلة رغبة أولاً في تدقيق طبيعة محدداتها ودرجة تأثيرها في الممارسات التربوية للوالدين وحفاظاً ثانياً على المنظور السيكولوجي الذي يحكم مضمون هذه الدراسة. وبالاحتكام إلى هذا الاعتبار الأخير فإن تركيزنا سيتم بشكل أكبر على مظاهر الصنف الثاني المتمثلة في النواقص والقصورات لأنه يمثل البعد النوعي الذي يتماشى مع منظورنا السيكولوجي، أما مظاهر الصنف الأول المتمثلة في المشاكل والتحديات الكبرى فلن نتوقف عندها إلا في حدود ما يخدم توجهات هذه الدراسة تاركين المجال لعلماء الاجتماع والاقتصاد لأن الأمر يهمهم أكثر منا.
المشاكل والتحديات الكبرى : تأسيساً على التحليل الذي أفردناه لمحددات وأساليب التربية الوالدية في البلدان الإسلامية يمكن الإبقاء على ثلاث مشاكل أساسية هي التي نتلمس فيها أكثر من غيرها مواصفات التحديات الكبرى التي تواجه هذه التربية وتستدعي بالتالي كامل الاهتمام والعناية :
مشكل الفقر والتخلف : الواقع أن نقص الإمكانيات المادية أو انعدامها وتدني الأوضاع المعيشية لفئات عريضة من الشرائح الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية، كلها عوامل تعوق التربية الوالدية وتجعلها ضعيفة، مضطربة الغايات والأهداف ومحدودة النتائج والحصيلات. فكما سبق التأكيد على ذلك يوجد ارتباط قوي بين المستويات الاقتصادية للوالدين وممارستهما التربوية. فكلما كان المستوى الاقتصادي مرتفعا كانت درجة مرونة وتسامح وديموقراطية الوالدين هي الغالبة على ممارساتهما التربوية وكلما كان هذا المستوى ضعيفاً أو منخفضاً إلا وكانت أساليب التشدد والقسوة المحكومة إما بصرامة العقاب وإما بكثرة الإهمال هي المهيمنة على هذه الممارسات. وعلى هذا الأساس فإن مظاهر الفقر والتخلف التي تعاني منها كثير من الشرائح الاجتماعية في البلدان الإسلامية لابد وأن تكون لها انعكاسات سلبية على الممارسات التربوية للآباء المنتمين إلى هذه الشرائح. وهي السلبيات التي قد تتخذ من جهة أشكالاً وأساليب تربوية تتراوح لدى الآباء بين التسلطية والفوضوية أو التذبذب بينهما، ومن جهة أخرى قد تتمظهر في نتائج تتراوح لدى الأطفال بين الدونية والتمرد أو التأرجح بينهما. وهذا ما يجعل منها واحدة من التحديات الكبرى التي لا يمكن للبلدان الإسلامية أن تنجح في تجاوزها إلا باستئصال أحد أسبابها الرئيسية المتمثل في الفقر والظروف المعيشية المزرية لفئات واسعة من الشرائح الاجتماعية المكونة للمجتمعات الإسلامية. مشكل الأمية والجهل : لاشك أن الممارسات التربوية الوالدية تتأثر بالمستوى الفكري الثقافي لأوساطها الاجتماعية. والجهل بطبيعة الحال يحد من فعالية هذه الممارسات ويقلص من تدخلات الوالدين، بل يبعدهما عن تقدم المجتمع وتطوره. وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فإن المستوى الثقافي عامة والتعليمي خاصة يعتبر العامل الأقوى تأثيراً في الممارسات التربوية للوالدين، بحيث أنه كلما كان هذا المستوى مرتفعاً أو على الأقل متوسطاً كلما اتجهت هذه الممارسات إلى أن تكون أكثر ديموقراطية ومرونة وتسامحاً مع الأبناء وكلما انخفض هذا المستوى كلما اتجهت هذه الممارسات نحو إما التسلطية والتشدد والقسوة وإما التسيبية والإهمال واللامبالاة. وإذا كان الجميع على وعي بأن فئات وشرائح اجتماعية كثيرة داخل الدول الإسلامية ماتزال ترزح تحت وطأة الأمية، فإن هذا يعني ضمنياً أن التربية الوالدية الممارسة ضمن هذه الأوساط لابد وأن >تتأثر سلباً بهذه الآفة التي ورغم كل الجهود المبذولة حتى الآن على مستوى سدّ منابعها إما بإلزامية التعليم وإما ببرامج موازية لمحو الأمية في بعض الدول الإسلامية وليس في جميعها، فإن حجمها وحسب بعض التوقعات سيتضاعف في أفق سنة 2000م< (مكتب اليونسكو 1988م، ص 24). إذن إن تضاعف هذه الآفة سيعني بالضرورة تضاعف واتساع قاعدة الممارسات التربوية الخاطئة المتراوحة بين نماذج الممارسة الضعيفة المطبوعة بأساليب كلها إهمال وتسيب وإباحية ونماذج الممارسة الصارمة المطبوعة بأساليب كلها قسوة وتشدد وعقاب. وهي النماذج التي تتولد عنها انعكاسات سلبية بالنسبة لنمو الطفل وتكيفه، قوامها الافتقار من جهة إلى مقومات الشخصية السوية القادرة على التكيف الجيد وعلى مواجهة مشاكل الحياة والتميز من جهة أخرى بشخصية ضعيفة، فاقدة للثقة، عاجزة وفاشلة في التكيف والتحصيل ومواجهة مشاكل الحياة. والحقيقة أن استئصال مشكل الأمية وما يصاحبه من جهل كسبب رئيسي لمثل هذه الممارسات والانعكاسات السلبية يشكل في اعتقادنا ثاني أكبر تحدٍ يواجه الدول الإسلامية. ففي القضاء على هذا المشكل بسد منابعه ومحاربة مكوناته بشتى الوسائل والخطط يكمن السبيل الأنجع في توجيه الأوساط والفئات السابقة الذكر نحو ممارسات تربوية مرنة قوامها التقبل عوض الرفض والاهتمام عوض الإهمال، والمرونة عوض التصلب، بمعنى الممارسات التي تحكمها أساليب المراقبة والتواصل والتأطير.
مشكل تقلص دور الأسرة : من البديهي القول بأن التربية الوالدية في البلدان الإسلامية وكغيرها من التربويات الأخرى تتأثر بالمحيط الاجتماعي الذي تمثل فيه الأسرة السياق الأكثر أهمية ودلالة، فدورها جد أساسي لأنها تشكل إلى جانب المدرسة المجال الخصب لانتشار الذهنية التربوية ومقوماتها الجوهرية. لكن عن أية أسرة نتحدث وأية ذهنية نقصد؟ بطبيعة الحال توجد في البلدان الإسلامية أسر متنوعة الخصائص والتركيبات، تتراوح بين الأسر الممتدة التقليدية والأسر النووية الحديثة. إلا أن هذه الأسر هل تشكل بالفعل تجمعات بشرية يحكمها منطق تربوي محكم الإجراءات ودقيق الأساليب والخطوات ؟ الواقع أن الأسرة التي يفترض فيها أن تساعد على انتشار التربية الوالدية وعلى ممارسة أساليبها الفعالة هي بالأساس >مؤسسة اجتماعية وثقافية تتميز بمنطقها التربوي الخاص الذي يؤهلها لتقوم بوظيفتها التربوية على أحسن حال. فهي تجمع سكاني لا يكتفي باستهلاك الأفكار والمنتجات وبتنفيذ الأوامر والنواهي بل يساهم في الإعداد الجيد للإنسان الكفء الذي هو أساس كل إبداع وإنتاج. إنها خلية بشرية تسمو وتترفع عن أن تكون مجرد واجهة اقتصادية أو سلطة أبوية أو نفوذ ديني. لكن السؤال الذي يطرح هنا هو هل الأسرة الحالية في البلدان الإسلامية هي من هذا النوع الذي يعطي للأسرة صفة المؤسسة الاجتماعية ذات المسؤولية الثقافية المهمة ؟ بالاحتكام إلى واقع الأشياء ومنطق الموضوعية، يمكن القول إن الأسرة في كثير من البلدان الإسلامية لا تندرج ضمن هذا المعيار لأن واقع الحال يشهد على ذلك. فرغم كل الجهود المبذولة حتى الآن، فالمـلاحظ أن الأسـاليب التـربوية المـمارسة داخـل أوسـاط هذه الأسر لا تزال تفتقر إلى أبسط الإجراءات واللوازم، بحيث أن هذه الممارسات لا تتجاوز في كثير من الأوساط حدود التخويف والترهيب أحيانا والتسلية والترفيه أحيانا ثانية والتباهي وحب الظهور أحياناً ثالثة< (أحرشاو 1998م، ص 18). هذا بالإضافة إلى أن هذه الأسر عرفت تغيرات ملموسة في وظائفها وأدوارها نتيجة التحولات التي طالت أنساقها البنيوية وأنظمتها التركيبية وذلك بفعل التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات الإسلامية. وهي التغيرات والتطورات التي بفعلها انتقلت وظيفة هذه الأسر من وظيفة شمولية متعددة الأدوار إلى وظيفة جزئية محدودة الأدوار. وبذلك تخلت للمدرسة عن جانب هام من وظيفتها والمتمثل، كما سنوضح ذلك لاحقاً، في دورها التربوي المعرفي. إذن فالأسَرُ في البلدان الإسلامية، ما في ذلك من شك، ستتزايد امتداداً واتساعاً (أسر ممتدة) وضيقاً وتقلصاً (أسر نووية) دون أن تنتشر في كثير منها ممارسات تربوية واضحة الأسس والأهداف ودقيقة الوظائف والأدوار مادام أنها لم تدرك بعد أن وظيفتها التربوية هي وظيفة استراتيجية وحاسمة إما نتيجة جهلها التام بذلك وإما بفعل فقرها المادي والثقافي. وإن عدم إدراكها هذا لوظيفتها التربوية الأساسية يمثل ثالث أكبر تحد يواجه البلدان الإسلامية لأنه كيف يعقل أن تُنسب مهمة تربية أجيال وأجيال إلى مؤسسة اجتماعية في مستوى الأسرة وهي تفتقر أو تجهل تماماً مستلزمات وشروط القيام بهذه المهمة على الوجه الأكمل. إنها مفارقة عجيبة لكونها تبقى قائمة وتستحق كامل الاهتمام والعناية.
النواقص والقصورات البارزة : إذا كان القصد من الحديث في النقطة السابقة عن المشاكل والتحديات الكبرى التي تواجه الممارسات التربوية الوالدية في البلدان الإسلامية هو إثارة الانتباه إلى جملة من العوامل المعوقة، وخاصة الفقر والجهل وتقلص دور الأسرة، التي لا ترتبط بالضرورة بمسؤولية الفرد واختياراته، لأنها تعود إلى بنيات المجتمع وتوجهاته، فإن اهتمامنا في هذه النقطة سيتمركز أساساً على جملة من النواقص والقصورات التي تشكل بدورها عوامل تعوق فعالية هذه الممارسات، ويتحمل فيها الوالدان النصيب الأوفر : الافتقار إلى بيداغوجيا تربوية : ككل ممارسة تربوية، فإن التربية الوالدية الحقيقية هي التي تؤطرها بيداغوجيا تربوية فعلية. فبدون هذا التأطير البيداغوجي لا يمكن لأية تربية والدية أن تحقق أهدافها ومراميها على مستوى الممارسة بل ستبقى، كما هو حال جل الممارسات التربوية الوالدية في البلدان الإسلامية، مجرد مواقف مزاجية متذبذبة وسلوكات عشوائية متأرجحة ومعاملات متطرفة ومتناقضة، يكفي أن نمثل لها بالمؤشرات التالية : أ) التأرجح بين التسلط والتساهل : إن تقبل الوالدين للطفل يشكل المعيار الأساس لنجاح أسلوبهما في تربيته. فهو وحده الذي يخلق هذا الجو من الأمن الضروري لنمو شخصيته واكتمال اندماجه الاجتماعي. إلا أن هذا البعد التربوي الأساسي عادة ما يفرغ عندنا نحن المسلمين من محتواه الحقيقي حينما ننظر إليه في إطار محددات التسلط أو التساهل ضمن سيرورة علاقة الوالدين بأطفالهما. فمن جهة يلاحظ أن الطفل الموجود عندنا في جو يتميز بالتسلط نادرا ما يعيش في اطمئنان أو يتعلم ما ينتظره منه الوالدان لأن السلطة كممارسة تربوية ما تزال تختزل في الأمر والإجبار عوض التوجيه والإرشاد وفي الضغط والتشدد والتحكم عوض التفهم والتسامح والحرية أحياناً. وبهذا فإن هذا النوع من الممارسة يتناقض مع روح كل تربية والدية تنبني على مقادير معقولة من السلطة الصحيحة والحرية الحقيقية. ومن جهة أخرى، فإن الطفل الذي يعيش في جو متساهل، يهيمن عليه عنصر الحرية المفرطة، نادرا ما يجد المناخ الملائم لتفتح شخصيته وتطور كفاءاته لأن التساهل كممارسة تربوية ماتزال تعني عندنا الإهمال واللامبالاة عوض التوجيه المعقلن والتأطير المراقب. وعلى أساس أن إمكانيات الطفل الحقيقية لا تؤخذ في هذا التساهل بأي اعتبار، فإن الوالدين لا يكتشفان نتائجه السلبية على مستقبل الطفل والأسرة والمجتمع إلا بعد فوات الأوان. إذن في إطار هذا التحديد لموقف الوالدين من تقبل الطفل لابد من الإشارة إلى أن ثنائية السلطة والتساهل التي تفرض نفسها على مستوى التوازن غير القار بين المبادئ المتعارضة للسيطرة والخضوع تشكل على ما يبدو أحد أبرز المشاكل في التربية الوالدية عندنا. فإذا >كان حنان الأم، عطفها وحبها يشكل أحد العناصر الأساسية لتفتح شخصية الطفل وعاطفيته وعلاقته الاجتماعية واكتساباته المعرفية، فإن سلطة الأب تشكل القاعدة التي تكمل حنان الأم وتحقق بالتالي تربية متوازنة للطفل، حيث تعقله بفردانيته وتشعره بوجود الآخر وبضرورة الانفتاح على المجتمع< (Wery، 1974م، ص 51). ولابد من التنبيه هنا إلى أن دور الأب يبدو أكثر خطورة لأنه مطالب بأشياء كثيرة وفي مقدمتها تفادي عقبة ازدواجية المغالاة في الممارسات التربوية الموجهة إما بنزعة السيطرة المفرطة وإما بنزعة التساهل السلبي ليتشبث بالفعل التربوي المتوازن الذي هو أساس كل شخصية مرنة، قوية وقادرة على التكيف وتحمل المسؤولية. فهو مدعو، كما سنرى في نقطة لاحقة، إلى الوعي بكيف يمارس فعله التربوي القادر على تحضير اندماج أبنائه في عالم مستديم التطور والتحول. إنه دور حاسم وعظيم بدون شك لكنه كم هو صعب وشاق.
ب) التأرجح بين النبذ والحماية المفرطة : سبقت الإشارة إلى أن تقبل الوالدين للطفل يشكل الشرط الأساسي لتفتح شخصيته وتحقق تكيفه، لكن توجد مع ذلك حالات كثيرة لا يقوم فيها الوالدان بدورهما الواقي والمساعد للطفل، بحيث يهملانه ولا يعيران لإمكانياته الفعلية ووسائله الحقيقية أي اعتبار. وهذه الممارسة التربوية ذات الطابع السلبي غالباً ما تتمظهر عندنا في المجتمعات الإسلامية عبر موقفين رئيسيين : فمن جهة هناك موقف الرفض أو النبذ الذي يبدو في شكله التسلطي أو المستبد كرغبة في إخضاع الطفل وإذلاله وتعجيزه وإقصائه بهدف التخلص من شغبه ومشاكله. أما في شكله المتساهل أو المتسامح فقد يمتد من التساهل البسيط إلى الإهمال الكلي ومروراً باللامبالاة. ومن جهة أخرى هناك موقف الحماية المفرطة الذي يمثل الممارسة التربوية المحكومة خاصة بعناية الوالدين الزائدة بصحة الطفل ووقايته وتعليمه ووضعه بالتالي في عالم مزيف ومنمق اصطناعياً. والحقيقة أن نفس الثنائية المشار إليها بخصوص موقف الرفض توجد هنا أيضا بمكوناتها المتمثلة أساساً في السيطرة أو الخضوع. فإذا كان هذا الموقف في صيغته التسلطية المفرطة في الحماية يهدف قبل كل شيء إلى ملاءمة الطفل لنموذج محدد إما بشكل استبدادي أو قسري، فإنه في صيغته المتساهلة المفرطة في الإهمال يكون دائماً تقويمياً أكثر من اللازم وينفتح على نوع من الاستعراض والدلال الحاد والقلق. مهما يكن فإن لموقف الوالدين السلبي تجاه الطفل انعكاسات جد وخيمة على تربيته ومستقبله، بحيث يصبح ضحية مظاهر: السلبية واللامبالاة والكذب والعدوانية، التي نعاينها ونعايشها يومياً في كثير من الأوساط والأسر في الدول الإسلامية. وهي كلها مظاهر ناتجة عن افتقار الطفل إلى الثقة بالنفس وإلى التقويم الذاتي، الأمر الذي يصبح معه في نظر الكثيرين فاشلاً دراسياً ومتشرداً اجتماعياً ومجرماً سلوكياً.
ج) التذبذب بين مواقف متناقضة : من المظاهر المميزة للتربية الوالدية الممارسة في كثير من الأوساط الاجتماعية في العالم الإسلامي والتي تؤكد على افتقار هذه الممارسات إلى بيداغوجيا تربوية، يوجد موقف التذبذب الذي يسلكه بعض الآباء كأسلوب تربوي متقلب ومتردد لا يستقر على سلوك ثابت أو قواعد قارة في رعاية الطفل. فهؤلاء لا يعاملون هذا الأخير معاملة واحدة في الموقف الواحد، بل هناك تذبذب قد يصل إلى درجة التناقض في مواقفهم، بحيث نجدهم يتذبذبون بلا انقطاع بين التسلط والضعف، بين التقبل والرفض، وبين الإهمال الكامل والحماية المفرطة. وهذا الغموض في المواقف، المحكوم بمزاجية الوالدين الشخصية عادة ما يلقي بالطفل في جو من الرعب والخوف الفاقد بشكل مطلق لأية قيمة تربوية.
الافتقار إلى مرجعية سيكولوجية : بالاحتكام إلى مظاهر ومواصفات الممارسات التربوية الوالدية في الدول الإسلامية، وخاصة تلك التي وصفناها بالسلبية، يمكن التأكيد على أن هذه الممارسات تفتقر في جانب كبير منها إلى مرجعية سيكولوجية وأساسا إلى سيكولوجية الطفل التي تشكل إحدى الركائز القوية لكل تربية والدية. فعلى أساس أن النظرية التي يحملها كل أب أو كل أم عن سيكولوجية أبنائه، هي التي تكون المرجعية الأساسية المحددة لأساليب معاملاته وممارساته التربوية تجاه هؤلاء، فإن طبيعة هذه الأساليب والممارسات قد تتوزع بين الصحيح والخاطئ، بين الفعال وغير الفعال وبين السلبي والإيجابي تبعاً لنوعية هذه النظرية. فكلما كانت علمية أو شبه علمية، بحيث تكون مبنية على معطيات ومعارف سيكولوجية وتربوية دقيقة، كلما أدت بصاحبها إلى أن يسلك في ممارساته تجاه أطفاله أساليب كلها مضمونة النتائج ومحمودة العواقب نظرا لمرونتها والتزامها وعقلانيتها ودفئها وتأطيرها الجيد. وكلما كانت خرافية أو ساذجة، كما هو الحال مع الأسف لدى الكثير من الآباء والأمهات في المجتمعات الإسلامية، حيث تنبني على أفكار ووقائع إما وهمية غير صحيحة وإما ناقصة غير دقيقة، كلما دفعت بصاحبها نحو أساليب تربوية عديمة الجدوى ومحدودة الفائدة بفعل تذبذبها وعشوائيتها وتناقضها.
الافتقار إلى استراتيجية تربوية : يمثل الافتقار إلى استراتيجية تربوية مضبوطة الأهداف ومحكمة الإجراءات أحد النواقص الأساس للتربية الوالدية الممارسة في الدول الإسلامية. فهذه واقعة لا يمكن نكرانها أو تجاهلها لأن واقع هذه التربية يشهد على ذلك في كثير من الجوانب أهمها : أ) ضعف الإشراف والتوجيه : يمثل كل من غياب عطف الأم وسلطة الأب كارثة حقيقية بالنسبة لتربية الطفل وتحقيق تكامله النفسي والاجتماعي. فإذا كان نقص العطف الأمومي يعود عندنا إلى عوامل كثيرة وفي مقدمتها غياب بعض الأمهات عن البيت نتيجة انشغالاتهن المهنية ثم لامبالاة أمهات أخريات بأطفالهن نتيجة أنانيتهن أو عدم نضجهن أو حتى نتيجة ظروفهن المعيشية والنفسية المزرية، فإن نقص السلطة الأبوية يعود على العموم إلى الغياب الفعلي للأب إما نتيجة عمله المستديم أو سلوكه المنحرف وإما بفعل انهماكه داخل البيت لتلبية رغباته وهواياته المفضلة إلى الحد الذي لا يختلف فيه حضوره عن غيابه وإما نتيجة موت أحد الوالدين أو مرضه...الخ. وفي هذا النطاق تكمن أهمية الإشارة إلى أن درجة معرفة الطفل لوالديه وتعلقه بهما لا تتوقف كما يتوهم الكثيرون على عدد الساعات التي يقضيانها معه، بل تتوقف أساسا على نوع هذه الأبوة بكل ما توظفه من أساليب معاملة وطرق تربوية. فالأبوة أو الأمومة الحكيمة، كما سنوضح لاحقا، لا تقاس بعدد الساعات داخل البيت بل ترتكز من جهة على ما يمنح للطفل من حب ومودة وعناية، ومن جهة أخرى على ما يقدم له من أشكال التحفيز والحث البيداغوجي المتمثل خاصة في مراقبة تصرفاته وتحريض أنشطته وتخليق سلوكاته وتطوير علاقاته وذلك من خلال إمداده بالقيم الأخلاقية وعادات التفاعل والتواصل وإكسابه المعارف والتمثلات الخاصة بالهوية. وهذا يعني أنه من الخطأ النظر إلى غياب الأب أو الأم عن البيت على أنها وضعية ستحرم الأسرة فقط من مصدر مادي هام يفي بجميع المطالب والحاجات، بل الحقيقة الأقوى من ذلك هي أن هذا الغياب أو الحرمان يفقد الأسرة والطفل على حد سواء من عناصر الاتصال النفسي والإشراف التربوي والتوجيه البيداغوجي التي تشكل المقومات الأساسية للتربية الوالدية المأمولة في الدول الإسلامية. بمعنى التربية التي تحقق نمو الطفل واندماجه الاجتماعي عبر مجموعة من الاستراتيجيات المتمثلة أساسا في التضبيط الذاتي والتلاؤم والتعاون.
ب) محدودية كفاءة الوالدين : بالنظر إلى تصورات الوالدين التربوية وتمثلاتهم لأدوارهم وكفاءاتهم الوالدية في البلدان الإسلامية، يمكن الخروج بخلاصة أساسية قوامها أن هذه التصورات والتمثلات لا تبعث في أغلبها وبالنسبة لكثير من الشرائح الاجتماعية على الاطمئنان والارتياح، وذلك لكون أن مفهوم الكفاءة الوالدية الذي تحدده أغلب الدراسات الغربية (Terrisse et Dansereau 1990م، Allès-Jardel 1997م، Masse 1991م، Gibaud-Watson 1977م) كمفهوم متعدد الأبعاد، عادة ما يختزل عند كثير من الآباء في البلدان الإسلامية في الخصائص الشخصية وبصفة أساسية في البعد العاطفي. وعلى هذا الأساس نادرا ما يكون لدى أمثال هؤلاء الآباء تقدير أو وعي حقيقي لذواتهم كمربيين وبالتالي تقويم فعلي لمفهوم الكفاءة الوالدية وكل ما يتطلبه من دور تربوي فعال من حيث المردودية والرضا. وهو المفهوم الذي يمكن تجسيد مدلوله من خلال ثلاث فئات من الخاصيات اللازمة لكل ممارسة فعلية للكفاءة الوالدية : ــ فئة المواصفات الإنسانية الملائمة مثل: الجاهزية، الحضور، الانتباه، الدفء العاطفي، المسؤولية، الصبر، القدرة على التكيف، والتي يجب على الوالدين أن يتسلحا بها. ــ فئة خاصيات حسن الاستجابة لمختلف رغبات الطفل والقدرة على الإنصات له ومده بالعطف والحنان التي على الوالدين أن يتمتعا بها. ــ فئة مهارة الوالدين في موضعة الطفل في ظروف تتلاءم مع نموه مثل : الاستقرار، النظام، التكوين، التربية، الحرية، التأطير والقدرة على تفعيل نمو الطفل بالنسبة لخاصيات إنسانية كثيرة كالاستقلالية والشطارة والتوازن والتسلح بالقيم والمسؤولية وحب الحياة.
ج) ترجيح كفة التربية الوجدانية على التربية المعرفية : مثلما أن هناك إجماعاً شبه كامل حول أهمية التربية الوالدية ودروها في تشكيل شخصية الطفل وتحقيق توازنه النفسي وتكوين ضميره الأخلاقي عبر أساليبها التربوية المتنوعة، فهناك إجماع آخر لا يقل عنه شأنا بخصوص أهمية تجارب الطفل المبكرة وفعالية تعلماته الطبيعية التلقائية في تشكيل الأسس الفعلية لنمو قدراته الذهنية وكفاءاته المعرفية. إلا أن الفرق بين هذين الإجماعين هو أن الأول يتقاسمه الجميع لأنه أمر مألوف يستوي فيه أهل الفكر العامي والعلمي على حد سواء، في حين أن الثاني لا يدركه ولا يقول به إلا أهل المعرفة العلمية في أبعادها النفسية والتربوية والاجتماعية. فالموقف الكامن وراء الإجماع الأول يرى أن التربية الوالدية في الدول الإسلامية عرفت تغيرات ملموسة بحيث انتقلت وظيفتها من وظيفة شاملة متعددة الأدوار إلى وظيفة جزئية محدودة الأدوار. وبهذا تخلت للمدرسة عن جزء هام من وظيفتها والمتمثل في دورها التربوي المعرفي. وقد أسهمت أغلب النقاشات العربية الإسلامية القائمة على الأطروحات التبسيطية التي سادت منتصف هذا القرن حول الطفل والتربية في تزكية هذا الرأي القائل باختزال وظيفة الوالدين في التربية الوجدانية والأخلاقية والسلوكية ؛ بحيث أصبح الطفل في إطار هذا المنظور عبارة عن كائن ضعيف، قاصر، ناقص الذكاء ولا يحتاج سوى تلبية حاجياته المادية وإشباع رغباته الوجدانية وبالتالي إهمال وتغييب كل ما يرتبط بالجوانب المعرفية إلى حين بلوغه سن التمدرس. وهذا ما أدى بدور الوالدين في تربية الطفل عامة وتنمية كفاءاته المعرفية خاصة إلى أن يصبح دوراً ثانوياً، محدوداً في الزمان والمكان. فتدخلاتهما التي لا تتم إلا داخل البيت لا تتجاوز حدود السنوات الثلاث أو الأربع الأولى من حياة الطفل لتترك المجال بعد ذلك وبصفة نهائية للمدرسة. لكن السؤال المطروح هو هل يصح فعلاً أن تختزل وظيفة الوالدين التربوية في هذا الدور النفسي الاجتماعي الذي يضفي عليها طابع الوظيفة المتخصصة فقط في العواطف والأخلاقيات ؟ فإلى أي حد يصح الأخذ في التربية الوالدية الممارسة في المجتمعات الإسلامية بهذا التوجه الأخلاقي القيمي وإهمال الجانب المعرفي، مع العلم أن الوقت الحاضر يتطلب أفراداً ذوي كفاءات ومعارف ومهارات عالية ؟ وأكثر من هذا إلى أي مدى يمكن القول إن التربية الوالدية ليست فقط أخلاق وسلوك بل هي أيضا معارف وقدرات منتجة ؟
بالاحتكام إلى واقع التربية الوالدية كما تعكسه حالياً نتائج أغلب الدراسات السيكولوجية ودورها في نمو الطفل وتكيفه عبر أساليب معاملاتها يتضح أن الموقف السابق ورغم أهميته، يبقى موقفاً ناقصاً لكون أن غاية كل تربية والدية حتى وإن كانت في جانب منها تتجسد في ما هو نفسي ــ اجتماعي فهي في جانبها الآخر تتجلى فيما هو تعلمي ــ معرفي. وهنا تكمن أهمية الموقف الثاني الذي حتى وإن كان الإجماع حاصل حوله منذ بداية هذا القرن، وخاصة على مستوى النظر إلى الإنسان كظاهرة للنمو والتطور وكنظام للتعلم والاكتساب، فإن مبرراته العلمية وأبعاده التطبيقية لم تكتسح بعد حدود أنساق التربية الوالدية كما تمارس في الدول الإسلامية ولم تخترق إلا فيما نذر أساليب معاملاتها. وهذا أمر طبيعي لأن هذه المبررات والأبعاد لم تستكمل شروط نضجها وجاهزيتها إلا في حدود الثمانينات من هذا القرن خاصة عندما اتضح بالملموس أن سيرورة اكتساب المعارف ونمو الكفاءات وتعلم المهارات لا يجب ولا ينبغي أن يتوقف أمرها ومآلها على المؤسسة المدرسية فقط. فحتى وإن كانت هذه الأخيرة تشكل المؤسسة الوحيدة التي تنافس الوالدين في شمولية دورهما فإن الوالدين بدورهما أصبحا مطالبين بالمساهمة في سيرورة الاكتساب هاته لاعتبارات علمية أهمها : ــ النظر إلى الطفل ككائن معرفي مثلما هو كائن بيولوجي أو وجداني. فهو يتوفر منذ سن مبكر على كفاءات معرفية في اللغة والإدراك والتفكير والحساب. ــ أهمية وقوة المعارف الساذجة (غير المدرسية) التي يكتسبها الطفل بصورة طبيعية تلقائية ودورها في التكيف وحل المشاكل. ــ إبراز أهمية التفاعلات الاجتماعية في النمو والتعلم من خلال أدوار الإرشاد والوساطة التي يمكن للآخر أن يلعبها، وبالخصوص الوالدين، في سيرورة اكتساب المعارف. ــ التأكيد على أهمية الفعل التربوي المشترك بين الوالدين والمدرسة في تكيف الطفل واكتسابه للمعارف وتحديد مساره الدراسي. انطلاقاً من هذه الاعتبارات نشير إلى أن التربية الوالدية المفروض الدعوة إليها وتشجيعها في البلدان الإسلامية هي تلك التي يجب أن تزاوج بين دورين متكاملين: أحدهما نفسي ــ اجتماعي والآخر تعلمي-معرفي. بمعنى تلك التربية المطالبة بممارسة دورها المركزي الذي طالما تخلت عن جانب منه للمدرسة إما بحجة أن اكتساب المعارف وتطوير الكفاءات هي من اختصاص المدرسة وإما بدعوى تقلص دورها نتيجة التحولات الاجتماعية والثقافية التي طالت الأوساط الاجتماعية لأعضائها الفاعلين.
مقترحات وحلول ــ للوالدين دور هام في تربية الطفل، بحيث أنه >بقدر صلاح هذا الدور تصلح شخصية الطفل ونموه وبقدر اضطراب هذا الدور تضطرب شخصيته< (حسن 1970م، ص 141). ــ لكي يؤتي الدور التربوي للوالدين ثماره ويحقق غاياته المرجوة لابد أن يخطط له على أسس علمية سليمة وأن يهيأ له من الإمكانات البشرية والمادية والبرامج والوسائل ما يضمن له النجاح (تركي 1980م، عبد الفتاح 1990م، القرشي 1986م). ــ هذان نموذجان اثنان من نوعية الخلاصات والتوصيات والاقتراحات التي عادة ما تختم بها أغلب الدراسات والتقارير والورقات حديثها عن طبيعة التربية الوالدية في البلدان الإسلامية. إلا أنه وبعيداً عن مثل هذه النماذج التي تبقى في الغالب سجينة الرؤى والتصورات التي تؤطرها بحيث نادراً ما يكتب لها أن تتداول أو أن تمارس على أرض الواقع بفعل غرقها في خضم من المبادئ والحدوس العامة والمواعظ والإرشادات الخيالية، نرى ضرورة إنهاء هذه الدراسة بمجموعة من المقترحات والحلول التي نجملها في العناصر التالية :
تكافؤ بين الإمكانات والفرص : كل الآباء يتطلعون إلى نجاح أبنائهم في جميع مجالات الحياة الأسروية والمدرسية وغيرها. هذه قيمة سيكوثقافية حاولنا إبرازها في هذه الدراسة من خلال التأكيد على أهمية التثقيف والتعليم عبر الممارسات التربوية للوالدين. فالتثقيف والتربية عنصران متشابكان، بحيث تشكل التربية نوعا من الهندسة المركبة من >الوسائل التي تعتمد في مساعدة الطفل على النضج والتفتق الشخصي واكتساب المعارف وأنماط السلوكات والقيم الخاصة بوسطه الاجتماعي< (Holyat et Delèpine، 1973م، ص 110). وإذا كان اهتمامنا قد انصب في جزء من هذه الدراسة على طبيعة العلاقة بين التربية الوالدية والتربية المدرسية، فإن الهدف من ذلك هو التأكيد على فعالية التدخل التربوي للوالدين حتى في نطاق المردودية المدرسية نفسها. وهو التدخل الذي ما يزال محتشماً لكي لا نقول منعدماً لدى أغلبية الوالدين في المجتمع الإسلامي. ولهذا نرى أن اعتماد برامج لتكوين هؤلاء في مجال مهامهم التربوية يشكل في الوقت الحالي واحدة من المسائل الأكثر استعجالاً التي يجب أن تتخذ بخصوصها تدابير وإجراءات استثنائية لأن المشكل هام وهام جداً لكونه يتعلق بمستقبل الحضارة العربية الإسلامية بأكملها.
مسؤوليات تربوية : هناك فرق واضح بين الشخص ــ الوالد ــ والشخص الذي يتصرف أو يسلك كوالد. فالأهلية الوالدية تعني أساساً جملة اللوازم والمتطلبات التربوية الضرورية لنمو الطفل وتربيته، وبذلك فإن مفهومهما لا يجب حصره، كما هو الحال عندنا، عند الدور المنوط بالوالدين الطبيعيين أو البيولوجيين. فالوالدية أو مسؤولية الوالدين في تربية الأبناء لا تشكل عملية ثانوية أو بسيطة بل إنها أخطر العمليات والمسؤوليات التي يمكن تصورها بالنسبة لأي مجتمع كان. ولهذا فإن أي تهاون في تقديرها أو العناية بها ستترتب عنه مشاكل كبيرة وعويصة. وهذه مسألة تحتم علينا التأكيد على فكرتين جوهريتين : أولاهما هي أن الأهلية الوالدية يجب أن ينظر إليها في الدول الإسلامية على أنها ليست مسؤولية فرد أو فردين بل هي مسؤولية المجتمع بأكمله. وثانيتهما تتعلق بإلحاحية واستعجالية تقويم وضعية هذه الأهلية الوالدية وحالتها عبر دراسات واستطلاعات يكون هدفها هو تجميع المعلومات والمعطيات اللازمة لتنفيذ كل استراتيجية مرتقبة في هذا المجال.
تكوينات تربوية : إن القول بأن تربية الطفل الحالية تختلف عن تلك التي كانت تعتمد منذ جيل أو جيلين صار قولاً عادياً ؛ بحيث أن الكل يعلم كم هي سريعة وتيرة تطور الأفكار واضطراب الممارسات. ولتوضيح هذا الأمر يكفينا أن نشير إلى أن المألوف عندنا في البلدان الإسلامية هو تحميل الأسرة مسؤولية جميع الأضرار والانعكاسات التربوية السلبية. فهي مصدر جميع أنواع المشاكل والأزمات وأشكال الانحرافات والاضطرابات. في حين أنه ما العيب في القول إن الأسرة ليست هي السبب بل إن الأمر يعود إلى أسباب متعددة وفي مقدمتها : ظروف الفقر والعوز المادي ومظاهر الجهل والفاقة الثقافية ومشاكل القصور السيكولوجي والبيداغوجي التي تتخبط فيها أغلب الأسر ومن خلالها أغلب الفئات الوالدية في المجتمعات الإسلامية. صحيح أن وقائع كثيرة تؤكد كما سبقت الإشارة إلى ذلك أن الممارسات التربوية الوالدية تلعب دورا مركزيا في نمو الطفل وتربيته، الأمر الذي يعني أن ظروف الوالدين المعيشية والمهنية تحدد بصورة معينة هذه الممارسات. وصحيح أيضا أن القيام بتدخلات تربوية تعويضية دون تغيير أي شيء في ظروف حياة العائلات الفقيرة في البلدان الإسلامية، وما أكثرها، سيكون عديم الجدوى والفائدة. ولهذا فإن التدخل الاستعجالي الواجب القيام به لصالح مثل هذه العائلات لا يتجلى في توعيتها بمرونة ممارساتها التربوية وإخضاع أبنائها لإجراءات تربوية تعويضية، بل المفروض قبل هذا وذاك تمكينها من الظروف المادية الملائمة لحياة كريمة تنتفي معها جميع التفاوتات الاجتماعية وكل مظاهر الفقر والجهل والبؤس والتشرد. وبعد هذا التدخل يمكن آنذاك توجيه الآباء وتوعيتهم على النحو الآتي :
حرفة الوالدية : الواقع أن "حرفة" الوالدية لا يتم تعلمها في أي مكان عندنا. فهي عبارة عن مسؤولية يتحملها كل أب وكل أم، بل الأدهى من كل هذا هو أن الدروس والبرامج التي تعالج حياة الأسرة ونمو الطفل وتربيته كثيراً ما تبعث في المجتمعات الإسلامية على التهكم والسخرية إما لعدم وجودها بالمرة وإما لضعف مستواها وهزالة مقابلاتها المادية إن وجدت. هذا مع العلم أن الأهلية الوالدية الجيدة تشكل المهمة الأساسية التي ستواجهها في تقديرنا هذه المجتمعات. فإذا كانت المدارس الثانوية الأمريكية تقدم دروسا حول سيكولوجية الطفل ويشارك فيها أطفال صغار ليتعلموا كيف سيصبحون آباء في المستقبل فإن البلدان الإسلامية خالية من هذه التجارب التي تدخل في إطار استراتيجية تربوية هادفة، قوامها توعية آباء المستقبل بأدوارهم التربوية ومسؤولياتهم البيداغوجية.
استراتيجية التوعية والتحسيس : لا نشك حالياً في أن نسبة الآباء الواعين بأهمية دورهم التربوي في العالم الإسلامي ماتزال ضئيلة وضئيلة جداً. وهذا ما يؤكد على أن تربية هؤلاء عن طريق التوعية والتحسيس أصبحت من الأمور الملحة بحيث صار من الضروري تفادي خطاب الوعظ والنصائح والتشبث بالخطاب المبني على كيفيات إنتاج استراتيجيات جديدة، قوامها التوفير الجيد للمحيط الذي سيحفز الطفل من الناحية المادية والثقافية والسلوكية على صناعة نموه الشخصي وعلى تحقيق تكيفه الاجتماعي. وأحسن ما يمكن القيام به في هذا النطاق هو توفير مختلف المواد والوسائل التثقيفية المتنوعة للوالدين قصد توعيتهم بأهمية وخطورة دورهم التربوي.
خـلاصـة بالوصول إلى نهاية هذه الدراسة التي نعي كل الوعي محدوديتها وعدم إلمامها بكل جوانب موضوع صعب ومتشعب في مستوى التربية الوالدية في الدول الإسلامية، فلدينا مع ذلك إحساس بأن حصيلتها تبقى إيجابية. فحتى وإن كنا لم نرد أن نزج بأنفسنا في متاهات استحضار كل الأفكار السطحية والآراء التبسيطية والتفاصيل التافهة المتعلقة أحياناً بهذه الإشكالية، فقد عملنا على عرض أهم مبادئها وأبرز أهدافها وأقوى محدداتها وأنجع أساليبها وأضخم مشاكلها ومعوقاتها وأوضحنا أن طبيعة هذه التربية تحكمها أولا وقبل كل شيء النظرية التي يحملها كل أب وكل أم عن سيكولوجية أطفاله. وهي النظرية التي نقترح أن تنصب عليها جهود الباحثين والفاعلين في ميدان التربية الوالدية في المجتمعات الإسلامية لأن في دراسة مضامين هذه النظرية وفي مقاربة عناصرها ومكوناتها ومظاهرها تكمن الحلول الفعلية لتجاوز مشاكل ومعوقات هذه التربية. هذه أمثلة على كتابات هؤلاء في المجال التربوي : ـ طوق الحمامة في الألفة والآلاف، ورسالة الأخلاق لابن حزم. ـ إحياء علوم الدين وميزان العمل لأبي حامد الغزالي. ـ الشفاء والإشارات والنجاة لابن سينا. ـ آداب المتعلمين لنصير الدين الطوسي. ـ كتاب تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم لابن جماعة. ـ آداب الإملاء والاستملاء للسمعاني. أسر ممتدة Extended family تعني أسرة كبيرة وأسر نووية Nuclear family أسر صغيرة، في مفاهيم علم الأنتروبولوجيا.
المراجع ــ اسماعيل محمد عماد الدين، (1974م)، كيف نربي أطفالنا، دار النهضة العربية. ــ اسماعيل محمد عماد الدين، (1986م)، الأطفال مرآة المجتمع، عالم المعرفية. ــ الطيب، أموراق، (1991-1990م)، أسلوب معاملة الطفل بين الأسرة والمدرسة وعلاقته بتوافقه الدراسي (أطروحة دبلوم الدراسات العليا، غير منشورة)، كلية الآداب، فاس. ــ الغالي، أحرشاو، بعض ملامح المنظومة التربوية العربية الحديثة، مجلة علوم التربية، العدد: 2، فبراير 1988م، ص 12-11. ــ العلوي، كنزة المراني، (1986م)، الأسرة المغربية، ثوابت ومتغيرات، الدار البيضاء، التجديد في النشر والتوزيع. ــ جسوس، محمد، التطورات العائلية والتنشئة الاجتماعية للطفل المغربي، مجلة الدراسات النفسية والتربوية، العدد الأول، 1982م. ــ حطب زهير، مكي عباس، (1988م)، السلطة الأبوية والشباب، معهد الإنماء العربي، بيروت. ــ حسن محمد علي، (1970م)، علاقة الوالدين بالطفل وأثرها في جنوح الأحداث، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية. ــ حليم بركات، (1984م)، المجتمع العربي المعاصر، بيروت. ــ طلعت منصور، حليم بشاي، (1983م)، "النضج الخلقي عند الأطفال وعلاقته بالأساليب الوالدية في التنشئة الاجتماعية" العلوم الاجتماعية، الكويت. ــ محمد عبد القادر عبد الغفار، (1977م)، "أثر الاتجاهات الوالدية على التحصيل المدرسي لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية" الكتاب السنوي الثاني للجمعية المصرية للدراسات النفسية، ص 350-344. ــ محيي الدين أحمد حسين، (1988م)، دراسات في الدافعية والدوافع، القاهرة، دار المعارف. ــ محمد عثمان نجاتي، (1974م)، المدنية الحديثة وتسامح الوالدين، القاهرة، دار النهضة العربية. ــ ممدوحة سلامة، (1987م)، "مخاوف الأطفال وإدراكهم للقبول والرفض الوالدي" مجلة علم النفس، العدد 2، القاهرة، ص 59-54. ــ مصطفى أحمد تركي، (1974م)، الرعاية الوالدية وعلاقتها بشخصية الأبناء، القاهرة، دار النهضة العربية. ــ مصطفى أحمد تركي، (1980م)، "العلاقة بين رعاية الوالدين للأبناء في الأسرة وبين بعض سمات شخصية الأبناء"، الكويت، مؤسسة القباج. ــ مصطفى فهمي، (1963م)، الصحة النفسية في الأسرة والمدرسة والمجتمع، القاهرة، دار الثقافة. ــ مريم سليم، (1981-1980م)، منهج الفكر التربوي العربي من خلال الكواكبي، الحصري، القباني، الفكر العربي المعاصر، العددان : 9/8، بيروت. ــ مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، "التطور التربوي في الدول العربية، تحليل إحصائي"، عمان، يونيو 1988م. ــ عبد الحليم محمود السيد، (1980م)، الأسرة وإبداع الأبناء، القاهرة، دار المعارف. ــ عبد الفتاح القرشي، (1986م)، اتجاهات الآباء والأمهات الكويتيين في تنشئة الأبناء وعلاقتها ببعض المتغيرات، حوليات كلية الآداب، الحولية 7، الكويت. ــ عنايات زكي محمد، (بدون تاريخ)، دور الأسرة الحديثة في التنشئة الاجتماعية، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. ــ علاء الدين كفافي، (1979م)، أثر التنشئة الوالدية في نشأة بعض الأمراض النفسية والعقلية، القاهرة، جامعة الأزهر، كلية التربية، (رسالة دكتوراه غير منشورة). ــ علاء الدين كفافي، (1989م)، "تقدير الذات في علاقته بالتنشئة الوالدية والأمن النفسي"، مجلة العلوم الإنسانية، العدد 35، المجلد 7، ص 128-101. ــ سيد عويس، (1977م)، مفهوم الطفل في المجتمع العربي، آفاق عربية، العدد 12، ص 128-124. ــ صائب أحمد ابراهيم، (1978م)، "الاتجاهات الوالدية وعلاقتها بالقدرات الابتكارية"، (رسالة ماجستير غير منشورة)، كلية التربية، جامعة بغداد. ــ ربيع مبارك، (1991م)، مخاوف الأطفال، الرباط، الهلال العربية للطباعة والنشر. ــ شرف عبد المجيد، (1985م)، القيم الأسرية وأثرها على بعض الاتجاهات الوالدية نحو الطفل، (رسالة جامعية غير منشورة)، كلية الآداب، فاس، 1985م. ــ يوسف عبد الفتاح، (1990م)، "الرعاية الوالدية كما يدركها الأبناء ومفهوم الذات لديهم"، مجلة علم النفس، القاهرة، العدد 13، ص 164-146. - Allès-Jardel, M. (1996), Déterminants familiaux des compétences communicatives et sociales du jeune enfant à l'école, Apprentissage et socialisation, Numéro spécial sur la famille, Press Inter Univ., Vol 17, N!1 et 2, 9-20. - Allès-Jardel, M. (1997), Environnement familial, pratiques éducatives parentales, Pratiques psy., 2, 55-72. - Allès-Jardel, M. (1997), Attitudes éducatives parentales et developpement socio-personnel du jeune enfant, Toulouse: E.U.S. Andrey, R.C. (1954), Family parental and maternal relatioship affection and delinqency, Brit. J. delinquency, 18. - Bandura, A. (1973), Associal learning and personality development, New York, Holt, Rinehart and Winston. -Bronfenbrenner, (1979), The ecology of human development by nature and design, Cambridge, Harvard Univ. Press. - Cuisinier, F. (1994), Comportements éducatifs maternels, styles cognitif et internalité de l'enfant, in During, P. et Pourtois, J.P. (1994), op.cit. - Danserau, S. et al., (1990), Education familial et intervention précoce, Montréal: Ed. Agence d'Arc. - During, P. (1995), Education familiale: acteur, processus, enjeux, Ed. deBoeck. - During, P. et Pourtois, J.P. (1994), Education familiale, Bruxelles, Ed. de Boeck. - During, P. et McCord, (1995), Attentes de rôle et représentation de la vie familiale des enfants et de leurs parents, Bruxelles, Ed. De Boeck. - Grams, A. (1976), Le "Parentage", L'école des parents, N!3, Mars, 47-53. - Hotyat, F., Delépine-Masse, D. (1973), Dictionnaire encyclopédique de pédagogie moderne, Bruxelles, Labor, Mathan. - Labelle, F. (1995), Interaction Père-Bébé et incidence sur le développement cognitif précoce, in Robin, M. et al, op.cit. - Lautrey, J. (1989), Classe sociales, milieu familial, intelligence, Paris, P.U.F. - Massé, R. (1991), La conception populaire de la compétence parentale, Apprentissage et socialisation, Vol 14, N!4, Montréal: CQEJ, 279-290. - Mussen, P. (1963), "The influence of father-son relatioship and attitudes", Journ. of child psy., 4, 3-16. - Osterrieth, P. (1967), L'enfant et la famille, Paris, Ed. du Scarabée. - Pourtois, J.P. (1989), L'éducation familiale, Note de synthèse, Revue française de pédagogie, Paris, 86, 69-101. - Palacio-Quintin, E.(1990), Milieu socio-économique, environnement familial et développement cognitif de l'enfant, in S.Dansereau, et al, op.cit. - Radi, A. (1977), Lصadaptation de la famille au changement social dans le Maroc urbain, B.E.S.M. N! 135. - Robin, M. et al, (1995), La construction de liens familiaux pendant la première enfance, Paris, Psy. d'aujourd'hui. - Poussin, G. (1993), Psychologie de la fonction parentale, Paris, Ed. Privat, Coll. familles, Cliniques. - Strayer, F.F. et (1995), Les pratiques éducatives des parents, Toulouse, Revue du centre de recherches sur la formation, I.U.F.M., 31-39. - Vandenplas-Holper, C. (1987), Education et développement social de l'enfant, Paris, P.U.F. - Vouillot, F. (1986), Structuration des pratiques éducatives parentales selon le sexe de l'enfant, Enfance, 4, 351-366. - Wery, A. (1974), L'éducation familiale, in Debesse, M. et Mialaret, G., Traité des sciences pédagogiques, Paris, P.U.F., T.5. |
أطبع
الدراسة |
أرسل الدراسة لصديق
|
|