|
دور القيم في مواجهة العنف المنزلي |
القراء :
4584 |
دور القيم في مواجهة العنف المنزلي المهندسة كاميليا حلمي
لقد كانت قضية الأسرة في بلاد الشرق من أهم القضايا التي شغلت كثيراً من رجال الفكر والدين الذين قاموا ببحث مشكلاتها وتشخيص عيوبها واقتراح طرق الإصلاح لها. ويهدف هذا البحث إلى توضيح الصورة الصحيحة للعلاقة بين الزوجين في نطاق الأسرة، والتي تقوم على المودة والرحمة، والحب المتبادل. والتأكيد على القوامة في إطارها الشوري الصحيح هي المفهوم السوي الأصيل للأسرة بما فيها من التزام بالحقوق والواجبات والموازنة بينهما. كما يهدف إلى توضيح الأسلوب الأمثل في التعامل مع بعض التجاوزات التي يرتكبها بعض الأزواج او الزوجات تجاه الآخر، وذلك انطلاقا من تعاليم الإسلام الحنيف. وهناك سؤال ملح يفرض نفسه علينا .. هل الهدف من مناقشة موضوع العنف الأسري هو إصلاح الأسرة وحمايتها من التصدع.. آخذين بعين الاعتبار مصلحة الأبناء، وهم أول من يتأثر بالشرخ الأسري. أم أن الهدف هو تمكين المرأة ووضعها في بؤرة الاهتمام بغض النظر عن النتائج؟؟ 7;؟ بلى، إن الأسرة هي ما يهمنا بالدرجة الأولى، والاهتمام بالأسرة لا يعني إهمال المرأة أو تهميشها، وإنما يعني توزيع الاهتمام بالعدل على جميع أفرادها، والتعامل مع المشكلات الأسرية بحكمة وتروي حتى وذلك بهدف الحفاظ على الأسرة من التهدم أو الانشقاق، وإبقائها حصنا حصينا، وحضنا دافئا يغمر بالحب والحنان كل فرد من أفرادها.
** الزواج في الإسلام: ومن هــدي السنة- يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". والأمر الذي لاشك فيه أنه لولا الزواج لانتشرت الرذائل والمفاسد وتحللت الأخلاق لذلك قال صلى الله عليه وسلم إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد عريض.
** القوامة في الإسلام: النظام الإسلامي يقول: ((إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم)). ثلاثة في ركب، في سفر، لابدَّ لكي يبتعدوا عن الفوضى في سيرهم أن يأمروا عليهم أميراً، والأسرة خليةٌ من أخطر خلايا المجتمع، لابدَّ أن يكون فيها أمير، وإلا سادت الفوضى وغاب النظام، وليس معنى تنصيب الأمير أنه خير أفراد هذه الأسرة، أو خير هذا الركب المسافر، وإنما هو عمل تنظيمي مجرد، لابدَّ منه لكي تبتعد الأسرة عن عوامل الفساد المتسربة إليها وتشيع بين أفرادها الأخلاق الإنسانية السامية، فلابدَّ من أن تستظل بظل النظام الذي يبعدها عن الفوضى. ومن هنا كانت القوامة في الأسرة، والقوامة كما هو معروف في شريعتنا الإسلامية الغراء عبارة عن إدارة لمنزل، وليس عبارة عن مظهر لفوقيةٍ يتمتع بها صاحب هذه القوامة. ** القوامة ليست "أبوية" [1] " ولقد أدى غياب إدراك الرؤية الإسلامية للقوامة إلى تحليل بعض الكتابات للأسرة في المجتمعات الإسلامية في ضوء مفهوم السلطة الأبوية ، والذي يختلف في ميزان الرؤية الإسلامية كليا عن مفهوم القوامة". " فالأبوية تعني في أصلها اللغوي "حكم الأب"، وتعود في جذورها كمفهوم إلى الحضارة الرومانية، حيث كان رب الأسرة يملك السلطة المطلقة على كل من تحت ولايته من البنين والبنات والزوجات وزوجات الأبناء، وكانت هذه السلطة حكرًا على الرجال فقط، وكانت تشمل البيع والنفي والتعذيب، وكان رب الأسرة هو مالك أموال الأسرة وهو المتصرف فيها، وهو الذي يتولى تزويج الأبناء والبنات دون إذنهم أو مشورتهم ". " وقد استخدم مفهوم "الأبوية" في الكتابات الحديثة لنقد سيطرة الأب داخل الأسرة، وكان الإنكليزي "روبرت فيلمر" في القرن السابع عشر أول من استخدم نموذج الأسرة الأبوية في تحليله لنظم الحكم، حيث رأى أن الحكومات المستبدة هي التي يعامل فيها الحاكم رعاياه كما يعامل الرجل زوجته وأولاده، وهو الطرح الذي انتقده "لوك" كاقتراب لتحليل الظاهرة السياسية، وإن لم يعارض سلطة الأب داخل الأسرة. ثم شاع بعد ذلك استخدام المفهوم خاصة في الكتابات الماركسية عند ماركس وإنجلز، كما أنه يُعَدُّ مفهوماً محوريًّا في نقد النسوية لسلطة الرجل وبنية الأسرة والمجتمع ". " ويلاحظ أن بعض الكتابات العلمانية لم تفطن إلى بعد "الشورى" في الأسرة الإسلامية، فجعلت المقابلة بين الأسرة الممتدة الأبوية الاستبدادية والأسرة الصغيرة الديمقراطية، رغم أن الرؤية الإسلامية للأسرة تكفل من خلال الشورى وامتداد الأسرة ضمانة أكبر في عدم تجاوز أي من الزوجين حدوده". " ويرتبط اختلاف الرؤية الإسلامية للأسرة إذا عن الرؤية الغربية باختلاف الموقف من الدين، والعلاقة بين الرجل والمرأة التي تحكمها الرؤية الإسلامية". " والمجتمع الإسلامي الذي ينشد تحكيم الشريعة، واستعادة قيمه السياسية ونظام حكمه الشورى، عليه أن يدرك أن هذا يستلزم بالضرورة تأسيس قواعد للممارسة الداخلية في بنيته بمستوياتها المختلفة -ومنها الأسرة - تستعصي على الفساد والانحراف والاستغلال، إذ إن فساد التكوينات الاجتماعية التأسيسية هو الذي يؤدي إلى ضعفها واختراقها. ولا معنى للمطالبة بهذه المطالب من شورى وعدل إذا كانت كل هذه القيم تنتهك داخل المؤسسات المجتمعية ذاتها ومن بينها الأسرة". والقوامة - كما يقول الشيخ محمد عبده -: "تفرض على المرأة شيئًا وتفرض على الرجل أشياء".
** ومما تفرضه القوامة على الرجل: 1- التشاور والتراضي كقيم أساسية تحكم العلاقات بين الزوجين فلابد من ممارسة مفهوم القوامة على أساس من الرضا بين الطرفين فتوزيع المسؤوليات بين الزوجين أمر ضروري لتستقيم حياة الأسرة وتنتظم شؤونها من ناحية؛ وللحفاظ على مشاعر المودة والرحمة من ناحية أخرى، وقال صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" -رواه البخاري ومسلم- ، وقال الله تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا" ( سورة النساء- آية 34)، ويقول الأمام محمد عبده في تفسير الآية السابقة فالحياة الزوجية حياة اجتماعية ولابد لكل اجتماع من مدير لأن المجتمعين لابد أن تختلف آراءهم ورغباتهم في بعض الأمور ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم مدير يرجع إلى رأيه في الخلاف لئلا يعمل كل ضد الآخر فتنفصم عروة الوحدة ويختل النظام فالقوامة هنا ليست استبدادية بل هي شورية لأن الشورى خلق للمسلم في كل شؤونه؛ ومن هنا نرى أن القوامة حق للمرأة على الرجل فقوامة الرجل هي قيام على شؤون زوجته وأسرته بالدعم المادي والمعنوي فلماذا نسلب حق المرأة في أن يقوم زوجها على متطلباتها؟! 2- الإنفاق على الأسرة هي المسؤولية الثانية للرجل بعد القوامة وأساسها قدرته على التفرغ للكسب ومن الممكن التعاون بين الزوجين من أجل إكمال مسؤولية الإنفاق فإذا أنفقت المرأة في بيت زوجها فكأنما تصدقت بما أنفقته.
** واجبات المرأة: 1- المسؤولية الأولى للمرأة: حضانة الأطفال وتربيتهم، وتبدأ مسئوليتها ساعة حملها الجنين في رحمها ولا بد من التعاون بين الزوجين من أجل كمال أداء مسئولية حضانة الأطفال وتربيتهم وقد قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: "إن لولدك عليك حقاً" -رواه مسلم-ومن مظاهر الرعاية الحانية لرسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي وهو يحمل أمامة بنت زينب بنت رسول الله، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها. 2- المسئولية الثانية للمرأة: تدبير شؤون البيت؛ فقد قال الأمام النووي أن تدبيرها لشؤون بيتها من المعروف والمروءة، وهو تبرع من المرأة وإحسان منها إلى زوجها وحسن معاشرة وفعل معروف؛ وقد يتعامل الزوجين من أجل كمال أداء مسؤولية تدبير شؤون البيت؛ وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته قالت: "كان بشر من البشر يغلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه وكان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم"- رواه أحمد- فمسؤولية المرأة عن تدبير شؤون المنزل لا يعني أن تقوم بنفسها بجميع أعمال البيت إنما يعني مسئوليتها عن الإشراف على كل ذلك؛ سواء أرادت أن تقوم به هي أو يقوم به غيرها فهذا يتوقف على عوامل كثيرة مثل القدرة المالية والوقت الميسر.
** بعض الحقوق المشتركة بين الزوجين: أ- حق اللطف: قال الله تعالى: "وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (النساء: آية 19) وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: "خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يحوي لصفية وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره ويضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب" (رواه البخاري)؛ وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير نساؤكم الولود الودود المواسية المواتية إذا اتقين الله" (رواه البيهقي). ب- حق الرحمة: قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (سورة الروم 21) وقال تعالى: "وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" (النساء من الآية19)، فالأصل أن تقوم الأسرة على المودة أي الحب ومع الحب يكون الإيثار ومع الإيثار يعطي كلاً من الزوجين أكثر من حقه عليه وينقطع البحث في الحقوق أما إذا فتر الحب فلابد من الأصل الثاني الذي تقوم عليه الأسرة وهو الرحمة وهنا يتأكد البحث في الحقوق حتى لا تضيع وإذا كان مع الحب لطف وتلطف فمع الرحمة رفق وترفق، ومن الرفق والرحمة بشريك العمر بعد التقدير لجهده المبذول في رعاية الأسرة . ج- حق الإنجاب: قال تعالى: "واللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وحَفَدَةً" (سورة: النمل من الآية72)، فحق الإنجاب والرغبة في الولد أمر فطري عند الرجل والمرأة على السواء؛ لكن قد يزهد في طلب الولد لاعتبار ما في زمن ما وعندها ينبغي على الزاهد منهما أن يراعي حق صاحبه ويستجيب لرغبته وبخاصة إذا كان الدافع إلى الزهد مجرد مصلحة تحسينية لا ضرورية ولا حاجية. د- حق الثقة وحسن الظن: ومن مظاهرهما؛ قصر الغيرة على موطن الريبة فحسب ؛ ومن لازم حسن الظن المتبادل بين الزوجين اجتناب نبش الماضي وما كان فيه من خطأ أو خطيئة لأن الله أمر بالستر، ستر العبد على نفسه أولاً ثم ستر العبد على غيره ثانياً. هـ حق المشاركة في الهموم والأمور العامة والخاصة: فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشرك أزواجه فيما يهمه ومن ذلك في صلح الحديبية، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة " يا نبي الله أتحبب ذلك ؟ أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بٌدنك وتدعو حالقك فيحلقك فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً" ( رواه البخاري) و- حق الزينة: يقول تعالى" يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ" (الأعراف: الآية31) و"قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ" (الأعراف: من الآية 32)؛ قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال" (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم- " خير النساء من تسرك إذا أبصرت". ز_ حق المباشرة والاستمتاع الجنسي: قال تعالى: "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ" (البقرة: الآية 223) والعلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية وقد يؤدى عدم الاهتمام بها أو وضعها في غير موضعها إلى تكدير هذه الحياة وإصابتها بالاضطراب والتعاسة ولذلك لم يهمل الدين هذه الناحية بالتربية والتوجيه والتشريع والتنظيم. والإسلام حين راعى قوة الشهوة عند الرجل لم ينس جانب المرأة وحقها الفطري في الإشباع بوصفها أنثى. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لمن يصوم النهار ويقوم الليل من أصحابه "إن لبدنك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا" وقال أيضا "لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول، قيل وما الرسول يا رسول الله؟ قال القبلة والكلام" رأوه أبو منصور والديلمي . ح_ حق الترويح: إن الشريعة تحض على الترويح وعلى أن المزاح بين الطرفين محبب . ونرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسابق السيدة عائشة فتسبقه ثم بعد فترة يسابقها فيسبقها فيمازحها وتمازحه وكان عمر رضي الله عنه على خشونته يقول: "ينبغي أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي فإذا التمسوا ما عنده وجدوا رجلا". ت_ حق الغيرة: ومن الغيرة ما يحب الله وما يبغض فالغيرة في غير ريبه يبغضها الله تعالى وهناك الغيرة المعذورة ويعذر صاحبها ما لم يفعل حراما ومنها غيرة المرأة من الزوجة السابقة أو من امرأة أخرى تعلم أن زوجها يريد الزواج منها. ى - إحسان حل المشكلات والخلافات الزوجية بينهما: فالحياة الزوجية يعرض لها الخلاف فهي ليست معصومة منه بالضرورة وان كان الخلاف قابلا للعلاج فالوقاية منه ابتداء أولى من علاجه بعد وقوعه. وبعض الوسائل التي تعين على تحقيق الوقاية: رعاية حقوق الصحبة، والتسامح وغض ا لطرف عن العيوب الصغيرة والأخطاء اليسيرة واليقظة والوعي المبكر للأعراض الأولى للخلاف، ويمكن اللجوء إذا كان الخلاف حول أمر جوهري يصعب التسامح فيه إلى الاستشفاع بقريب أو صديق أو التنازل عن بعض الحقوق أو الهجر أو التحكيم.
تقول الروائية الإنجليزية الشهيرة "أجاثا كريستي": "إنَّ المرأة مغفلة؛ لأنَّ مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم؛ لأننا بذلنا الجهد الكبير للحصول على حق العمل والمساواة مع الرجل. ومن المحزن أنَّنا أثبتنا ـ نحن النساء ـ أنَّنا الجنس اللطيف الضعيف ثم نعود لنتساوى اليوم في الجهد والعرق اللذين كانا من نصيب الرجل وحده". ولقد فطنت المحامية الفرنسية "كريستين" إلى هذه الحقيقة حين زارت الشرق المسلم فكتبت تقول: "سبعة أسابيع قضيتها في زيارة كل من بيروت ودمشق وعمّان وبغداد، وها أنا أعود إلى باريس.. فماذا وجدت؟ وجدت رجلاً يذهب إلى عمله في الصباح.. يتعب.. يشقى.. يعمل.. حتى إذا كان المساء عاد إلى زوجته ومعه خبز، ومع الخبز حب، وعطف، ورعاية لها ولصغارها. الأنثى في تلك البلاد لا عمل لها إلا تربية الجيل، والعناية بالرجل الذي تحب، أو على الأقل الرجل الذي كان قدرها. في الشرق تنام المرأة وتحلم وتحقق ما تريد، فالرجل وفّر لها خبزاً وراحة ورفاهية، وفي بلادنا، حيث ناضلت المرأة من أجل المساواة، فماذا حققت؟ المرأة في غرب أوربا سلعة، فالرجل يقول لها: انهضي لكسب خبزك فأنت قد طلبت المساواة. ومع الكد والتعب لكسب الخبز تنسى المرأة أنوثتها وينسى الرجل شريكته وتبقى الحياة بلا معنى". ولعل فيما كتبه "جاردنر آرمسترونغ" عن انهيار الأسرة الأمريكية نتيجة سقوط قوامة الرجل في كتيب بعنوان "كيف يمكن أن تحقق السعادة في حياتك الزوجية" ما يعزز ما سبق ذكره. حيث كتب يقول: "لماذا تشعر أغلب النساء بالخيبة والشقاء؟ لأنَّهن خرجن على فطرتهن. ولماذا يتأنث معظم الرجال ويفشلون أزواجاً؟ لأنَّهم تخلّوا عن أصالتهم الفطرية".[2] يقول "مراد هوفمان":فإلى متى سنبقى في مرحلة الدفاع عن "الأسرة" المسلمة ونحن أصحاب رسالة يجب أن يصغي لها الجميع؟
** ما هو العنف؟ " العنف ذلك السلوك المقترن باستخدام القوة الفيزيائية وهو ذلك الفيروس الحامل للقسوة والمانع للمودة. لم يكن العنف في يوم من الأيام ولن يكون فطرياً بل كان دوماً خلقاً مكتسباً في النفس البشرية. فلم يكن الإنسان عنيفاً يوم ولدته أمه بل أن عنف الطبيعة وعسر الحياة والتربية وعنف الآباء هو الذي يغرس العنف في خلايا الدماغ حتى حملته صبغياته الوراثية فكاد أن يكون موروثاً. ونظراً لاتساع جوانب العنف وأسبابه وأبعاده أخذ علماء الاجتماع في تقسيم الموضوع وتصنيفه إلى ثلاثة أنواع هي العنف النفسي والعنف اللفظي والعنف الجسمي. والعنف صورة من صور القصور الذهني حيال موقف، ودليل من دلائل النفس غير المطمئنة وصورة للخوف من الطرف الآخر مهما تعددت أشكال ذلك الخوف، وانعكاس للقلق وعدم الصبر والتوازن، ووجه من وجوه ضيق الصدر وقلة الحيلة ويعد مؤشراً لضعف الشخصية ونقصان في رباطة الجأش وتوازن السلوك. وأياً ما تكون العلة الفيزيولوجية أو البيئية فالعنف مرفوض حضارياً وأخلاقيا وسلوكياً واجتماعيا"ً . [3]
** أسباب العنف للعنف أسباب عديدة ، نورد منها: - إن لتربية الأسرة وسلوكية الأبوين أثراً بالغاً على تحديد الشخصية العنيفة العدوانية[4] - القهر الاجتماعي من أهم مكونات العنف ليس للفرد فحسب بل في المجتمع أيضاً فمن عدم المساواة الشخصية والنبذ الاجتماعي وانعدام العدالة في بعض المواقف الإدارية والتربوية والقانونية كلها عناصر مولدة للعنف والعدوان[5] - سلبية تأثير وسائل الإعلام كافة واعتبارها أحد أهم وسائل انتشار العنف المكتسب لدى الأطفال والمراهقين شأنها بذلك شأن الأفلام الجنسية المثيرة للمراهقين إلا أن تلك الوسائل الإعلامية ومن يقف ورائها من الناشرين والمخططين ما زالت تتخذ من مادة العنف والجريمة، والقتل وحوادث الاعتداء والتفجيرات والاغتيالات وقتل الأطفال... الخ مادة دسمة لها.[6] - التأثر بالنمط الحضاري الغربي المعاصر والذي من أهم سماته.."تغير ولاء الأفراد تجاه بعضهم الآخر، فأصبح الفرد الرأسمالي يحصر جلَّ اهتماماته العملية على تحقيق رغباته الشخصية دون الاكتراث لمسؤوليته الاجتماعية تجاه المؤسسة العائلية، وغدا الولاء الاجتماعي يتحول تدريجيا من العشيرة والأقارب إلى الدولة والنظام السياسي ؛ لأن الدولة أصبحت تقوم بتقديم أغلب الخدمات التي كانت تقدمها العشيرة للفرد كالخدمات التعليمية والطبية وإعانة العجزة ورعاية الأطفال؛ وقد أفرز هذا التحول في الولاء الاجتماعي على مدى العقود الثلاثة الماضية مشكلات جديدة فيما يتعلق باستقرار القاعدة الاقتصادية والعاطفية للعائلة الصغيرة، خصوصاً على أصعدة الطلاق والإجهاض والاعتداء الجسدي[7] - انتشار الأمية والبطالة وصعوبة الحصول على المسكن الملائم. - الغيرة من قبل أحد الزوجين أو كليهما سببا قويا لحدوث المشكلات. - تعاطي المسكرات وإدمان المخدرات من قبل الزوج قد يدفع إلى ممارسة درجات من العنف مع زوجته أو الأبناء. - تعدد الأدوار التي تلقى على المرأة وعدم التعاون وتوزيع المسؤوليات الأسرية بنوع من التفاهم بين الزوج والزوجة خاصة وان كان الزوج يبقى لفترات طويلة خارج المنزل مما يؤدي إلى حدوث فتور في العلاقات الإنسانية بين الطرفين. - وكذلك صعوبة تكيف أحد الأشخاص مع المستجدات الاجتماعية والظروف الطارئة. - وإذا كان الرجل بارعاً ويتقن أسلوب العنف البدني، إلا أن المرأة أكثر براعة في العنف النفسي واللفظي وهي عادة ما تكسب الجولة في هذين النوعين مما قد يؤدي في معظم الحالات إلى عنف معاكس من قبل الأزواج. -الكبر والترفع عن الاعتذار عن الخطأ.
** عنف الزوجات ضد الأزواج: تعتمد بعض الزوجات أسلوبا يتماشى ومفهوم المساواة والحرية التي تنادي بها الجمعيات النسائية وأنصار حقوق المرأة وهذا الأسلوب يرتكز على قاعدة (إن تكن.. أكن... وإلا...) فليس أحد أحسن من أحد ولا لأحد فضل على أحد، فهي ترفع صوتها أمام زوجها إن رفع صوته وتتبادل معه الكلمات وأحيانا اللكمات لسان حالها يقول (واحدة بواحدة والبادي أظلم إن تحترمني أحترمك وإن ترفع علي أحدى عينيك ارفع عليك كليهما، وان ترفع علي يدك ولو مازحاً فان عنوان الشرطة لدي وستكون نهايتك في الشارع وسأمنعك بقوة القانون حتى من التواجد حول البيت). وهي حينذاك تمارس العنف النفسي والشعوري معه ليصل ذروته فتتمنع منه وتحرمه من ممارسة حقه الشرعي كزوج إذا زل معها أو اخطأ بحقها أو رفض تلبية طلباتها أولاً بل وقد تشترط عليه أن يلبي طلباتها حتى تسمح له بممارسة حقه الشرعي، ويصل الأمر في بعض الأحيان أن ترفع ضده قضية اعتداء جنسي لدى الشرطة أن مارس زوجها حقه بغير إرادة أو رغبة منها... أليس هذا عنفا وضربا أشد وأعتى من ضرب السهام والسيوف؟[1] وأرجع الدكتور علي أحمد الطراح -عميد كلية العلوم الاجتماعية بدولة الكويت- أسباب افتقاد الأسرة العربية لأهم أدوارها ووظائفها في مواجهة التحولات الاجتماعية والاقتصادية إلى انهيار سلطة رب الأسرة ورقابته على أبنائه، وهو ما لم يرافقه نمو نمط ديمقراطي ومشاركة إيجابية من قبل أعضاء الأسرة.. كذلك الغياب الوظيفي لدور الأب، وتعاظم أدوار ووظائف الأم في الأسرة، وضعف العلاقات الاجتماعية وتصدعها، وسيادة القيم الفردية، وتنامي ظاهرة العنف داخل الأسرة. وازدياد معدلات العنف الأسري لا يمكن أن نفصله عن التأثيرات الشديدة التي تعرضت لها الأسرة العربية من جراء التحولات الاجتماعية والاقتصادية؛ حيث إن ارتفاع معدلات البطالة سواء بين الرجال أو النساء وعلى وجه الخصوص بين الشباب يشكل أحد العوامل الهامة لظهور العنف؛ حيث تولد البطالة الشعور بالإحباط واليأس، وعدم المساواة في فرص العمل، وهذا ينعكس بدوره في سلوك العنف سواء داخل الأسرة أو خارجها. [2]
** العنف في الوثائق الدولية: ولقد عرفت الوثائق الدولية العنف المنزلي تعريفات أقل ما يمكن أن توصف به بأنها تعريفات شاذة وغريبة تماما عن ثقافتنا، ويراد إقحامها إلى مجتمعاتنا وفرضها علينا من خلال تلك الوثائق الدولية.. فنرى العنف المنزلي ضُمِّن حق الزوج في معاشرة زوجته، طالما كان هذا بناء على رغبته، وغير موافقا تماما لرغبتها. كما ضُمِّن قوامة الزوج في الأسرة (الإنفاق، الريادة، المسئولية الكاملة عن الأسرة بمن فيها) التي بدونها تنهار الأسرة، وتنهار المجتمعات انهيارا كاملا. ولا نعلم لمصلحة من يتم هذا؟! بالتأكيد ليس من مصلحة المرأة أن تسلب حقها في الرعاية والحماية والحياة الكريمة، ويصير عليها - إذا ما طبقت بنود تلك الوثائق تطبيقا كاملا- أن تعمل لتعيش، ويتساوى واقعها- الذي تحسدها عليه بنات جنسها في المجتمعات الغربية كما أسلفنا آنفا- مع هؤلاء النسوة اللاتي لا تجد إحداهن مفرا من العمل الشاق جنبا إلى جنب مع الرجل لتنفق على نفسها، وإلا فلن تجد من يطعمها. وسنورد فيما يلي بعض بنود الوثائق الدولية التي تناولت مفهوم العنف المنزلي كما أشرنا إليه: ويعرف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد النساء في مادته الأولى العنف كالتالي: "يقصد بالعنف ضد النساء أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة". كما نص الإعلان في المادة الثانية منه على وجوب أن يشمل العنف ضد المرأة (دون أن يقتصر على ذلك) الجوانب التالية: - أعمال العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في إطار الأسرة، بما في ذلك الضرب والاعتداءات الجنسية ضد الأطفال الإناث في الأسرة، والعنف المتصل بالمهر، (استعمال الصداق كثمن للزوجة)، والاغتصاب في إطار العلاقة الزوجية، وبتر الأعضاء التناسلية للإناث (الختان), وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، داخل أو خارج العلاقة الزوجية.
* أما المنظمة العالمية للصحة فقد خلصت إلى تعريف العنف المنزلي كالتالي: يقصد بالعنف المنزلي "كل سلوك يصدر في إطار علاقة حميمة, يسبب ضررا أو آلاما جسمية أو نفسية أو جنسية لأطراف تلك العلاقة. و يتعلق الأمر مثلا بالتصرفات التالية: - أعمال الاعتداء الجسدي كاللكمات والصفعات والضرب بالأرجل. - أعمال العنف النفسي كاللجوء إلى الإهانة والحط من قيمة الشريك, وإشعاره بالخجل, ودفعه إلى الانطواء وفقدان الثقة بالنفس. - أعمال العنف الجنسي ويشمل كل أشكال الاتصال الجنسي المفروضة تحت الإكراه, وضد رغبة الآخر, وكذا مختلف الممارسات الجنسية التي تحدث الضرر لطرف العلاقة. - العنف الذي يشمل مختلف التصرفات السلطوية المستبدة والجائرة, كعزلة الشريك عن محيطه العائلي وأصدقائه, ومراقبة حركاته وأفعاله, والحد من أية إمكانية لحصوله على مساعدة أو على معلومات من مصدر خارجي."[3]
* وورد عن منظمة العفو الدولية الدعوة الصريحة لمعاقبة ومحاكمة الأزواج الذين (يغتصبون زوجاتهم!) حيث تقول المنظمة في مكافحة التعذيب - دليل التحركات-: " ومع أن الجناة قد لا يكونون موظفين حكوميين، فإن غلبة الإفلات من العقاب التي تحيط بمثل هذا الضرب من ضروب العنف تستتبع مسؤولية الدولة عنه. ومن الممكن أن يكون "تواطؤ" الموظفين العامين أو "موافقتهم" أو "تغاضيهم" حاضراً عندما يجري إعفاء العنف ضد المرأة من العقوبة القانونية في قضايا، على سبيل المثل، من قبيل ما يسمى "الدفاع عن الشرف" أو الدفاع عن مؤسسة الزوجية في حالات الاغتصاب الزوجي" * وجاء تعريف العنف في وثيقة بكين 1995: - " أي عمل من أعمال العنف القائم على الجندر يترتب عليه أو من المحتمل أن يترتب عليه أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة بما في ذلك التهديد بالقيام بأعمال من هذا القبيل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة، وبناء على ذلك يشمل العنف ضد المرأة ما يلي؛ على سبيل المثال: أ) أعمال العنف البدني والجنسي والنفسي التي تحدث في الأسرة بما في ذلك الضرب والاعتداء الجنسي على الأطفال الإناث في الأسرة المعيشية، وأعمال العنف المتعلقة بالبائنة/ المهر، واغتصاب الزوجة، وختان الإناث، وغير ذلك من التقاليد الضارة بالمرأة، وأعمال العنف بين غير المتزوجين، وأعمال العنف المتعلقة بالاستغلال." (البند 113 بيكين)
* وفي "تقرير اليونيسيف عن العنف المنزلي يونيو 2000" وتحت عنوان "الاستغلال الجنسي والاغتصاب في العلاقات الحميمية": " إن الاعتداء الجنسي والاغتصاب بين الأزواج لا يعد جريمة في معظم الدول، كما أن النساء في العديد من المجتمعات لا تعتبر الجنس الإجباري اغتصاباً إذا كانوا متزوجين أو يعيشون كالأزواج ؛ المشكلة هنا أن المرأة بمجرد أن توقع على عقد الزواج فإن الزوج له الحق اللا محدود في الاتصال الجنسي مع زوجته لذلك فإن بعض الدول قد اتجهت لسن تشريعات ضد الاغتصاب الزوجي، على الرغم من أن شروط بعض القوانين تضمن أحداث تقدم، فإن تحقيق ذلك غالباً ما يكون صعباً على النساء لتجميع وحشد براهين وقوانين إثبات الجريمة".
ويعد التقرير عوامل ارتكاب العنف المنزلي: * ثقافية: 1. التصنيف الجندري اجتماعياً. 2. التعريف الثقافي لأدوار الجنسين. 3. توقعات الأدوار بين الجنسين في العلاقات . 4. الإيمان بازدياد ميراث الرجل عن المرأة. 5. القيم التي تعطي للرجل حقوقاً تعلو على النساء والفتيات. 6. مفهوم أن الأسرة هي محور خاص تحت تحكم وسيطرة الرجل. 7. تقاليد الزواج (المهر/ ثمن العروس). 8. الموافقة على العنف كوسيلة لفض النزاع "ضرب الناشز".
* اقتصادية : 1. الاعتماد الاقتصادي للمرأة على الرجل. 2. القوانين المميزة بخصوص الميراث وحقوق الملكية وإعالة المطلقة والأرملة.
* تشريعية: 1. المكانة الأقل للمرأة في التشريعات سواء القوانين المكتوبة أو الممارسات. 2. القوانين المتعلقة بالطلاق، الوصاية على الأطفال، الإعالة والميراث. 3. التعريفات القانونية للاغتصاب والإيذاء الجنسي المنزلي. إذن فإن الوثائق الحقوقية الدولية لا تعتبر العنف هو فقط الضرب أو الإيذاء الحقيقي كما قد يعتقد البعض، وإنما تعد هذه الوثائق الأمور التالية أيضا من قبيل العنف المنزلي وطالبت بأن تسن القوانين للعقاب عليها: 1. المعاشرة الزوجية من دون أن تكون بكامل رضا الزوجة وهي ما تعده اغتصابا زوجيا. 2. قوامة الرجل في أسرته وهي ما تسميه تحكم وسيطرة الرجل. 3. المهر للعروس وهو ما تعبر عنه بثمن العروس. 4. إنفاق الزوج على أسرته وهو ما تعتبره اعتماد اقتصادي على الرجل. 5. أحكام الميراث وتعدها قوانين مميزة.
وهذا من باب قلب الموازين، فالقوامة والمهر، وإنفاق الزوج على زوجه، وحق الزوجة في المعاشرة الزوجية.. كلها حقوق فرضها الإسلام للمرأة، وألزم بها الرجل.. وقد ضُمِّنت تلك الوثائق بنودا طالبت الحكومات جميعها بسن قوانين للمعاقبة على تلك الأمور، وعدم اخذ أي خصوصيات دينية أو ثقافية في الاعتبار، منها على سبيل المثال: البند 124-أ بيكين: إدانة العنف ضد المرأة والامتناع عن التذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبار ديني تجنباً للوفاء بالتزاماتها والقضاء عليه، كما هي مبينة في إعلان القضاء على العنف ضد المرأة. تمكين النسا ء اللواتي يمارس العنف ضدهن من الوصول إلى آليات العدالة وكذلك على النحو المنصوص عليه في القوانين الوطنية، وسائل الانتصاف عاجلة وفعالة ترفع عنهن الأذى الذي يلحق بهن، وإعلامهن بحقوقهن الخاصة بالتماس التعويض من خلال الآليات. فهذه المواد ونظائرها في المواثيق والاتفاقيات الدولية، لا تقيم قيمة لعقد الزواج الشرعي وتقرر أن العلاقة الزوجية تعتبر اغتصابا إذا كانت الزوجة ممتنعة عن زوجها.. بينما تعتبر نفس الوثائق الزنا حقا مشروعا من حقوق الحريات الشخصية حتى للمراهقين والأطفال!! [4] ونوضح هنا الحكمة من أمر الزوجة بالاستجابة لزوجها، ففي ذلك من الوقاية لها ولزوجها بل وللمجتمع بأسره من الكثير من الآفات، فحين تكون سببا لتحصينه سينصرف عن الحرام وعن أسبابه، فتكون الزوجة بمأمن من خيانة زوجها لها.. هذا أولا ومن الأمراض الجنسية القاتلة التي ربما تنتقل لها من زوجها والتي تسببها العلاقات غير الشرعية.. بينما حين تتمرد الزوجة على زوجها ولا تمنحه حقوقه الجنسية كاملة نجد أن الرجل ينصرف للأخدان والصديقات والعشيقات ليشبع حاجاته الجنسية !! وكذلك المرأة تفعل!! وتلك بداية الانهيار الحضاري للمجتمعات[5] وليس هذا الحق مطلقا بلا قيود، بل وضع له الشرع ضوابط وراعى صحة المرأة وظروفها النفسية، فحرم على الزوج معاشرتها أثناء الحيض والنفاس لما يحصل لها من تعب جسمي ونفسي أثناء الحيض أو النفاس، بينما في غير الإسلام نجد أن المعاشرة للزوجة أثناء الحيض والنفاس تسبب للمرأة الضرر صحيا باتفاق كل الأطباء. وحين حرم ذلك راعى اللفظ واكتفي بقوله الكريم: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة222)[6] كما حرم عليه الجماع في الدبر وفي هذا التحريم تكريم للمرأة وصيانة لحقِّها، فللمرأة حقٌّ على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوِّت حقَّها، ولا يقضي وطرها أو يحقِّق مقصودها. وكذلك فالدبر لم يتهيَّأ لمثل هذا العمل، ولم يُخلق له، وهو قذارة يضر بالمرأة وبالرجل ، ويورث الكآبة والنفرة بين الزوجين ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحقِّ فلا تأتوا النساء في أدبارهنَّ" (رواه النسائي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه) ونجد أنه في المجتمعات غير الإسلامية غربا وشرقا تنتشر الأمراض والأوبئة الناتجة عن جماع الدبر والذي سماه علماء الإسلام .. اللوطية الصغرى .. وثبت ضرره على الطرفين [7]
** العنف في أرقام: وتدل الأرقام التالية على مدى فشل الوثائق الدولية في علاج المشكلة داخل المجتمعات التي صيغت فيها: - فرنسا: 95% من ضحايا العنف من النساء؛ حيث أن امرأة واحدة من أصل كل 5 نساء في فرنسا عرضة لضغوط أو عنف جسدي أو كلامي. - روسيا: 14 ألف امرأة يقضين نحبهن في كل عام على أيدي شركائهن أو غيرهم من الأقرباء، بيد أن من المهم الإشارة إلى أنه لا يجري الإبلاغ عن جميع حوادث العنف ضد المرأة نظراً لحساسية الموضوع والنتائج التي تظهر لا تمثل سوى الحد الأدنى من الحوادث التي تقع. - نيوزيلندا: تبعاً لإحصائية رسمية لرصد العنف العائلي 300ألف امرأة وطفل كانوا من ضحايا العنف العائلي، كما أن معدل العنف العائلي يبلغ 14%.. - الولايات المتحدة الأمريكية: 85% من ضحايا العنف المنزلي من النساء. - ضرب النساء: أمريكا: 21% إلى 30%، النرويج: 25%، كولومبيا: 20%، كينيا: 42% بنجلاديش : 50%. - الطلاق: ألمانيا: 197,496 عام 2001، بريطانيا: 53%، الولايات المتحدة: 49%، كندا: 45% (المصدر:www.mana.ae ،www.moudir.com ، www.treoir.ie، د/ محمود سلامة محمود الهايشة www.islamweb.net).
إن عالمية مشكلة المرأة لا يعني الانطباق الكامل في تفاصيل وحيثيات هذه الإشكالية بين جميع الثقافات، ولا يعني عالمية الحلول أيضاً. وسحب المشاكل وتعميمها أو البقاء في العموميات في تصور المشكلة دون النفاذ إلى محدداتها لا يساهم في إيجاد حل سائغ. ونحن نرى أن حل المشكلة جذريا لن يكون في اللجوء للشرطة، والذي من شأنه توصيل الأمر إلى الطلاق مباشرة. وإنما الحل في رفع الوعي الديني لدى الأفراد، للعودة إلى المنهل الصافي.. والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أزواجه، واقتداء الزوجات بهدي المصطفى في تعاملهن مع أزواجهن، ما ينقصنا حقيقة هو العودة إلى تعاليم الإسلام في كل مناحي الحياة الخاصة والعامة. ويلزمنا أن نربي أبناءنا منذ الصغر على أدبيات الحياة الزوجية المثلى، وان نضرب لهم القدوة بأنفسنا أولا.
** التوصيات 1. أن تعمل الدولة إدخال مفهوم الأسرة في مناهج التعليم في المراحل المختلفة كل حسب مرحلته العمرية، ويشتمل هذا المنهج بوصفه صيغة مقترحة على: تعريف الأسرة وقيمتها، ومكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الشرعي للعلاقة بين الرجل والمرأة في الأسرة، وحقوق وواجبات كل فرد في الأسرة: الزوج نحو زوجته، والزوجة نحو زوجها،وكلا من الأب والأم نحو الأولاد، والأولاد نحو الأبوين والأجداد.. مستقاة جميعها من الشريعة الإسلامية الحنيفة. 2. على أجهزة الإعلام تقديم برامج تهدف إلى نشر حسن المعاشرة بين الزوجين، وأن تسود المودة والرحمة والترفق بالمرأة ورعايتها وإكرامها، وذلك اتباعاً لهدى الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع أهله. والتوقف عن استخدام العنف والإثارة الجنسية في المادة الإعلامية المقدمة. 3. التأكيد على أن القوامة في إطارها الشوري الصحيح هي المفهوم السوي الأصيل للأسرة بما فيها من التزام بالحقوق والواجبات والموازنة بينهما. 4. التأكيد على حسن اختيار الطرفين على أساس الدين والأخلاق ومراعاة التكافؤ الاجتماعي. مع الرضا التام في الاختيار تبعا لقول الرسول صلى الله عليه وصلى: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن" - رواه البخاري ومسلم- إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. 5. إنشاء مؤسسات ومشروعات وبرامج لتأهيل الشباب والفتيات المقبلين على الزواج وإعادة تأهيل وتوعية الأسر. مع مساعدة الشباب على الزواج، بتوفير المسكن المناسب، والمساعدة المادية له، والقضاء على البطالة. 6. على الأجهزة الحكومية والأحزاب والمؤسسات الأهلية أن تتضافر جهودها للقضاء على الأمية. 7. تبني "ميثاق الأسرة في الإسلام"- الذي تعده اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة- والذي يوضح الرؤية الشرعية حول المرأة وحقوقها وواجباتها، وكذلك الأسرة ومفهومها الشرعي في الإسلام، لتفعيله ونقله من المستوى النظري إلى المستوى العملي وذلك بنشره وتوزيعه على الجامعات والمعاهد التربوية. 8. المبادرة بتأسيس منظمات وجمعيات نسائية وشبابية ومنظمات للاهتمام بتنمية المجتمعات، وحل مشكلات الأسرة والبيئة والسكن... الخ لكي نعالج كل هذه الأمور وغيرها من منطلق ثقافتنا. 9. مساندة الحكومات وصناع القرار حتى لا توقع على أي اتفاقيات غير متوافقة مع ديننا وثقافتنا، وأن تتمسك بتحفظاتها على ما تم التوقيع عليه بالفعل، والتمسك بحق الشعوب في تقرير أوضاعها الخاصة. "مركز دراسات المرأة" المهندسة كاميليا حلمي مدير عام اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة
ورقة مقدمة في مؤتمر "مواجهة ظاهرة العنف الأسري .. الواقع والمأمول" الإسكندرية في 11-13 يونيو 2005
|
أطبع
الدراسة |
أرسل الدراسة لصديق
|
|