المنهج التكاملي لكفالة حقوق الطفل
المجلس العربي للطفولة والتنمبة يصدر كتاب "المنهج التكاملي لكفالة حقوق الطفل"
"هذا الكتاب الذي نقدم له يحفز على تعميق الوعي بمضامين حقوق الطفل كما جاءت الاتفاقية الدولية، وتبني رؤية علمية تقوم على تطبيق متسق ومتكامل لحقوق الطفل بهدف تحسين مضامين القوانين العربية المتعلقة بالطفولة وما ينبثق عنها من برامج، حيث يتوقف ضمان مستقبل أفضل للأطفال على ضمان أفضل البدايات" طلال بن عبد العزيز
مقدمة : دواعي إعداد هذا الكتاب: جاءت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة في عام 1989 برؤية مستحدثة في تناول شئون الطفولة. فبعد أن كان التوجه السائد في رسم السياسات المعنية بالطفولة يركز على كفالة ما يراه المسئولين محققا "للاحتياجات السياسية للطفل", ناشدت الاتفاقية الدولية الدول بالالتزام بكفالة "حقوق أساسية" ذات مواصفات محددة لكل طفل دون تفرقة أو تمييز. وتمثل هذه الاتفاقية نقلة نوعية في تناول شئون الطفولة بما تضمنته من وجوب مراعاة مواصفات واشتراطات معينة لمضامين الحقوق في كل المجالات, واعتبار هذه المواصفات حدود دنيا يتعين الالتزام بها. وقد حظت الاتفاقية بتصديق عالمي- عدا الولايات المتحدة الأمريكية والصومال. وانضمت الدول العربية للجهود التي بذلت لتطبيق أحكام الاتفاقية, وحققت الدول العربية نجاحات, خاصة في المجال الصحي. ومع ذلك مازالت الدول العربية تواجه صعوبات جمة في مجالات التنمية, وبالأخص التنمية البشرية, الأمر الذي يؤثر سلبا في قدرات أجيال متعاقبة من الأطفال وفي إطار الجهود الدولية التي تبذل على المستوى الدولي لتحقيق تطبيق متكامل لحقوق الطفل, وللتغلب على الصعوبات التي تواجه هذا التطبيق, ناشدت المنظمات الدولية الدول الأعضاء بإتباع منهج خاص اصطلح على تسميته "بالمنهج الحقوقي" قائم على أساس "برمجة" مضامين حقوق الطفل programming child rights . ويقتضي الأخذ بهذا المنهج تغييرا جذريا في الأسلوب المتبع في رسم السياسات, وتطويرا في أساليب تنفيذها بما يضمن الاتساق والتكامل بين السياسات. وحداثة هذا المنهج تقتضي تنمية قدرات المعنيين بشئون الطفولة, للتعرف على طبيعة المنهج ومتطلبات تطبيقه في كل مجالات الطفولة. وقد رأى المجلس العربي للطفولة والتنمية الإسهام في هذا الجهد. وتحقيقا لهذا الغرض كلف المجلس فريقا من الأكاديميين المتخصصين بإعداد دراسة تنشد إلقاء الضوء على طبيعة هذا المنهج وشرح مقتضيات تطبيقه في مجالات:التنشئة الاجتماعية, والتعليم والثقافة, والمشاركة, والصحة وحماية الطفولة. أولا: الإطار النظري: المنهج الحقوقي: نحو تطبيق متكامل لحقوق الطفل تنتمي الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وتستمد مبادئها من تراث المواثيق الدولية التي أرست حقوق الإنسان. وبالتالي توجب الاتفاقية مراعاة مبادئ عامة يتعين الالتزام بها في كل مراحل عملية كفالة حقوق الطفل, بدءً برسم السياسات ووضع البرامج وتطبيقها ومتابعة التطبيق بما يكفل لكل طفل حقوقه الأساسية. المبادئ العامة التي يلتزم بها في كفالة الحقوق الالتزام بالمساواة بين كل الأطفال دون أي شكل من أشكال التمييز (مادة 2 من الاتفاقية). يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى في جميع ما يتخذ من سياسات وتدابير وإجراءات تتعلق بالطفل (مادة 3 من الاتفاقية). العمل على بقاء الطفل وتنميته (مادة 6 من الاتفاقية). مراعاة حق الطفل في ممارسة حقوقه والمشاركة في جميع الأمور التي تتعلق به (المواد 12-15 من الاتفاقية). التوازن بين مسئولية الوالدين عن تربية الطفل, ومسئولية الدولة عن تقديم الدعم والمساعدة للوالدين للاضطلاع بمسئوليتهما (المواد 18, 27 من الاتفاقية). وقد أوردت الاتفاقية نصوصا تفصيلية لبيان حقوق الطفل ومضامينها في كافة المجالات المعنية بالطفولة. الأمر الذي يتعين مراعاته والتأكيد عليه هو أن كفالة الحقوق لا تتحقق من خلال تطبيق مجزأ لنصوص الاتفاقية, بل يتعين إتباع منهج خاص في تطبيق أحكام الاتفاقية, اصطلح على تسميته "بالمنهج الحقوقي" قائم على أساس "برمجة" حقوق الطفل programming child rights. وينشد المنهج من خلال برمجة الحقوق تحقيق التكامل والتناغم بين تلك الحقوق. تطبيق الاتفاقية من خلال برمجة الحقوق برمجة الحقوق تتمثل في عملية مركبة تنشد التطبيق المتسق والمتكامل لمجموعات الحقوق المتصلة والمرتبطة. والبرمجة عملية فنية تقتضي مطلبين: (1) كفالة الحق. (2) مراعاة الاتساق والتكامل بين الحقوق. أولا: كفالة الحق تقتضي مراعاة الاشتراطات التالية 1- كفالة مضمون/ محتوى الحق: فمعظم الحقوق المبينة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل "موصوفة" بمعنى أن الاتفاقية تتطلب اشتراطات ومواصفات معينة في كفالة حقوق الطفل. ومثال ذلك أن يكون التعليم موجها نحو تنمية شخصية الطفل وقدراته (المادتان 28،29) وبالمثل أن يكون حق الطفل في مستوى المعيشة ملائما لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي وتخص الاتفاقية بالذكر حق الطفل في التغذية والكساء والإسكان الملائم (مادة 27) ويمثل تخلف الاشتراطات التي تتطلبها الاتفاقية في مضمون الحق, قصورا يحول دون كفالة الحق ذاته. 2- إتاحة الحق لكل المستحقين, وهو مطلب مستمد من مبدأ المساواة بين كل الأطفال وعدم التمييز بينهم (مادة 2 من الاتفاقية). 3- أن يستجيب مضمون الحق لاحتياجات ومصالح الفئات المختلفة, دون التحيز لفئة دون غيرها. 4- المقدرة على تحمل نفقات الحصول على الحق أو الخدمة. والملاحظ في ظل الأخذ بنظام الاقتصاد الحر اتجاه الدول إلى نقل تكلفة العديد من الخدمات من ميزانية الدولة إلى عاتق المستفيدين. ويلقى هذا التوجه عبئا على كاهل الفئات محدودة الدخل، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى إعاقة الحصول على مضمون الحق. ثانيا: مراعاة الاتساق والتكامل بين الحقوق ومع مراعاة الاشتراطات سالفة الذكر, يتعين تجنب التطبيق الجزئي للحقوق, بحيث يراعى في رسم السياسات وتطبيقها, تحقيق التكامل ومراعاة الارتباط بين فئات الحقوق في إطار الواقع الاجتماعي. وقد جرى العمل على تقسيم الحقوق في فئات يجمع بين كل منها وحدة الهدف المنشود. وتقسم الحقوق عادة في الفئات التالية: - الحقوق المدنية: مثل الاسم, الجنسية, والحريات العامة. - حقوق الطفل في البقاء على الحياة والصحة. - حقوق الطفل المعنية بتنمية قدراته. - حقوق الطفل في المشاركة. - حقوق الطفل المعنية بالحماية. ويلاحظ أن الحقوق تتفاعل داخل كل مجموعة, كما تتفاعل الحقوق عبر المجموعات المختلفة. وقد يؤدي عدم مراعاة الاتساق والتكامل إلى التضارب بين السياسات وأهدافها أو إلى محدودية تحقيق الأهداف المنشودة. ثانيا: الحق في البقاء والصحة: تنتهج الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل أسلوباً متكاملاً في كفالة سائر حقوق الطفولة، بما في ذلك حق الطفل في البقاء والنماء الصحي. وقد حققت الدول العربية قدراً من النجاح فيما كفلته من خدمات صحية، ومع ذلك مازالت بعض البلدان العربية تعاني عجزاً في الخدمات بسبب ارتفاع التكلفة أو افتقار الجودة، من بينها قصور في الرعاية الصحية للأم أثناء الحمل، وعجز فيما يقدم من خدمات للمراهقين، وقلة الاهتمام بالبرامج الوقائية. وتدعو الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل إلى مراعاة التكامل بين مكونات السياسة الصحية وما يرتبط بها من حقوق وسياسات مؤثرة في صحة الطفل، ومن بينها سياسات معنية بالإصحاح البيئي، وتوفير مياه الشرب النقية، والتغذية السليمة، والإسكان، والتعليم وغيرها من الأمور التي قد تعوق أو تدعم وقاية وحماية الأطفال من المخاطر الصحية التي يتعرضون لها. يولد كل طفل وله العديد من الحقوق، فكل طفل له حق التعلم وحق الصحة والرعاية الصحية وحق الاسم وحق الجنسية، كما أن لكل طفل حق المشاركة في الأمور التي تتعلق به، وله الحق في أن يتمتع بالمساواة، وله حق الحماية من الأذى. يجب أن يبدأ الأطفال حياتهم البداية المثلي، كما يجب مساعدتهم على العيش والالتحاق بالتعليم وخلق البيئة التي تحميهم وخاصة في الطوارئ والأزمات. والبداية المثلي للحياة تعني توفير الرعاية الصحية والتغذية السليمة وتوفير مياه الشرب النقية والبيئة الصحية والحماية من العنف والإساءة والاستغلال والتمييز. ويتوقف ضمان مستقبل أفضل للأطفال طيلة حياتهم على ضمان أفضل البدايات لهم بدءًا من صحة أمهاتهم والاهتمام الذي يتلقاه الأطفال خلال سنواتهم الأولى منذ الولادة وحتى بلوغهم سن السادسة. ورعاية الطفولة المبكرة هي إحدى أفضل الطرق لضمان انتقال الطفل للمرحلة التالية بسهولة ويسر، كما أن الأسرة والبيئة من الأمور الجوهرية في ضمان حقوق الطفل، وبناءً على ذلك فالاهتمام بالطفولة المبكرة هو أحد المظاهر الحاسمة في استراتيجيات مكافحة الفقر من أجل كسر حلقات اعتلال الصحة المزمن والتنمية البشرية المنقوصة التي تنتقل من جيل إلى جيل وتطبيق حقوق الطفل في البلاد العربية ما هو إلا تعبير عن مدى الاقتناع والالتزام بأهمية الطفل ووضعه الخاص وحقه في التنمية كسياسة للتغلب على مشكلات الفقر في الوطن العربي. واتفاقية حقوق الطفل أشارت إلى الكثير من الآفاق الجديدة، حيث تنتهج أسلوبًا شاملاً يتعامل مع كل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية؛ باعتبارها حزمة متكاملة لا يمكن تجزئتها . أما عن الجانب الصحي فالاتفاقية تكفل الحق في الحياة والبقاء والنمو. وهذا الحق تكفله الدول إلى أقصى حد ممكن لبقاء الطفل ونموه بتوفير تغطية شاملة لخدمات الصحة الأساسية. ولقد حققت الدول العربية نتائج طيبة في ضمان حقوق الطفل في الحياة والنمو، حيث انخفض المعدل الإقليمي لوفيات الأطفال دون سن الخامسة من 243 لكل ألف من المواليد الأحياء في عام 1960 إلى 72 لكل ألف في عام 2002 ، كما انخفض معدل وفيات الأطفال الرضع من 156 لكل ألف في عام 1960 إلى 54 لكل ألف في عام 2002. وتعد هذه نتائج جيدة بالمقارنة بالمتوسط العالمي لمعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة وهو 82 لكل ألف (تقدير وضع الأطفال في العالم يونيسيف 2000). وبالرغم من ذلك فهو ليس متوسطًا جيدًا مقارنة بالدول الصناعية التي تحافظ على متوسط مقداره ستة لكل ألف. يمكن تعريف الصحة بأنها حالة اكتمال من الناحية الجسمانية والنفسية والاجتماعية والإيمانية وليست مجرد الخلو من المرض أو العاهات. حول تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل (حق البقاء والحياة) ولتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل يجب تحقيق الآتي: - توفير الخدمات الصحية. - إعطاء الأولوية للجانب الوقائي. - إعادة ترتيب الخدمات الصحية ونظام تقديمها. - توزيع مقدمي الخدمة للوصف الوظيفي. - الإشراف الجيد. - التأكد من تقديم الخدمة. - دعم صناعة الدواء. المؤشرات المستخدمة لتقييم صحة الأطفال: 1) الوفيات وجد أن وضع وفيات الأطفال في العالم العربي قد حقق نتائج مرضية في خفض هذا المعدل، فلقد انخفض من 156 لكل ألف في عام 1960 إلى 54 لكل ألف عام 2002 وبالرغم من هذا الانخفاض في معظم الدول العربية على امتداد الأربعة عقود الماضية، فإن هذا المعدل لا يزال مرتفعًا جدًّا في بعض الدول بل إنه قد ارتفع في دولة مثل العراق خلال الحقبة الماضية. حيث كان معدل وفيات الأطفال الرضع قد انخفض دون50 في أوائل الثمانينيات ثم عاد للارتفاع إلى المستويات التي كانت موجودة قبل عام 1970. ولقد انخفض معدل وفيات الأطفال الرضع في اثنتي عشرة دولة عربية إلى أقل من 30، وهي: (تونس- سلطنة عمان- السعودية- ليبيا- سوريا- الأردن- الإمارات العربية المتحدة- البحرين- الكويت- لبنان- مصر- الأراضي العربية المحتلة) ، بينما يظل أكثر من 50 في باقي الدول. إلا أن هناك أربع دول يظل معدل وفيات الأطفال الرضع أكثر من 100، وهي: (اليمن- جيبوتي- الصومال- العراق) ، وهي من أعلي المعدلات في العالم النامي. وعمومًا فإن الحالة الاقتصادية تنعكس بصورة واضحة على وفيات الأطفال الرضع، حيث ينخفض هذا المعدل في الدول النفطية ذات الحالة الاقتصادية المرتفعة. أما عن الأراضي العربية المحتلة فانخفاض هذا المعدل يعزو إلى تكاتف الجمعيات الأهلية التي تقوم بتقديم خدمات صحية وتثقيفية في هذا المجال. ولتخفيض معدل وفيات الأطفال الرضع وصغار الأطفال دون الخامسة لابد من اتباع ما يلى: o توفير خدمات الرعاية الصحية الأولية. o تعزيز الحالة الغذائية للطفل، وتشمل: o الإصحاح البيئي: وذلك بتوفير كل مكونات البيئة السليمة، وأهمها توفير مياه الشرب النقية والاهتمام بالصرف الصحي والتخلص الآمن من النفايات وغيرهما. o التثقيف الصحي: ويستلزم ذلك رفع الوعي الصحي. o توفير الخدمات الصحية لكل طفل مع إعطاء الأولوية للخدمات الوقائية (التحصينات) والرعاية الأساسية مع الارتقاء بالمستوي العلمي والتدريبي للقائمين على تقديم هذه الخدمات؛ حتى يتسنى لكل طفل الخدمة المناسبة ذات الجودة العالية. 2) الأمراض المعدية تشكل الأمراض المعدية تحديًا بالغ الصعوبة بالنسبة لمقدمي الخدمة الصحية، وخاصة إذا ما أصابت الأطفال الرضع والأطفال دون الخامسة، حيث تؤدي هذه الأمراض إلى الوفاة أو إلى اعتلال الصحة أو الإعاقة كإحدى المضاعفات. ومن بين هذه الأمراض تشكل الإصابة بالإسهال وأمراض الجهاز التنفسي الحادة تهديدًا للصحة والحياة . 3) التحصينات (التطعيمات ) إن زيادة نسبة التغطية بالتطعيمات الخاصة بالأطفال ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها هي حجر الأساس في الحفاظ على حياة هؤلاء الأطفال. ويمكن القول إنه بدون التحصينات سيموت ثلاثة من كل مائة طفل كنتيجة للإصابة بالحصبة، واثنان نتيجة للإصابة بالسعال الديكي، بينما واحد سيموت لإصابته بالتيتانوس (الكزاز)، وسيكون هناك طفلا معاقا كنتيجة للإصابة بشلل الأطفال والتحصينات تحمي ضد سبعة أمراض رئيسية، وهي :الدفتريا ( الخناق ) - الحصبة - الدرن (السل) - الالتهاب الكبدي ب - التيتانوس ( الكزاز) - السعال الديكي (الشاهوق)- شلل الأطفال. ولقد أدى إتباع غالبية البلاد العربية لبرامج التطعيمات بصورة ناجحة للإقلال إلى حد كبير من خطر هذه الأمراض. 4) الحالة الغذائية تعتبر الحالة الغذائية للطفل من أهم المؤشرات التي تستخدم لتقييم الصحة، ودائمًا ما يصحب التغذية غير المتوازنة كمًّا أو نوعًا الإصابة بالأمراض المزمنة المتعلقة بالغذاء. ولتقييم الحالة الغذائية يجب التركيز على الرضاعة الطبيعية والقياسات الجسمانية ودراسة سوء التغذية نتيجة لنقص العناصر الغذائية الدقيقة. 5) الإعاقة : تعتبر الإعاقة إحدى المشكلات الصحية؛ الهامة نظرًا لما يصاحبها من آثار نفسية ومشكلات اقتصادية واجتماعيه. والإعاقة هي اعتلال جسماني أو عقلي أو الاثنان معًا، بحيث تؤثر على سير الحياة والأنشطة، وقد تكون تكوينية، أي يولد الطفل وهو يعاني منها أو مكتسبة كنتيجة للإصابة بالأمراض أو التعرض للإصابات. وقياس الإعاقة أمر بالغ التعقيد، وكذلك التقديرات الخاصة بها متباينة تباينًا شديدًا، حيث تتوقف على ما يُستخدَم من تعريف للإعاقة وكذلك معايير تصنيفها ونوع الأسلوب المستخدم في المسح. والبيانات المتعلقة بالإعاقة ليست متوافرة، ويصعب الحصول عليها للأسباب السابقة. وبالرغم من معاناة نسبة عالية من الأطفال في العالم العربي من الإعاقة فإن ما يتوفر من معلومات عن حجم المشكلة قليل، وأقل منه المعلومات الخاصة بالخدمات المتوافرة في هذا المجال. 6) توقع الحياة عند الميلاد: توقُّع الحياة هو متوسط عدد السنوات التي سيعيشها الفرد عند ميلاده. ويتم استخدام جداول الحياة لتقدير توقُّع الحياة في أي سنة من عمر الإنسان وتوقع الحياة في الدول المتقدمة أعلي منه في الدول النامية. وتشير البيانات إلى إنه متوسط العمر المتوقع عند ميلاد الطفل في البلاد العربية هو 7ر66 سنة ( 2005 ). ويعد هذا المؤشر في زيادة مقارنة بما كان عليه عام 1995، وهو 3ر62 والحد الأدنى 8ر45 سنة في جيبوتي و5ر76 كحد أعلى في الكويت. ومن الملاحظ ارتباط زيادة توقُّع العمر بارتفاع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والارتقاء بمستوى الخدمات الصحية وزيادة عدد مقدمي الخدمة، وكذلك مستوى الرعاية الصحية التي تُمنَح للأم أثناء الحمل، وكذلك زيادة نسبة التغطية بالتحصينات. المراهقون وحقوقهم الصحية هناك مراحل عديدة يمر بها الإنسان خلال حياته، تبدأ بمرحلة تكوينه مبكرًا داخل رحم الأم (ما قبل الولادة )، مرورًا بمرحلة الطفولة فالمراهقة فالشباب ومن ثم مرحلة الشيخوخة. ولكل مرحلة من هذه المراحل خواصها وإن كانت كل المراحل تتأثر ببعضها البعض . ومرحلة المراهقة هي فترة انتقالية من الطفولة إلى البلوغ والرشد، وهي تقع ما بين سن (10-19 ) ، وهي من أهم مراحل النمو والتطور الفكري والعقلي في حياة الإنسان، حيث تتبلور الشخصية. ويمتد تأثير هذه الفترة مدى الحياة. وتتسم فترة المراهقة بتغير هائل من الناحية البدنية، وكذلك الجانب النفسي، حيث يكتسب الأطفال ما يصل إلى 50 % من كتلة العظام في مرحلة البلوغ، كما أنهم يكتسبون هوياتهم المستقلة . وتتأثر الحالة الصحية للمراهقين بأسلوب الحياة الذي ينتهجونه، بالإضافة للعوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية . ومن الواجب احترام حقوق المراهقين وتمكينهم منها. وهذه الحقوق تتضمن : - الحق في تقرير ذاته ومعرفة هويته (ماذا يمكن أن يصبح وإلى أين يتجه ) . - الحق في احترام الآخرين والوالدين لسلوكه واحترام آرائه . - الحق في ارتكاب بعض الأخطاء البسيطة أحيانًا . - الحق في التمتع بصحة جيدة . وهناك الكثير من الأسباب المتداخلة والتي تجعل من الاهتمام بالمراهقين أمرًا ضروريًّا من أجل: * تقليل الوفيات والإصابة بالأمراض بين المراهقين. * تقليل عبء المرض؛ حيث إن الإصابة بالأمراض المزمنة يشكل خطرًا كبيرًا. * تحقيق الاتفاقية وتطبيق حقوق الإنسان. * حماية الموارد البشرية كرأس مال له قيمة عالية . والمراهقون عرضة للإصابة بأمراض الأطفال ذاتها، وكذلك أمراض البالغين، بالإضافة إلى مخاطر عديدة ذات صلة وثيقة بالبلوغ. كما أن المراهقين لديهم مخاطر واحتياجات صحية تتباين مع السن والنوع وظروف المعيشة كما أنهم لا يميزون حجم الخطورة عند التعرض لمشكلة صحية، ولا يقدرون أهمية البحث عن الخدمة الصحية والعلاج. المؤشرات المستخدمة لتقييم صحة المراهقين 1) الوفيات : طبقًا لجداول الحياة الخاصة بالمراهقين لمنظمة الصحة العالمية فإن معدل الوفيات في الفئة العمرية 9 :19 سنة هو تسعه لكل 1000 من السكان في هذه الفئة العمرية. وعلى المستوى العالمي فإن أهم أسباب الوفاة بين الذكور هي حوادث المرور على الطرق، وبين الإناث فإن المشكلات المرتبطة بالحمل هي السبب الرئيسي للوفيات، كما أن الانتحار من الأسباب الهامة للوفاة بين المراهقين والمراهقات، والبيانات المتاحة والدراسات المعنية بهذا الأمر في العالم العربي ضئيلة جدًّا . 2) الأمراض الطفيلية : تنتشر الأمراض الطفيلية بين المراهقين، وتؤثر هذه الإصابات على النمو، وتؤدي للإصابة بالأنيميا ونقص فيتامين أ . وفي مصر على سبيل المثال تبين أن 46% من المراهقين قد عانوا عدوى الأمراض الطفيلية، والعدوى بطفيل البلهارسيا قد أصابت ما يقرب من نصف الأطفال بين سن الحادية عشرة والعشرين 47% في الوجه البحري (بلهارسيا معوية)، و 14 % من الأطفال بين سن الحادية عشرة والعشرين في وادي النيل جنوبي القاهرة قد أصيبوا بطفيل البلهارسيا البولية (يونسيف 2003 ). 3) سوء التغذية : سوء التغذية هو انحراف عن الحالة الغذائية الطبيعية بالزيادة أو النقص في عنصر أو أكثر من العناصر الغذائية، ولقد أظهرت الدراسات أن التحولات التي طرأت على أسلوب الحياة والوجبات السريعة مشكلة بدأت تظهر في البلاد العربية، وأهم انعكاس لها هو الإصابة بالبدانة، خاصة بين الذين ينتمون للمجتمعات الحضرية ذات الدخول المرتفعة؛ مما يشكل عبئًا على الأفراد والأنظمة الصحية (10 % معرضون لخطر زيادة الوزن، 4 % كانوا زائدي الوزن)، كما أن الإصابة بالأنيميا (نقص الحديد) تصيب نسبة كبيرة من المراهقين، وتؤثر على صحتهم سلبًا. وعلى سبيل المثال في مصر فإنها تصيب ما يقرب من ثلث المراهقين، والإصابة بسوء التغذية بالبروتين والطاقة من المشكلات الهامة التي تؤدي إلى تقزُّم المراهقين، وفي مصر أظهر المسح القومي للمراهقين أن17 % منهم قد تقزَّم. 4) الحمل والأمومة والزواج المبكر: ينتهك الزواج المبكر حقوق التنمية والتعليم والصحة وخاصة بين المراهقات، حيث إن الزواج المبكر والإنجاب يتبعهما مسئوليات تتعلق بالأسرة وإعالة الأطفال وحمايتهم، وكذلك مخاطر هذا الحمل في السن المبكرة قد يقلل من فرص إكمال التعليم أو فرص العمل ومن ثم الحرمان من الدخل، وكذلك عدم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة. وفي مصر أظهر المسح السكاني لعام 2000 أن 9 % من المراهقات بين سن 15: 19 وخمس المراهقات من العمر 19 قد شرعن فعلاً في الحمل، كما أن وفيات الأمهات لأسباب تتعلق بالحمل تزيد نسبتها على الوفيات لأي سبب آخر. 5) التدخين يواجه المراهقون مخاطر صحية بسبب استخدام التبغ، وطبقًا لتقدير منظمة الصحة العالمية فإن نصف عدد المدخنين من المراهقين البالغ عددهم حوالي 300 مليون في العالم سيموتون بأسباب مرتبطة بالتدخين، وطبقًا لاستطلاع رأي أجرى مؤخرًا في سوريا فإن ما يقارب نصف عدد الذكور في الفئة العمرية (15 - 24 ) يدخنون، بينما زادت نسبة التدخين في لبنان بمقدار 150 % بين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 ، 19 سنة في الفترة من 1984 إلى 1993 . أما في مصر فلقد أظهرت نتائج المسح القومي للمراهقين عام 1997 أن 11 % من المراهقين و 0.3% بين المراهقات يدخنون حاليًّا (51) و(52) . 6) السلوك الجنسي : تتعدد المخاطر التي يمكن أن تتصل بالسلوك الجنسي الخاطئ، وعلي ذلك فالفهم السليم يعد أمرًا هامًّا لحماية المراهقين من كثير من المشكلات. وفي دراسة أجريت في مصر ما زال المراهقون على علم ضئيل بموضوعات الجنس والإنجاب ومخاطر فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز ). وأظهر استطلاع رأي آخر في مصر أن 85 % من الفتيات أجبن إجابة غير صحيحة عن سؤال يتعلق بالخصوبة، في سوريا تبيًّن أن 30 % من الفتيات (15 ، 24) لم يسمعن عن نوع واحد من وسائل تنظيم الأسرة. وفي مصر 14% من أكبر الذكور المراهقين سنًّا (16 ، 1) هم الذين يعرفون أن الواقي الذكري هو طريقة لمنع الحمل. الخدمات الصحية للمراهقين : للخدمات الصحية دور هام في حياة المراهقين، حيث من خلالها يتم تقديم خدمات وقائية وعلاجية من شأنها تعزيز الحالة الصحية وعلاج الاعتلال بصوره المختلفة. والخدمات الأساسية للمراهقين طبقًا للمنظمة الأمريكية لتحسين صحة المراهقين يجب أن: - تراقب النمو والتطور . - تحدد وتقيم المشكلات . - تقدم المعلومات والمشورة . - تقدم التحصينات. أما الخدمات الطبية التي يجب تقديمها للمراهقين فتشتمل على ما يلي : - خدمات الصحة العامة للوقاية من : * الدرن * الملاريا *الأمراض المتوطنة * الإصابات والحوادث * أمراض الأسنان - خدمات الصحة الإنجابية. - تقديم المشورة والاختبارات التشخيصية لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) . - علاج العنف الجنسي . - خدمات الصحة العقلية مع تقديم خدمات للحد من استخدام التبغ والكحول . - تقديم المعلومات والمشورة بشأن كل من : الصحة الإنجابية والتغذية والنظافة الشخصية. الوضع الحالي للخدمات الصحية للمراهقين أظهرت الدراسات الميدانية في بلدان عديدة أن الصغار (المراهقين) يمكن اعتبارهم من المحرومين من الخدمات المناسبة كنتيجة لفقر هذه الخدمات وقلة وعيهم أساسًا ، أو كنتيجة لتجمُّع بعض القيود القانونية والبدنية والفسيولوجية والاقتصادية، ومنها: - افتقار المراهقين للمعلومات المناسبة: يفتقر الكثير من المراهقين المعلومات والخبرة التي تجعلهم يميزون بين الأعراض التي تحتاج إلى العلاج عن غيرها، كما أنهم لا يفهمون مدى خطورة هذه الأعراض . - القيود الثقافية والقانونية: يحتاج الصغار إلى موافقة الأهل من أجل البدء في علاجهم الطبي، كما أن خدمات الصحة الإنجابية مثل تنظيم الأسرة وخدمات الإجهاض لها قيودها الخاصة. - القيود المكانية واللوجيستية : قد تبعد الخدمات الصحية عن أماكن إقامة المراهقين، سواء السكن أو الدراسة أو العمل، كما أن الخدمة قد تُقدَّم في أوقات غير ملائمة. - افتقار الخدمات الطبية للجودة: قد لا تتمتع الخدمة الطبية بالمستوى المطلوب من الجودة؛ نظرًا لأن تدريب مقدمي الخدمة قد يكون غير مناسب أو أن مقدمي الخدمة ليس لديهم الحافز لتقديم الخدمة بصورة مناسبة، أو أن جهة الخدمة تفتقر إلى الأدوية والإمدادات. - الخدمة غير الصديقة: يحتاج المراهقون إلى الشعور بالأمان والخصوصية في أثناء تقديم الخدمة لهم، كما أن طول مدة الانتظار والإجراءات الإدارية قد تسبب لهم الضيق أكثر من غيرهم، كما أن مقدم الخدمة غير المرحب بهم والذي لا يصغي لهم جيدًا يؤثر على مجيئهم للخدمة والمتابعة فيما بعد. - ارتفاع التكلفة : إذا لم تكن الخدمات المقدمة للمراهقين حكومية، فإن الخدمات الأخرى قد تكون أسعارها مرتفعة . - الحواجز الثقافية : ثقافة الخجل قد لا تشجع المراهقين على التحدث عن مشكلاتهم الجسدية أو السؤال عن بعض الأمور التي تتعلق بالجنس أو الصحة الإنجابية . وعلى ذلك فيمكن اعتبار المراهقين إحدى الفئات المحرومة من تقديم الخدمة الصحية المرجوة؛ لوجود الكثير من القيود والعوائق باستثناء مَنْ يتلقون تعليمهم المدرسي، ويخضعون لبرنامج الصحة المدرسية أو التأمين الصحي طبقًا لما هو متبع في كل بلد. ويختتم هذا الجزء بخلاصة: فى ضوء التزام الدول بكفالة حق الطفل فى البقاء والنمو إلى أقصى حد ممكن، يتعين مراعاة اكتمال سلامة الطفل جسمانيا ونفسيا واجتماعيا. وجوب الاعتداد بالعوامل المؤثرة في صحة الطفل ومن بينها التغذية السليمة والتنشئة الصحية والإصحاح البيئي وتوفير المياه النقية؛ بالإضافة إلى مكافحة العادات والتقاليد الضارة. حاجة المراهقين "للخدمات الصحية الصديقة" التي تكفل لهم الأمان، واحترام الخصوصية، مع الاستماع إلى آرائهم واحتياجاتهم، وإسداء النصح والتوجيه وتقديم المعلومات العلمية التي تسهم في نمو الطفل صحيا.
ثالثا: الحق في الرعاية الأسرية: تلعب التنشئة الأسرية دورًا أساسيًّا في تشكيل شخصية الأبناء ونموهم النفسي السليم وتنمية قدراتهم العقلية ومهاراتهم الشخصية وتوافقهم الاجتماعي والنفسي. ويتفق علماء النفس الارتقائي على أن المرحلة المبكرة من حياة الأطفال ذات تأثير فارق وأهمية خاصة في حياة الفرد المستقبلية. وتوفر اتفاقية حقوق الطفل إطارًّا قانونيًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا من أجل رعايتهم وحماية حقوقهم، وهي في ذلك تمثل "لائحة حقوق" لجميع الأطفال. فهي تقر بحق كل طفل في تنمية إمكاناته البدنية، والعقلية، والتعليمية، والاجتماعية إلى أقصى درجة ممكنة، والتعبير عن آرائه بحرية، والمشاركة في القرارات الخاصة به، كما تضع أسسا لمعالجة إساءة المعاملة من منطلق تحقيق المصالح الفضلى للأطفال وفيما يتعلق بالتنشئة الأسرية تقدم الاتفاقية بنودا هامة تتناول هذا الجانب بشكل أساسي علاوة على البنود الأخرى التي ترتبط به بشكل ثانوي. ويتناول ذلك الحقوق التالية: 1) حق الطفل في بيئة أسرية ملائمة تؤكد اتفاقية حقوق الطفل على دور الأسرة الرئيسي في تنشئة الطفل ورعايته ، كما تؤكد على أهمية أن ينشأ في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم، كما تؤكد أيضًا على ضمان الاعتراف بالمبدأ القائل إن كلا الوالدين يتحملان مسئولية مشتركة عن تربية الطفل ونموه النفسي والوجداني والانفعالي، وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهم الرئيسي (مادة 18). وتمثل الأسرة النواة الأولى التي ينشأ فيها الطفل. وتشير النتائج البحثية التي أجريت في هذا الصدد إلى أهمية أن ينشأ الطفل في بيئة أسرية ملائمة متفاهمة تقدم له الحب والطمأنينة والإحساس بالأمان. ولا شك أن التصدع الأسري مهما كانت أسبابه يحمل في طياته آثارًا سلبية غاية في الخطورة على ارتقاء الطفل ونموه النفسي والوجداني والانفعالي تبدو في سلوك يتسم بسوء التوافق، ومشاعر غضب، وعدوانية نحو أفراد المجتمع، وربما في اضطرابات نفسية تعوق إمكانية تفاعله تفاعلاً سويًّا مع الآخرين، فيرفض ما يؤمنون به من قيم أو قواعد. ومن هذا المنطلق يبرز أمامنا أطفال في حاجة إلى مزيد من الرعاية، وهم الأطفال الذين يعيشون في أسر غير مواتية نتيجة للشقاق الدائم، والصراع المستمر، كذلك الأسر التي فقدت أحد الأبوين أو كليهما؛ بسبب الوفاة، أو الطلاق، أو الانفصال، أو السفر، أو السجن؛ مما لا يساعد على وجود بيئة أسرية سوية ترعى الأطفال الرعاية الواجبة التي تنص عليها اتفاقية حقوق الطفل. 2) حق الطفل فى معاملة تخلو من الإساءة وتدعو المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تدافع عن حقوق الإنسان, إلى مناهضة ظاهرة الإساءة إلى الطفل، وأصبح ذلك أمرًا أكثر استهجانًا بصدور اتفاقية حقوق الطفل التي تحث في مادتها رقم (19): "الدول الأطراف على أن تتخذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال أو إساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته" . وعلى الرغم من تعدد أشكال الإساءة إلى الطفل، فإن الإساءة النفسية والانفعالية تُعَدُّ من أخطر أنواع الإساءات تأثيرًا على نفسية الطفل؛ حيث يصعب إزالة الآثار المترتبة عليها، خاصة إذا لم يتم معالجتها، فتظل عظيمة التأثير على حياة الطفل ومستقبله. 3) حق ذوي الاحتياجات الخاصة في الرعاية والتأهيل والاندماج في المجتمع: تعرف منظمة الصحة العالمية الإعاقة بأنها: "حالة من القصور أو الخلل في القدرات الجسمية أو الذهنية ترجع إلى عوامل وراثية أو بيئية، تعوق الفرد عن تعلم بعض الأنشطة التي يقوم بها الفرد السليم المماثل له في السن. وترجع الإعاقة إلى عوامل وراثية أو سوء تغذية للطفل أو للأم أثناء الحمل أو للولادات غير الآمنة أو المرض أثناء الحمل أو التدخين أو لزواج الأقارب، كما قد تحدث نتيجة تعرض الطفل لبعض الأمراض، أو الكوارث، أو الحوادث، أو الحروب أو أعمال العنف، أو عوامل ترجع إلى تلوث البيئة، وهي ظاهرة من الظواهر الجسمية أو الحسية أو العقلية ينجم عنها آثار نفسية واقتصادية واجتماعية. وتنص المادة 23 من اتفاقية حقوق الطفل" أن على الدول الموقعة على الاتفاقية ضرورة تقديم بيانات كمية وكيفية عن الأطفال المعاقين في بلدانهم". ومع ذلك فليست هناك حتى الآن بيانات دقيقة عن الإعاقة. ويرجع ذلك إلى أن قياس الإعاقة شديد التعقيد؛ مما يجعل الوصول إلى إحصاءات حديثة أمرًا عسيرًا . كما أن التقديرات الخاصة بالإعاقة تتوقف على ما يستخدم من تعريفات للإعاقة ومعايير تصنيفها، كما تتوقف على الأسلوب المستخدم في جمع البيانات؛ لذا فالتقديرات يمكن أن تتباين تباينًا شديدًا. 4) الحق في تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية . تحث المادة (29) من اتفاقية حقوق الطفل على أن يكون تعليم الطفل موجهًا نحو : "تنمية شخصيته ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها". ويقع هذا العبء في المرحلة العمرية المبكرة على الأسرة في الاعتبار الأول، بالإضافة إلى الحضانة أو بدايات مدرسة التعليم الأساسي. فالأسرة تمثل المحيط الأول الذي يبدأ فيه الطفل حديث السن التعلم . وتعترف اتفاقية حقوق الطفل بالدور الأساسي للوالدين وبشكل أعم للأسرة؛ باعتبارها أول مَنْ يقدم الرعاية والعناية والتوجيه. إلا أنه من الجدير بالإشارة إليه أن هناك بعض القدرات المهمة والسمات الشخصية والمواهب والقدرات تحتاج في المراحل العمرية التالية وحتى تصل إلى أقصى مدى لها إلى رعاية من نوع خاص، حيث يؤدي عدم اكتشافها المبكر وتنميتها مع الوقت في إطار علمي سليم، ووفقًا لطبيعة كل قدرة، ووفقًا للمراحل العمرية المختلفة، إلى أسلوب خاص في التنشئة وإلى تنمية يُتبع فيها أحدث ما وصل إليه العلم. ولا يستطيع القيام بذلك إلا تربويون متخصصون يقومون بهذه المهمة من جهة ، ويوجهون الآباء والمتعاملين مع الطفل إلى الأسلوب الأمثل في رعاية هذه القدرات وتنشئتها من جهة أخرى. وفي النهاية يجدر القول إنه حتى يتحقق تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل وفق ظروف المنطقة العربية؛ لابد من إجراء متابعة على فترات متقاربة كل عام أو عامين على أكثر تقدير - من خلال آليات للمراقبة تتواجد في كل دولة عربية تقوم بتقييم مدى التقدم الذي أحرزته كل دولة ورصد نواحي القصور في تنفيذ الاتفاقية، فمن شأن تلك اللقاءات التشاورية تبادُل الخبرة وتعديل السياسات الموضوعة وتحديثها وفقًا للمستجدات الحديثة، على أن يشارك في ذلك المنظمات الحكومية والمجتمع المدني والمتخصصون في مجال الطفولة المبكرة، بحيث تتعاون معًا لتكوين نظرة عصرية تعين الأسر والقائمين على رعاية أطفال هذه المرحلة؛ لكي يبدأوا حياتهم أفضل بداية ممكنة .
رابعا: الحق في التعليم والثقافة: بعد أن تحول صراع الإنسان مع الطبيعة إلي صراع مع أخيه الإنسان علي الثروة والنفوذ، نشأت الحروب والصراعات ،وأنتج العقل الحداثي البرجماتي حروب عالمية مدمرة لبني البشر، وجاءت بنى مؤسسية دولية تستهدف تهدئة الصراع -بدون أن تلغيه- من خلال عهود ومواثيق تبلورت عبر تراكمات تاريخية ظلت تناضل من أجل إعلاء قيم الحقوق والواجبات ،في مقدمتها قيم ومبادىء الحرية والإخاء والمساواة والإنصاف، في مواجهة التوجهات التي تنصب حول مصالح الأقوى الذي لا يأخذ في اعتباره مصالح الآخرين . ومرت أجيال حقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية بثلاثة مراحل الجيل الأول عني بالحقوق الفردية والمدنية، والثاني ركز علي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وركز الجيل الثالث علي نوعية الحياة وخاصة ما يتعلق بالبيئة والتنمية البشرية. ومرت هذه الحقوق بمراحل التعريف بالحق والإعلان والنفاذ وآليات التنفيذ ووصلت إلي مرحلة الحماية حيث تأطير نصوص وعقوبات ضد مرتكبي الانتهاك لحقوق الإنسان الطبيعية التي تتجاوز حدود التنظيم الاجتماعي ومصالح من يقود التنظيم . وتؤكد المؤسسات الراعية لحقوق الإنسان في العالم أن القيم والمبادىء المبلورة لحقوق الإنسان تنتهكها المصالح ، وبمعنى أخر يسود منطق المصلحة والعلوم السياسية علي منطق علم الأخلاق الذي يدور حول القيم وفكرة الواجب وما ينبغي أن يكون. ويقع بعض الباحثين في شراك المنطق الصوري الشكلي حيث يتم عزل الإنسان- الطفل/الأنثى/الذكر/الرجل/المرأة/المسنين/الشباب - عن الشرائح الاجتماعية الاقتصادية التي ينتمي إليها الإنسان حيث يتم تناول قضاياه سوسيولوجيا بمعزل عن السياق الذي يتواجد فيه هذا الإنسان، وقد لا يؤخذ في الحسبان أن الحقوق مرت بأجيال وإعمالها يتطلب المزج التكاملي بينها ويتطلب وضع الفرد في السياق والوسط الاجتماعي الاقتصادي الذي توجهه سياسات ومصالح من يقود التنظيم الاجتماعي . ومع عدم النظر إلي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وإلي نوعية الحياة التي بلورها الجيلين الثاني والثالث لحقوق الإنسان أتسمت بعض فعاليات حقوق الإنسان بالفردية والشكلية حيث الناس جميعا سواسية وجميع الأطفال لهم حقوق طبيعية في الحصول على فرص متساوية مع أقرانهم ولكنهم نتيجة انتمائهم إلى أباء ينتمون إلى شرائح اجتماعية تقع في أسفل سلم التدرج الاجتماعي لا يستطيعون الحصول على حقوقهم، في الوقت الذي نجد فيه المطالبات الحقوقية تتبنى التوجه الفئوي الذي تزايد في سياق العولمة والذي يقسم المجتمع إلى أطفال ونساء ومسنين وذوى احتياجات خاصة وشباب وفتيات كل فئة نتيجة بعض خصائصها أصبحت معلقة في فضاء مجرد من السياق والوسط الاجتماعي الذي توجد فيه، وتظل دعوات كفالة حقوق كل فئة حبيسة البحوث والمنتديات. وعندما ترى النص عليها في التشريعات الدولية والمحلية تصطدم بأن كل فئة غير منعزلة عن الشريحة التي تنتمي إليها، وربما كان إشباع احتياجات وكفالة حقوق تلك الفئة يرتبط بإشباع احتياجات وكفالة حقوق الفئات الأخرى داخل الأسرة التي تنتمي إليها تلك الفئة، وعلى سبيل المثال تؤكد الدراسات العربية والأجنبية وجود علاقة ذات دلالة إحصائية موجبة بين المستوى الاجتماعي الاقتصادي الثقافي للأسرة وبين التحصيل الدراسي، وبين درجة تعليم الأم العربية وبين معدلات التحاق البنات بالمدرسة، بل وخفض معدلات وفيات الأطفال. وإن كان ذلك كذلك فما العمل ؟ الإجابة: مزيد من العمل ولكن كيف وما المنهجية؟ المنهجية تنطلق هذه المنهجية من المعايير والمستويات المقررة دوليا في ثقافة حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق الطفل بصفة خاصة وفى المواثيق الدولية الأخرى التي ترتبط بمجال الدراسة الحالية، وتعتمد على رؤية ذات بعد موضوعي تأخذ في اعتبارها الحقوق الطبيعية للإنسان ومصلحة الطفل الفضلى كمعيار لاتخاذ القرارات بوصفه مشروع راشد متمكن من الإسهام في استدامة التنمية كواجب يتطلب حصوله على حقوقه الأساسية المتكاملة فيما بينها وفيما بين حقوق أسرته التي هي الوحدة الأولى الأساسية لبناء المجتمع (مادة18: الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل، مادة 38 الميثاق العربي لحقوق الطفل، مادة 15: البرتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان 1988، والمادة6: الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان1948 . وهذه الحقوق على الرغم من إقرارها في مواثيق معظم الدول إلا أنها أصبحت متجاوزة حدود الثقافات في معظم المجتمعات، كما أصبح تعبير الحقوق بديلا عن منهجية الإحسان، وأن واقع إعمال هذه الحقوق تتسم بالشكلية حيث المساواة أمام القانون بدون الامتداد إلى واقع اللامساواة وآليات تفريغ الحقوق من مضمونها، وتؤكد المنهجية هنا على التكامل بين كافة الحقوق وعلاقة التعاضد فيما بينها وعلى سبيل المثال فإن حق النماء بالنسبة للطفل يرتبط عضويا بحقه في الحياة وحقه في الرعاية الصحية والطبية والتعليمية والثقافية ، حتى يصبح له وجود حقيقي بالفعل، وحتى تصبح حياته لها معنى لابد من تنميته وتعزيز رفاهيته الاجتماعية والروحية والمعنوية وصحته الجسدية والعقلية، وتنمية قدراته حتى يتمكن وهو راشد من القيام بواجباته وبأدواره الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وهذا يعني أيضا أن الحقوق مرتبطة بالواجبات ، وإذا كانت المواثيق الدولية والوطنية تؤكد على حقوق الطفل فإن كفالة تلك الحقوق يرتبط ويتكامل مع حقوق الوالدين (المرأة و الرجل) داخل الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية لبناء المجتمع العربي التي تتعهد الطفل بالتوجيه والرعاية والتنمية وعلى سبيل المثال فإن حق الطفل في النماء يرتبط عضويا بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لأسرته، كما يرتبط بالسياسات الاجتماعية المرتبطة بالسياسات الاقتصادية الموجهة بفلسفة المجتمع ودرجة تقدمه وطبيعة بنيته الاقتصادية الاجتماعية ذلك لأن المساواة في الحصول على الحق في التعليم يرتبط بدرجة المساواة بين الشرائح الاجتماعية وبالمستوى الاجتماعي الاقتصادي الثقافي لأسرة الطفل. ويأتي في مقدمة الأطراف المنوط بهم كفالة حقوق الطفل الدولة كما جاء ذلك التأكيد في اتفاقية حقوق الطفل في المواد 3- 4 - 6- 12- 14 - 17 - 19 - 20 -23 - 27 - 28 - 29 وعلى الرغم من الطابع العالمي لحقوق الطفل المتجاوز لحدود الدول، إلا أن إعمال هذه الحقوق وكفالتها يتطلب وجود قوى وفاعلين اجتماعيين لتبني تفعيل تلك الحقوق في المجتمعات التي تفرغ هذه الحقوق من مضمونها. ويمكن أن تقوم منظمات المجتمع المدني بهذا الدور من خلال التوعية بهذه الحقوق والتأكيد على حق الطفل في إشباع حاجاته الأساسية التي أقرتها وثيقة حقوق الطفل، وتكوين جماعات ضغط لتوفير الاحتياجات وكفالتها، وحماية الطفل من الاستغلال وكافة الانتهاكات البدنية والذهنية إلى جانب تأكيد حق الطفل في المشاركة وحرية التعبير والفكر والضمير تفعيلا لوثيقة حقوق الطفل ومختلف الوثائق الأخرى التي أقرت تلك الحقوق وانطلاقا من أن الظروف والبنية الاجتماعية الاقتصادية يمكن أن تؤثر على الوعي إلا أن الوعي بدوره يمكن أن يؤثر في البنية وفى توجهات الفاعلين، ومن هنا تنطلق الرؤية والمنهجية الحالية من محاولة إنضاج الوعي العلمي والتنموي بحقوق الطفل المتضمنة في الإعلان العالمي الخاص بحقوق الطفل التالية: الحق في الحياة، والحفاظ على الهوية، والاسم والجنسية، وحرية التعبير والفكر والضمير والتدين، وحق الانتساب للجمعيات، وحياته الخاصة، والحصول على المعلومات المناسبة لسنه والحماية ضد أشكال التمييز، وضد الاعتداء عليه والإهمال، والتبني للطفل المحروم من الأسرة، وحق المعوق في الرعاية الخاصة والتعليم والتدريب، والحصول على أعلى مستوى من الصحة والرعاية الطبية، والاستفادة من الضمان الاجتماعي، والحق في مستوى معيشي يتلاءم مع نموه، وحقه في التعليم يستهدف تطوير شخصيته وتنمية مواهبه وقدراته لإعداده لحياة راشدة، وحقه في أوقات الفراغ والتسلية والأنشطة الثقافية، وحقه في الحماية من ممارسة أي عمل يهدد صحته وتعليمه ونمائه، والحماية من تعاطي المخدرات والتورط في إنتاجها وتوزيعها، والحق في الحماية من الاعتداء الجنسي، والمتاجرة بالطفل وحمايته من كافة أشكال الاستغلال، والحماية من التعذيب والحرمان من الحرية، وعدم الانخراط في النزاعات المسلحة مع توفير الرعاية التأهيلية لضحايا النزاعات المسلحة أو التعذيب أو الإهمال وسوء المعاملة، وينبغي ما أمكن تجنب الإجراءات القضائية وتحويله لمؤسسات الإصلاح مع ضرورة تطبيق المعايير الأفضل للطفل. وغنى عن البيان أن هذه الحقوق مرتبطة بحاجات الطفل وعلى سبيل المثال فإن إشباع الحاجات الأساسية الحيوية كالحب والأمن وإثبات الذات يحتاج إلى مناخ متفهم صديق يثق به، وتأكيد ذاته يرتبط بحاجته إلى اكتشاف العالم المحيط به، وإحساسه بقوة تأثيره في الآخرين يرتبط بمقدار أهميته بالنسبة لهم، وحاجته إلى التمثل التماهي التي تقوده إلى نموذج يحاكيه ترتبط بمدى إمكانات المجال والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل في توفير النموذج الملائم الذي يحاكيه، وتتوقف درجة تحمل المسئولية والتمييز بين نزعاته الخاصة وإغراءات العالم الخارجي على المناخ الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل، واكتساب المعرفة والنجاح أو الفشل المدرسي له علاقة بالقصور العاطفي الذي قد يعاني منه الطفل. ومن البديهي أن إشراك الأطفال في صناعة القرارات والمطالبة بالحقوق التي تتعلق بمصيرهم تتطلب تزويدهم بمهارات وبقدرات تؤهلهم للقيام بتلك الأعمال. خامسا: الحق في المشاركة: تتبنى هذه الورقة تعريف روجر هارت للمشاركة باعتبارها "عملية الاشتراك في القرارات التي تؤثر في حياة الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه، فالديمقراطية حق أساسي للمواطنة" وتستعرض حق الطفل في المشاركة والتعبير عن رأيه كمبدأ عام في اتفاقية حقوق الطفل وفي نفس الوقت تقدم مجموعة الحقوق الواردة فيها: الحق في حرية التعبير، حرية الفكر والوجدان والدين، حرية تكوين الجمعيات والاجتماع السلمي، الحق في الخصوصية، إمكانية الحصول على المعلومات، الحق في تعليم يعزز حقوق الإنسان، المشاركة بحرية في الحياة الثقافية والفنون، حق مشاركة الطفل المعاق، وتحدد مسئولية الوالدين والدولة في أن تكفل بقاء ونمو الطفل إلي أقصى حد ممكن و أن تحترم قدرات الأطفال و أن تحمي الأطفال من كافة أشكال الضرر أو الإساءة أو الاستغلال. ومن أجل فهم أفضل لقدرات الطفل علي المشاركة، نقدم إطار نظري متكامل لنمو وارتقاء الطفل في علاقته بالمشاركة حيث تؤكد أغلبية الدراسات الحديثة مقدرة كل طفل Child competence علي المشاركة وممارسة حقوقه. وتتحدد طبيعة و درجة المشاركة بمقدار معرفة ومهارات الطفل، وكلما نمت هذه القدرات، تدعمت درجة وطبيعة مشاركة الطفل وممارسته لحقوقه. وعملية الانتقال هذه للممارسة الحقوق، تتطلب - حسب بعض الباحثين - الاعتراف بمفهوم الاستقلالautonomy للطفل كفرد، كمفهوم أساسي للديمقراطية. ويقودنا هذا إلي العوامل التي تؤثر في مشاركة الأطفال: التطور الانفعالي الاجتماعي للطفل، الوضعية الاقتصادية الاجتماعية للأسرة، وضعية المواطن في المجتمع، الأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة في المجتمع الثقافة السائدة في المجتمع. فالتطور الانفعالي الاجتماعي للطفل مرتبط بمفهوم الطفولة والعادات والتقاليد والأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة، أي الثقافة بمعناها الأنثربولوجي مرتبطة بدورها بالأوضاع الاقتصادية و السياسية. ثم ننتقل إلي الجانب العملي التطبيقي، حيث نقدم درجات مشاركة الأطفال، وكيفية برمجة مشاركة الأطفال في إطار المنهج الحقوقي علي مستويين: الأول بشكل مباشر يدعم ممارسة المواطنة الديمقراطية كالانضمام إلى آلية أو إطار منظم في ظل وجود بنية مؤسسية كالجمعيات الأهلية، والثاني من خلال البرامج المختلفة المعنية بالأطفال، حيث نقدم قائمة عملية لدمج مبدأ مشاركة الفتيات والفتيان. وأخيراً نستعرض دراسة حالة تتمثل في مشاركة الأطفال العرب في الاجتماع الإقليمي لدراسة الأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال. وتخلص الورقة إلي إن مشاركة أصحاب الحق وهم الأطفال هي الضمان الحقيقي لكفالة حقوقهم. سادسا: حق الطفل في الحماية: تتسم نظم الحماية في الدول العربية بخصائص وسمات متشابهة من بينها: محدودية التدخل في شئون الأسرة: فتنشئة الطفل أمر تختص به الأسرة دون تدخل من الغير, وجرى العمل على محدودية تدخل الدولة في هذا الشأن. وقد يكون هذا التوجه محمودا في كثير من الأحيان, إلا أن إعمال هذا المبدأ - على إطلاقه - يحد من إمكانية تدخل الدولة عندما يكون التدخل واجبا, مثل الحالات التي تتعرض فيها الأسرة للتصدع أو تعجز عن الوفاء بمسؤولية تنشئة الطفل وتربيته. والملاحظ أن أجهزة الدول- في بعض الدول- تتدخل في حالات قليلة من خلال مبادرات لعلاج الآثار التي يتعرض لها بعض الأطفال نتيجة لإساءة أو استغلال يقعون ضحية له.غير أن هذا التدخل يكون تاليا لوقوع الضرر أو الإساءة أو الاستغلال, ويكاد ينعدم اتخاذ تدابير وقائية لحماية الأطفال من العوامل والظروف السلبية التي قد يتعرضون لها. وتتضمن هذه الدراسة تحليلا لأوضاع فئات عديدة من الأطفال الذين يتعرضون لأشكال مختلفة من الأخطار والأضرار التي تلحق بالأطفال في العديد من الدول العربية. وتبرز الدراسة قصور نظم الحماية بصفة عامة في الدول العربية, وتشير الدراسة إلى مثالين: 1) إقصاء فئات من الأطفال من الحماية تنص تشريعات العمل في عدد من الدول العربية- من بينها مصر وسوريا- على استبعاد فئات من الأطفال العاملين من حماية قانون العمل. ومن بين الفئات المستبعدة: الأطفال العاملين في الخدمة المنزلية, والأطفال العاملين في المجال الزراعي, والأطفال العاملين في مشروعات أسرهم. 2) الحرمان من الحقوق الأساسية ويشير تحليل أوضاع الأطفال الذين ينخرطون مبكرا في سوق العمل, إلى انتمائهم إلى فئات هشة في المجتمع وإلى أن اتجاههم إلى العمل في سن مبكرة- وفي ظروف صعبة - ينتج عن حرمانهم من حقوقهم الأساسية: فالأطفال محرومون عادة من مستوى معيشة ملائم ( مادة 27 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل), ومحرومون من تعليم جيد يراعي احتياجاتهم وينمي قدراتهم (مادة 28 من الاتفاقية), ويحرمون من الرعاية الصحية (مادة 24 من الاتفاقية), ولا توفر لهم الحماية من مخاطر العمل (مادة 32 من الاتفاقية). قصور حماية أطفال الشوارع: بسبب غياب الحماية الاجتماعية, تنتشر ظاهرة أطفال الشوارع في العديد من المجتمعات العربية. فقد تزايدت الضغوط الاقتصادية على الفئات الهشة في بعض الدول العربية, وارتبط ذلك بتفكك بعض الأسر, كما أسهم في الظاهرة تدني نظم التعليم وارتفاع تكلفته بالنسبة للفئات محدودة الدخل وقلة عائد التعليم وندرة فرص العمل المتاحة. وارتبطت الظاهرة في بعض الدول العربية بالنزاعات المسلحة. ومع قلة الجهود المبذولة للوقاية من ظاهرة أولاد الشوارع, اتسمت الجهود المبذولة لمواجهة الظاهرة والسعي إلى علاج أوضاع الأطفال, بطابع قانوني وتقليدي يعجز عن مواجهة المشكلات الاجتماعية المسببة للظاهرة. وقد اتجهت بعض الدول إلى تجريم تشرد الأطفال, وذهبت دول أخرى إلى اعتبار هؤلاء الأطفال معرضين للانحراف. وفي الحالتين يتم القبض على الأطفال, ويحجزون بأقسام الشرطة, ويحولون إلى النيابة العامة, وإلى محكمة الأحداث. وفي كثير من الأحيان يقضى بإيداعهم بدور للأحداث, تعوزها الإمكانات والمهارات. وفي جميع الأحوال لا تقدم للأسرة الدعم أو التوجيه أو المساعدة. وتشمل الدراسة تحليلا لأوضاع فئات أخرى من الأطفال الذين يواجهون ظروف صعبة. ويفصح التحليل عن الحاجة لتحديث نظم حماية الأطفال في معظم الدول العربية. نموذج الحماية في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل: تتبنى الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل رؤية محددة و منشورة لكافة حقوق الطفل, بما في ذلك الحقوق المعنية بحماية الطفولة. فقد جاءت الاتفاقية الدولية ببنيان متماسك لحماية الأطفال من كافة العوامل والظروف التي تعرضهم للضرر أو الإساءة أو الاستغلال. و ينبني نموذج الحماية في الاتفاقية على الأسس التالية: تعتبر الأسرة البيئة الطبيعية لنمو ورفاهية الأطفال. تقع على عاتق الوالدين المسئولية الأولى عن تربية الطفل ونموه. على الدول أن تقدم المساعدة والدعم للوالدين في الاضطلاع بمسئولية تربة الطفل. ويشمل نموذج الحماية الذي تنشره الاتفاقية ثلاثة أبعاد: 1- حماية شخص الطفل من كل أشكال الضرر والإساءة والاستغلال. 2- حماية الطفل من كافة العوامل التي تحول دون تمتعه بحقوقه الأساسية. وتفصح البحوث عن وجود ارتباط قوي بين حرمان الأطفال من حقوقهم الأساسية وبين تعرضهم لكل الظواهر السلبية, مثل الانحراف والانخراط المبكر في سوق العمل, والتعرض للعنف والإساءة. 3- ويكتمل نموذج الحماية بما تقرره الاتفاقية الدولية من وجوب التزام الدولة بدعم إمكانات وقدرات الأسر للاضطلاع بمسئولية تنشئة الطفل وتربية. ولا يكتمل نموذج الحماية إلا بإنشاء آلية تقام على مستوى المجتمع المحلي لتوفير الحماية وتقديم الرعاية والدعم بأسلوب متكامل للأطفال المعرضين للخطر مع تقديم الدعم لأسرهم. دينا حسين الظاهر، اختصاصي أول مشاريع في المجلس العربي للطفولة والتنمية، (المجلس العربي للطفولة والتنمبة يصدر كتاب "المنهج التكاملي لكفالة حقوق الطفل") |