فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

أثر الطلاق على البنية النفسية للطفل

الكاتب : رضى الحمراني

القراء : 11070

أثر الطلاق على البنية النفسية للطفل

رضى الحمراني

    لقد ركز القرآن الكريم في مواضع كثيرة، على السبب الرئيسي الذي أهلك الأمم والشعوب السابقة، ألا وهو الشقاق والفرقة، والحكمة في ذلك أن الله - عز وجل- أراد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، أن تستخلص العبرة من هذه الآفة حتى لا تقع فيها، قال سبحانه وتعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُواْ) (آل عمران: 103)، لقد أمر رب العالمين في هذه الآية، عباده المسلمين بالتزام الجماعة ومن مظاهرها الزواج، ونهاهم عن الفرقة ومن تجلياتها الطلاق(1).
     إن وعي الشيطان وإدراكه لعظمة الفتن الناجمة عن الفراق بين الزوجين، جعله يمدح المختصين من أعوانه بتشتيت شمل الأسرة، ويتضح ذلك جليا في الحديث النبوي الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس، فأدناهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، ويجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئا، أو يجئ أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، قال فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول: نِعْمَ أنت)(2). إن أقرب المقربين للشيطان إذن، هم أشدهم نيلا من وحدة الأسرة، لأنها فتنة تؤدي بالضرورة إلى النيل من وحدة الأمة الإسلامية.
    من هذا المنطلق، شعرت بواجبي كباحث لإنجاز دراسة إكلينكية أبين من خلالها، سبق القرآن والسنة إلى التنبيه لخطورة هذه المعضلة الاجتماعية، فالطلاق قد يكون في بعض الأحيان حلا لخلافات زوجية لا يمكن علاجها إلا به، لكنه في أحيان كثيرة فتنة، ينبغي أن نستشعر أضرارها اللاحقة بضحايا لا ذنب لهم في هذه القضية وهم الأبناء، الذين يمثلون رمز وحدة الأسرة ومستقبل نهضة الأمة.

1 ـ تحديد مفاهيم الدراسة
لقد أنجز هذا البحث، سنة 1412هـ الموافق لعام 2000م بجامعة محمد الخامس في مدينة الرباط بالمغرب، وعنوانه: (الحرمان العاطفي وعلاقته بالاضطرابات النفسية العضوية لدى أطفال الطلاق)، وتحاول هذه الدراسة الجواب على سؤال مركزي وهو: كيف يولد الحرمان مثل هذه الاضطرابات لدى الطفل في حالة فراق والديه؟
 
الحرمان العاطفي:
يعني هذا المفهوم في الاصطلاح النفسي، معاناة الإنسان الناتجة عن غياب الأسباب الضرورية لتلبية حاجاته ورغباته النفسية، والمقصود بالحرمان العاطفي هذه الدراسة، هو فقدان الطفل لرعاية وحماية والديه بعد الطلاق.
 
الاضطرابات النفسية العضوية:
هي أعراض مرضية تلحق بعض أعضاء الجسم، ويكون السبب في نشأتها ليس عضويا، بل مصدره صراعات ومشكلات نفسية، فشل المصاب في التعبير عنها لغويا، فلجأ إلى تفريغ هذه الانفعالات في شكل اضطرابات جسدية.
إن موضوع هذه الدراسة، يتناول الاضطرابات النفسية العضوية التي تصيب أطفال الطلاق، كالاضطرابات الغذائية والجلدية واضطرابات النوم إلى غيرها من الأعراض الأخرى، سواء كانت مؤقتة أو مزمنة.
 
2 ـ منهجية وعينة البحث:
اعتمدت في هذه الدراسة على المنهج الإكلينيكي، الذي ينبني على التحليل المعمق لشخصية الفرد، لذلك يكون عدد الحالات المدروسة محدودا، وقد وظفت تقنيات متعددة ومتنوعة، حتى أقترب ما أمكن من المقاربة الشمولية للموضوع، عبر استعمال الأدوات التالية: المقابلة النصف موجهة، الملاحظة الإكلينيكية، الاختبارات الاسقاطية سواء منها التي تشخص بنية الشخصية كالرورشاخ (Test Rorschach)، أو تلك التي تدرس طبيعة العلاقات التفاعلية التي ينسجها الفرد مع الآخرين، كاختبار تفهم الموضوع (Children Apperception Test).
أما فيما يخص عينة البحث، فتتكون من ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين سن السادسة والثالثة عشر، تمت دراسة حالاتهم خلال سنة كاملة، بالجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية غير مستقرة بمدينة الرباط، وبالموازاة مع الدراسة التشخيصية والتحليلية لمشكلاتهم النفسية، اعتمدت برنامجا علاجيا، استخدمت من خلاله عدة وسائل علاجية كالتعبير عن المعاناة النفسية بوسائل شفوية كالحوار ورمزية كالرسم، كما أشركت أسر الحالات في المشروع العلاجي، بالإضافة إلى التعاون مع فريق متعدد الاختصاصات داخل الجمعية مكون من: مربين، أخصائيين اجتماعيين ونفسيين ومدرسين لتتبع تطور الأطفال خلال فترة الدراسة.
 
3 ـ حدود البحث:
تتناول هذه الدراسة، نوعا محددا من الانعكاسات السلبية للحرمان العاطفي على أطفال الطلاق وهي الاضطرابات النفسية العضوية، ولا يَدَّعي البحث بذلك أن هذه الأعراض هي رد الفعل الوحيد لكل طفل يعاني من مشكلة الفراق بين والديه، بل تتنوع ردود أفعال الأطفال حسب طبيعة شخصياتهم، وتبعا لنوعية الصراعات التي يعيشونها داخل محيطهم الأسري.
 
4 ـ دراسة حالة نموذجية:
التعريف بالحالة
أ. م: طفل يبلغ من العمر ثلاثة عشر سنة، ينحدر من أسرة فقيرة مكونة من أب يشتغل خادما لدى أسرة غنية، وأم ربة بيت. انفصل والدا الصبي وهو ابن سنتين، والسبب في ذلك راجع إلى إهمال أبيه لمسؤولياته العائلية بعد أن طرد من عمله لإدمانه المزمن على شرب الخمر.
بعد الطلاق، استقرت الأم برفقة ابنها في منزل والديها، واضطرت للعمل خارج البيت حتى توفر ضروريات الحياة، لكنها لم تتمكن من الاستمرار في رعاية طفلها، لذلك تركته في بيت جديه وعمره آنذاك عشر سنوات، لتتزوج برجل مسن يملك ثروة لا بأس بها.
بعد مرور سنة على زواج الأم، ظهرت على الطفل اضطرا بات جلدية (Eczéma) في عدة مناطق من جسمه، ولم يتماثل هذا العرض المرضي للشفاء، رغم خضوع الحالة للعلاج بالأدوية لفترة تجاوزت ستة أشهر، وقد لاحظ المربون المشرفون على تتبع الحالة أن فشل العلاج يعود إلى تلذذ الطفل بحك المناطق المصابة، لكننا لمسنا جميعا بعض التحسن على مستوى هذا الاضطراب خلال فترة المعالجة النفسية.
بالإضافة إلى الأعراض السابقة الذكر، كان أ. م يتميز بشراهة مرضية عند تناول الأغذية (Boulimie)، وقد علق على هذا الاضطراب بقوله: (إن كثرة الأكل تملأ بطني وتشعرني بالسعادة). بالموازاة مع هذا الاضطراب النفسي العضوي، لاحظت تشبث الطفل بممارسة بعض العادات التي تنتمي إلى المرحلة الرضيعية، كمص الأصبع (إبهام يده اليمنى) رغم أنه بلغ من العمر ثلاثة عشر سنة.
 
تحليل الحالة
خلال السنتين الأوليين من عمره، عانى الطفل من حرمان مادي ومعنوي، ناتج عن إهمال الأب لمسؤولياته تجاه الزوجة والابن بسبب تعاطيه الخمر، وقد أدى هذا العامل إلى اهتزاز الاستقرار العائلي بشكل تدريجي، فقد أثر أولا على التوازن النفسي للأم، ثم انتقل هذا الاضطراب من خلالها إلى الابن، وقد بين علماء النفس في هذا الإطار أن الطفل في مرحلة الرضاعة، لا يكتفي بالغذاء البيولوجي المتمثل في حليب أمه، بل يتشرب أيضا الإيماءات الرقيقة والمشاعر الدافئة التي تبدو على وجهها وهي تداعبه أثناء الرضاعة(3).
إن غياب هذا الغذاء النفسي، هو ما أفسد على الحالة المدروسة شهية الأكل، فالطفل يمتص الحليب من ثدي أمه ثم يتقيؤه، لعدم شعوره بالعطف والحنان المصاحبان لعملية الإرضاع البيولوجي، وحرمانه العاطفي هذا ناجم عن التوتر النفسي الذي عانت منه الأم من جراء المشكلات التي عاشتها في علاقتها بالأب.
إن شدة المشاعر السلبية التي تلقاها الطفل من أمه، جعلته لا يكتفي بتفريغ هذه الانفعالات عبر الاضطرابات الغذائية (التقيؤ) بل تجاوزها إلى تعابير نفسية عضوية أخرى وهي اضطرابات النوم، مما يدل على أنه كان يشعر بالفقدان التام للطمأنينة والسكينة النفسية، في ظل أجواء أسرية ملبدة بسحب المشكلات الزوجية(4).
بعد انفصال الوالدين، عانى الطفل من نوع آخر من الحرمان لمدة ثمان سنوات، وهو افتقاده لأمه بسبب غيابها عن البيت وتركيزها على كسب لقمة العيش، وهذا ما يفسر لماذا كان أ. م يتناول الأغذية بشراهة غير عادية، فحسب الدراسات النفسية المنجزة حول موضوع الاضطرابات الغذائية(5)، تبين لي أن الطفل يملأ بطنه بالأكل ليعوض الشعور المؤلم بالفراغ العاطفي الذي يعاني منه، وهذا ما يبين من جهة معنى قوله: (إن كثرة الأكل تملأ بطني وتشعرني بالسعادة)، ويوضح من جهة أخرى العلة في الاختيار اللاشعوري للاضطرابات الغذائية، كوسيلة للتعبير عن توتراته النفسية لارتباطها بالفم، وهو مصدر إشباع الحاجات البيولوجية بامتياز في مرحلة طفولته الأولى، التي ذاق فيها أقصى مظاهر الحرمان وهو رضيع.
يتجلى مما سبق أيضا السر في عدم تخلص الطفل من عادة مص الأصبع، رغم بلوغه سن الثالثة عشر، لأن تعاقب مظاهر الحرمان التي عاشها دون أن يفهمها، أدى إلى تراكم هذه التجارب المؤلمة، لتشكل حواجز نفسية منعته من تحقيق نموه النفسي بالموازاة مع نموه الجسمي، لذلك كان أكثر قربا من التعبير بلغة جسدية سطحية، وأكثر بعدا عن تفريغ انفعالاته في قالب لغوي منطوق، يساعده على فهم معاناته وبالتالي تجاوزها.
إضافة لكل هذا، فقد تعمق شعور الطفل بالحرمان العاطفي لاضطراب صلته بأمه بعد زواجها الثاني، مما انعكس عليه في شكل أعراض جلدية Egzéma. لقد أكد الخبراء في مجال العلاقة الثنائية بين الطفل وأمه، أن الرعاية النفسية الأمومية تكسب الطفل قوة نفسية تعزز مناعته الجسمية ضد الأمراض العضوية(6). لكن الطفل موضوع الدراسة ونظرا لضعف تنشئته الاجتماعية التي تلقاها، اختل توازنه النفسي فصارت مناعته الجسمية عموما والجلدية خصوصا، هشة ومعرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية العضوية.

نتائج البرنامج العلاجي
لقد ركزت في المشروع العلاجي لحالة أ.م، على ثلاثة أهداف رئيسية:
أولا: تدريب الطفل على استعمال وسائل تعبيرية سوية عن معاناته النفسية، كالتعبير الشفوي (الحوار) والتعبير الرمزي (الرسم)، حتى يتخلص تدريجيا من التعابير المرضية التي تعود عليها.
ثانيا: عملت مع الفريق المشرف على تتبع الحالة، بتنظيم زيارات تجمع الأم بطفلها في فضاء الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية غير مستقرة، لإذابة التوتر الذي خيم على العلاقة بينهما منذ زواجها الثاني.
ثالثا، حاولنا إدماج الطفل في بيت زوج أمه، بعد إقناع هذا الأخير بالظروف النفسية التي مرت منها الحالة المدروسة، ليساهم بدوره كبديل للأب في إنجاح البرنامج العلاجي.
إن هذه المجهودات العلاجية، لم تؤد إلى شفاء الطفل من الاضطرابات النفسية العضوية التي يعاني منها، لكنها مكنت على الأقل من التخفيف من حدتها.
 
5 ـ توصيات البحث:
·  على المتزوجين والشباب المقبل على الزواج، الرفع من رصيد ثقافتهم الدينية والنفسية المرتبطة بشؤون الأسرة، حتى يعبدوا الله على علم في حياتهم الأسرية.
·  ينبغي للمؤسسات المهتمة بالشأن التربوي في مجتمعاتنا الإسلامية، عقد دورات تكوينية للشباب، لا تكتفي فيها ببيان الشروط الشرعية والنفسية الضرورية لنجاح مشروع بناء الأسرة المسلمة، بل تعرض بالإضافة إلى ذلك تجارب واقعية سواء الناجحة منها والفاشلة على وجه الخصوص وتطرحها للنقاش، لأن التجربة الصحيحة تتحقق بالاستفادة من التجارب الخاطئة.
·  نظيم حملات إعلامية لتوعية الشباب غير المتزوج بأهمية الإقبال على التكوين القبلي المؤهل للزواج، وتحسيس المتزوجين بضرورة التكوين المستمر لضمان استمرارية وحدة الأسرة.
·       إنشاء مراكز نفسية واجتماعية متخصصة في علاج المشكلات الأسرية.
·اجتهاد الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في نشر ثقافة نفسية أصيلة داخل المجتمع، تهدف إلى تقوية وحدة الأسرة.
·       إحداث وحدات للبحث خاصة بالأسرة في الجامعات.
 
خلاصة:
بينت هذه الدراسة بعض الآثار المرضية التي يخلفها الطلاق على نفسية الطفل، وهذا ما يجسد حكمة الأمر الرباني الموجه للمسلمين عموما، وللأزواج خصوصا بالتزام الوحدة والجماعة، ونهيه سبحانه عن الشتات والفرقة في قوله ـ عز وجل ـ: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُواْ) فالقرآن لم ينه عن التفكك الأسري كأحد مظاهر تصدع الأمة الإسلامية، إلا لكون ضرره أكبر من نفعه.
كما يعكس لنا هذا البحث إعجاز السنة النبوية، فكيف للنبي صلى الله عليه وسلم أن يطلعنا على حقيقة الحوار الذي يدور بين إبليس وأعوانه، في حديث مسلم الذي أوردناه في مقدمة هذه الدراسة، وفيه يمدح الشيطان ويثني على من ينجح من أعضاء حزبه في التفريق بين الزوجين، فما كان للحبيب عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أن يخبرنا بذلك، إلا بوحي وإعلام من الله جل علاه، حتى نتنبه جميعا لخطر هذه الفتنة العظيمة، التي تنتج أطفالا مضطربي الشخصية، مما يؤدي إلى تكوين جيل مريض، يضعف به الشيطان جسد الأمة الإسلامية، حتى تفشل في تحقيق مشروع نهضتها الحضارية في الدنيا، وتفوز برضى ربها في الآخرة.
 
رضى الحمراني
أخصائي نفسي
دبلوم الدراسات العليا المتخصصة تخصص علم النفس الإكلينيكي

http://www.nooran.org

 

 أطبع المقال أرسل المقال لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6549216 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة