|
المعاني الإسلامية لمعالجة السلوك العدواني |
الكاتب : الدكتور بدر ملك |
القراء :
12036 |
المعاني الإسلامية لمعالجة السلوك العدواني حوار مع الدكتور بدر ملك أجرت الحوار: باسمة محمد حامد
يؤكد ضيفنا الدكتور بدر ملك عضو هيئة التدريس في كلية التربية الأساسية بدولة الكويت على أهمية مرحلة الطفولة في بناء الشخصية المستقبلية،و على ضرورة تعلم الأهل على كيفية التعامل مع أطفالهم بأسلوب هادئ متزن و حكيم،و تعويده على المصارحة و النقاش و ضبط النفس و مساعدته على حل المشاكل التي تواجهه ،و يوضح الدكتور ملك في هذا الحوار الخاص للجزيرة أهم الأصول التربوية التي من شأنها تقويم سلوك الطفل العدواني الذي تعاني منه الكثير من الأسر .
أسباب السلوك العدواني برأيك..ما هي أسباب السلوك العدواني ..خاصة وأن الطفل يولد على الفطرة والبراءة؟ 1- الإساءة للطفل من أهم الأسباب فالمعاملة الغليظة تعكر الفطرة السليمة وتغير البراءة الأصلية. إن الاعتداء على الطفل أو الاعتداء على أمه أو إخوانه لفظيا أو سلوكيا من عوامل الانحراف السلوكي عند الطفل. 2- التقليد السلبي مثل رؤية الطفل الكبار من حوله وهم يقومون بالاعتداء على غيرهم أو على الممتلكات مما يجعل الطفل مع مرور الوقت وتكرار الأمر يستهين بمن وما حوله فيهين زميله ويهيمن عليه ولا يبالي بالعواقب. 3- التأثر بالألعاب الالكترونية المحرضة على العنف والقائمة على الاستمتاع باللكم والشتم والقتل والتفجير بحجة أنها خيالية. من المؤسف أننا كآباء نشتري لأبنائنا هذه البرامج المرعبة ولا نكترث كثيرا بخطورتها في تشكيل وعي وثقافة الناشئة. هذه البرامج الهابطة ليست تسلية بريئة ولكنها برمجة سريعة لأذهان الأطفال تشحنهم بالعداء، وتمدهم بالشحناء. 4- الإيحاءات السلبية تشوه الذاتية الإنسانية للشخصية السوية فالأهل قد يغرسون مفهوم "الشديد بالصرعة" وذلك عندما نقول للطفل لا تجعل فلان ينتصر عليك في المصارعة، أنت أقوى منه وعليك أن تأخذ حقك بيدك ، ورد الصاع صاعين، وإذا ضربك أحد فاضربه. وهذه الثقافة الخفية ثقافة تصادمية تجعل من التهديد والوعيد والترصد والاعتداء سلوكيات مقبولة ننكر آثارها ونحن الذين صنعنا مقدماتها بسكوتنا أو قبولنا لثقافة اللجوء إلى اليد والصراع. منذ الصغر وكثير منا يعيش في مفارقات عجيبة فنجد في ذاكرتنا أنه لا يفك ويفل الحديد إلا الحديد ... والصحيح أنه لا يفك الحديد إلا العلم الصحيح وقوة العلم لا تضاهيها قوة. إن غيرنا يصنع ويتفنن في سيارات وطائرات وفضائيات من الحديد لأنهم آمنوا بأن العلم هو الذي يحل الأمور بالتعقل والتروي والبحث. الأسرة السعيدة لها ثقافة سلام فتعلي من شأن التفكير العلمي في حل مشاكلها الصغيرة والكبيرة وتعلن أن الحكمة قوة وتعلم الطفل الفضيلة وتدربه كي يقابل الإساءة بالإصلاح والعدالة والحزم. 5- الغيرة وكراهية مشاركة الطفل لغيره في الممتلكات من أسباب الأنانية والكراهية وتداول الأيدي. 6- غياب الوالدين في رعاية الفطرة السليمة في نفس الطفل فالحرمان من الحنان يقلل من مقدار الفطرة وينتج عنه نقص الإحساس بالمسئولية وعجز في الانتماء. 7- كثرة مشاهدة الأفلام التي تروج للعنف وتزين العدوان، وتحرض على الاعتداء. 8- قلة انتشار القصص التربوية المتخصصة في ترسيخ مفاهيم السلام والوقاية من العنف. 9- التأثر بأصدقاء السوء. 10- الحروب الأهلية والصراعات العسكرية والنزاعات الدولية تعمل على زيادة السلوك العدواني لدى الأطفال وغيرهم.
علاج السلوك العدواني ما هي الأساليب التي يجب أن يتبعها الأهل في علاج السلوك العدواني لدى الطفل؟ 1. لا بد من تحديد الأسباب ومعرفة الدوافع المؤدية إلى تزايد السلوك العدواني وهي في الغالب أسباب نفسية أو اجتماعية أو ثقافية. وقد تساعد الظروف الصحية في ظهور السلوك العدواني فالطعام الزائد عن حاجة الجسم يولد طاقة زائدة إذا لم يتم تصريفها بطريقة صائبة تكون عاملا مضرا فلا بد للطفل من تفريغ طاقته بأنشطة حركية. لهذا فإن الإنسان يحتاج إلى عملية تنظيم الغذاء ومعرفة مواطن الخلل وأسباب العلل. 2. ومن المنظور الاجتماعي فإن البيئة الحسنة الجاذبة تشجع على نشر معاني الحب والتسامح والتسامي. 3. توجيه الأطفال واليافعين نحو أنشطة حركية يميلون إليها، وتكليفهم بأداء أعمال منزلية ذات نفع لهم وتتفق مع ميولهم كي يتم صرف الطاقة نحو سلوكيات إيجابية تبعدهم عن مزالق العدوانية. 4. رواية القصص الهادفة التي تعلي من شأن الحكمة وتقرن البطولة بالسلام، وتربط الشجاعة بحسن التصرف، وتزاوج بين الذكاء والرفق. 5. تعديل المفاهيم السلبية ونشر القيم العقلانية في أذهان الناشئة فالشر لا يزول بالشر، والصبر مفتاح النجاح، والمسلم من سلم المسلمون وغيرهم من بطش يده، وفحش لسانه، وقبيح أفعاله. 6. توجيه الطفل نحو الرياضة النافعة ولعل النوادي الصيفية والأنشطة الكشفية والأجهزة الرياضية في المنزل والزيارات السياحية من الميادين الهامة في عملية تصريف الطاقات وفي بناء الجسم السليم والعقل القويم. 7. تنظيم الوقت وحسن استثماره من المهارات الحياتية التي تجنب الناشئة غوائل السلوكيات الضارة. 8. اختيار البرامج التلفزيونية المفيدة. 9. غرس الآداب الإسلامية (العطف على الصغير-إفشاء السلام-الحفاظ على البيئة والمرافق العامة). من عظمة المنهج الإسلامي التربوي أنه حث على مكارم الأخلاق كلها، وذم خبيث الأقوال والفعال برمتها بل جاء القرآن الكريم ويؤازره الهدي النبوي الشريف بفيض من الحض على التخلق بمحاسن الأخلاق، وجيل الشباب متعطش إليها ومحتاج لها. 10. ممارسة الحوار الهادف المؤصل على الاستماع الفاعل والاحترام المتبادل. 11. الاطلاع على التجارب التربوية الناجحة واقتباس النافعة منها. 12. تحاشي النزاعات الزوجية الشديدة لا سيما أمام الأطفال. 13. الحذر من استخدام منهج العقاب والقمع البدني واللفظي فإنه يولد التمادي في التردي ويولد شخصية مسحوقة المشاعر مسلوبة الإرادة تلجأ إلى التهديد والقسوة لأتفه الأسباب. قد ينفع العقاب البدني مرة ولكنه قد يدمر الحب. والتربية الحسنة أقوى من منطق القوة وأجدى من أسلوب الردع القمعي في المحيط الأسري وغيره. ينفع منهج الإقناع والإيمان بالرفق والحزم كل طفل في كل أسرة في كل زمان. إن ثقافة السلام هي رسالة الإسلام وهي ضرورة أسرية أصيلة، وفريضة مجتمعية متجددة، وحاجة عالمية متنامية.
السلوك العدواني والتلفزيون هل تعتقد أن الطفل يمكن أن يكتسب السلوك العدواني من التلفزيون؟ يقوم الإعلام ببث الأفلام الكرتونية وغيرها التي تعج بلقطات الدم والقتل والعنف وتظهر تلك اللقطات الدرامية بطريقة براقة وتصاحبها الموسيقى الصاخبة والألوان الجذابة مقرونة بالبطولة الفارعة، والشجاعة النادرة، والنهاية الخارقة لبطل الفيلم الذي يكسر الأغلال ويحطم الأشياء في ثوان معدودة ويقوم بالعجائب من القفزات والضربات ويفكر بعضلاته ورجله لا بعقله وحكمته وبذلك تتغير الفطرة النقية الوادعة إلى سفاهة وبلادة ومع زيادة الجرعات التلفزيونية يكون الطفل قد قطع شوطا طويلا ليكون خَامِد الفِطْنَة. الإعلام صناعة ثقيلة تدر الأموال وتغير الأحوال وهي ذات رسالة عظيمة في التأثير على الجميع لا سيما الأطفال. إن المعايير التربوية غائبة تماما في البرامج التلفزيونية فلا وزن لها في المشاركة ولا حتى المراقبة وهو الأمر الذي أتاح الفرصة الثمينة لأصحاب الربح السريع لنشر مفاهيم خاطئة. لا شك أن انتقاء البرامج التلفزيونية لأبنائنا مهمة عسيرة ولكن لا بد من القيام بها عاجلا أو لاحقا. إلى جانب ذلك فإن مناقشة الأطفال بما يشاهدونه وتصويب المفاهيم عملية هامة حتى لا يكتسب الطفل السلوكيات المذمومة. وإذا كان التلفاز من أهم مصادر الإفساد فإنه أيضا من أهم منابع الإصلاح لإكساب أطفالنا ثقافة راقية تقدر التسامح وتقلل السلوكيات السلبية عند أبنائنا وبناتنا. ليس من الحكمة أن نسترسل في لوم البرامج التلفزيونية بل الأمانة تقتضي الإسراع في تنظيم عملية مشاهدة التلفاز في المحيط الأسري مع تقوية الفكر الناقد لدى الطفل تدريجيا بحيث يميز بين الحقيقة والمبالغة، والفضيلة والمجازفة والفضائيات اليوم تحتوي على فنون مختلفة ومنها برامج دون ذلك.
دور المدرسة في تقويم السلوك العدواني ما دور المدرسة في تقويم السلوك العدواني لدى الأطفال؟ 1. نشر ثقافة التسامح والسلام المنبثقة من تعاليم الإسلام. 2. التحذير المستمر من أنواع العدوان السافر والمستتر فالعدوان السافر هو التهجم على الغير بآله أو بغيرها أما العدوان المستتر فهو صنف قد نغفل عنه أحيانا وهو يندرج تحت خانة حصائد الألسنة وأمراض القلوب كالتلفظ بالفاحش من القول والغيبة والنميمة والبهتان. إن الاعتداء اللفظي غالبا يسبق العدوان الجسدي فلا بد من معالجة المستتر لأن العدوان الظاهر ناتج منه وأثر له. 3. اجتناب العقاب البدني فهناك وسائل تأديبية وطرائق إصلاحية لا حصر لها وهي أشد تأثيرا وأقل خطرا. 4. تكثيف الأنشطة والمشروعات الجماعية فيمارس الطفل التعاون ويكون الصداقات المتعددة. 5. استغلال المسرح وتسخير التمثيل في تجسيد معاني السماحة والعفو وكظم الغيظ مع بيان لخطورة العدوان ودوره في شقاء الإنسان. ومن التمارين المدرسية النافعة في ترسيخ مفهوم ضبط النفس والتحكم بالمشاعر أن يمثل الطفل موقفا يحاول صديقه أن يستدرجه للمشاجرة ويستفزه بشتى الصور إلا أن الطفل يحتفظ باتزانه ويضبط سلوكه لأن الشجاعة ضد التهور والشجاعة هي ضبط النفس. قبل أن يقوم الطفل بتمثيل هذا الدور والتدرب عليه أمام زملائه فإن المعلم يزود الطلاب بخطوات التصرف الحكيم إزاء الاستفزازات وغيرها. 6. توعية أولياء الأمور بصفة دائمة. 7. التركيز على تدريب المتعلمين على مهارة حل المشكلات بأسلوب علمي. 8. تكريم الطلاب والطالبات من أصحاب الأخلاق العالية في طابور الصباح. 9. وضع برامج وقائية لمواجهة عدوى العدوانية ولا يتحقق ذلك إلا باشتراك جميع أركان العملية التربوية. 10. تفعيل دور الاختصاصي الاجتماعي في عملية الوقاية. للأسف الشديد فإن جل عمل الاختصاصي ينصب على فئة قليلة من الطلاب لعلاج حالاتهم التي كادت أن تصبح مستعصية وبذلك تقلص دور الاختصاصي الاجتماعي والنفسي وغابت رسالته التثقيفية والتدريبية المنبثقة من منطلقات الوقاية. 11. تطوير المناهج الدراسية بحيث تتضمن مفاهيم السلام لفظا وفعلا فالغيبة والنميمة عدوان ، والكلمة البذيئة عدوان، ونظرة الاحتقار من أنماط السلوك العدواني . ولقد أشارت نتائج إحدى الدراسات إلى أن كلمة "ضرب" وردت أكثر من مائة مرة في ثنايا كتاب مدرسي في دولة عربية بينما تكررت كلمة "سامح" ثلاث مرات فقط!! ومازال مسلسل "ضرب عمرو زيد" يردده المعلم وكأنه ينتظر من زيد أن يأخذ الثار ويكافح فلا يصالح أو يصافح !!
الاستعانة بالطبيب النفسي برأيك .. متى يجب على الأهل الاستعانة بالطبيب النفسي في حالة الطفل العدواني..؟ 1. تكرار الفعل العدواني بصورة غير طبيعية. 2. فقدان الطفل الإحساس بالمسئولية وعدم التفكير بمشاعر المحيطين به. 3. ارتكاب أفعال خطرة مثل إيذاء النفس والآخرين. 4. الإصرار على حمل الآلات الحادة. 5. فشل الجهود المبذولة أسريا ومدرسيا في علاج أو تطويق ظاهرة العنف. 6. التهديد بارتكاب أفعال مضرة واستمراء الكذب لتهويل الأحداث وتضخيم الأضرار .
الطفل العدواني الموهوب هل يمكن أن يكون الطفل العدواني موهوبا؟ نعم فإن عرامة الصبي وكثرة حركته المزعجة قد تدل أحيانا على همة عالية ولا شك أن تراكم الخبرات في محصلتها قد تسهم مع مرور الوقت في تنمية عقل راجح وهو أمر غير مرغوب إلا أن قلة من الأطفال أحيانا تصقل مواهبهم بكثرة مشاكلهم وتعدد خبراتهم. والأصل أن كل إنسان متميز ويمتلك مواهب عظيمة تظهر بالرعاية الحسنة ومن حقه توفير بيئة ثرية تعينه على تفتيق مواهب واكتشاف إبداعاته. يستطيع المربي غالبا أن يقلص فرص الانحرافات في حياة ولكن بعض الأطفال استجاباتهم بطيئة ويتعسر العمل معهم ولا مفر من توفير الرعاية التربوية الكاملة لهم. وعندما يفتقد الطفل البيئة السليمة والعزيمة الصادقة قد تصبح المشاكسة للطفل من سمات الشخصية ومن العادات اليومية المذمومة. يتمتع جميع الأطفال بقدر كبير من المواهب فإن لم تكتشف في الصغر تضعف وتضمر بل قد تتجه نحو تسخيرها في أغراض ضاره فمثلا الطفل الموهوب في الرسم قد يلجأ إلى رسم أصحابه بصورة غير لائقة . والطفل الذي يتمتع بالذكاء اللغوي قد يستخدم مواهبه البلاغية وقدراته البيانية في التشهير والاستهزاء بالآخرين وتكون مواهبه مصدر إيذاء لا بناء.
الفرق بين الطفل "الشقي" و" العدواني" ما الفرق بين الطفل "الشقي" والطفل " العدواني"؟ أيضا وفي السياق ذاته هل يمكن أن يكون التمرد أو المشاكسة علامة من علامات السلوك العدواني؟ الطفل الشقي في المفهوم الشعبي هو الطفل المشاغب والمشاكس وحركاته المزعجة كثيرة وليس بالضرورة كل طفل شقي عدواني. الطفل المشاكس قد يكثر من الأسئلة في المدرسة بغرض إضاعة الحصة وبقصد إلهاء المعلم بقضايا لا تمس المادة الدراسية وقد يأخذ مثلا حاجيات إخوانه من دون موافقة منهم. والطفل المشاكس له طاقة حركية كبيرة وقدرة ذهنية عالية فيحب أن يجرب الأمور بدون حدود، ويجادل بلا مبرر وتصل به شجاعته إلى حد التهور وقد ينجرف نحو حب الاستكشاف فيترك والديه في السوق ويبحث عن بضائع تشد انتباهه. قد تكون المشاكسة أحيانا علامة من علامات السلوك العدواني إذا اقترنت بالإضرار بالآخرين وبالممتلكات. ليس من صفات الصبي المشاغب أن يتطاول ويتهجم على غيره وهذا لا يمنعه من ارتكاب أفعال تعد عدوانية يفعلها للمزاح أو لدوافع أخرى. من صفات الطفل الشقي الحركة الزائدة وحب المرح والميل نحو الاستكشاف فهو يختار طريقا غير الطريق الذي يسير فيه من حوله، وقد يعبث بألعاب أخيه فيفككها ولكن لا يتلفها وهذه ملحوظة تربوية دقيقة ومهمة. وأخيرا فإن الشقاوة ليست مذمومة دائما إذ قد تعني التميز والاستقلالية والشخصية الحيوية واليقظة التي تكره الجمود والانصياع للأوامر وهنا فإن الشقاوة تحتاج إلى توجيه ونماء لا توبيخ وإقصاء. المصدر - رابطة أدباء الشام |
أطبع
المقال |
أرسل المقال لصديق
|
|