|
العنف ضد الطفلة |
الكاتب : دعد حسن سلامة |
القراء :
5869 |
العنف ضد الطفل - الطفلة دعد حسن سلامة يُعد العنف ضد الأطفال مشكلة ذات درجات متفاوتة في خطورتها، فهناك دراسات إقليمية ودولية تشير إلى أن ما يقرب من مليار طفل في العالم يعانون كل أنواع المعاناة من العنف سواء أكان هذا العنف جسديًا أم معنويًا أم اجتماعيًا، حيث تتفاوت درجاته من مجتمع لآخر وفقًا للظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعتقدات الثقافية الخاطئة وغيرها من الأسباب.
ولقد ورد في التقرير العالمي للعنف والصحة الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية تعريف للعنف، وهو "قيام المرء بالاستخدام المتعمد للقوة أو الغلبة الجسدية بالفعل أو التهديد، ضد نفسه أو ضد الغير أو ضد مجموعة أو مجتمع ما، بشكل يتسبب في إيقاع الضرر الجسدي أو الموت أو الأذى النفسي، أو سوء النمو والحرمان. وتبدو الصورة قاتمة وأكثر خطورة، إذا وقع الأمر على صغار الفتيات في مراحل عمرهن المبكرة؟ حينما يُمارس العنف ضدهن من قِبَل أسرهن؛ فيسيئون معاملتهن سواء أكان الإيذاء بدنيًا أم معنويًا كالتمييز بين أطفال الأسرة لاعتبارات تتعلق بالنوع، فالطفلة تعاني من العنف منذ الميلاد، بل منذ أن تعلم الأسرة أن المولود المنتظر هو أنثى، وحيث أن الموروث الثقافي العربي يقوم على أن إنجاب الطفل الذكر يُمثل الحفاظ على كيان الأسرة واسمها، ويعتبرونه العائل الاقتصادي لها في المستقبل، فبطبيعة الحال، له الأولوية في تلبية احتياجاته، وتخصه الأسرة بمميزات لا تحصل عليها الطفلة الأنثى، وتعامل على أنها النوع الأضعف والأقل قدرة والأدنى مكانة.
وهنا تجدر الإشارة إلى بعض مظاهر العنف التي تعاني منها الطفلة الأنثى: " التفرقة بين الذكر والأنثى. " الحرمان من التعليم. " العمل المبكر. " الختان.... الخ.
ومن هذا المنطلق، نجد أن هناك ميراثًا فكريًا في التراث الشعبي الموثق في بعض الأمثلة الشعبية التي تكشف النقاب عن وضع الطفلة المصرية، والتي تروي على لسان حال أمهات ولدن أناثًا. " المثل الأول: "لما قالوا دي بنيه، قلت الحبيبة أهي جاية تكنس وتمسح وتملا الزير بالميه". " المثل الثاني: "لما قالوا دي بنية هدوا ركن البيت عليه، ووكلوني البيض بقشره وبدال السمن ميه". " المثل الثالث: "موت البنت ستره". " المثل الرابع: "يا مخلفة البنات يا شايله الهم للممات". " المثل الخامس: "اكسر للبنت ضلع يطلع لها اتنين". هذه بعض نماذج من الأمثلة الشعبية التي تتردد على لسان حال أعز الحبايب "الأم" عند استقبال طفلتها الأنثى.
وهناك موروث آخر داخل الأسرة المصرية، حيث يتم تدريب البنات على خدمة أفراد الأسرة بما فيهم إخوتها الأصغر والأكبر منها. وذلك منذ نعومة أظفارها، قس على ذلك التمييز بين الطفل والطفلة سواء من حيث جسامة العقاب وتكراره، وأيضًا ملازمتها لأمها في المنزل، فتنفجر الأم فيها كل إرهاقها وآلامه الدفينة بسبب مشاكلها الأسرية الخاصة، هذا بخلاف الطفل الذي يكون خارج المنزل يلهو أو يدرس، فالأم لا تقسو على ابنها الذكر سواء لإعجابها الدفين برجولته المبكرة، أو لأنها تخشى فراره منها إن هي قست عليه، في حين تتوقع من الفتاة الطاعة، والتفاني وإنكار الذات.
وأيضًا من أبرز مظاهر العنف ضد الطفلة الأنثى: " التمييز في التغذية والعناية الصحية، فكثير من الأمهات من ذوات الثقافة المحدودة يحرصن على إرضاع الصبيان لفترة أطول من تلك التي تخصص للبنات. " حرص الأم على تقديم وجبات غذائية متميزة للطفل عن الطفلة، وأيضًا سرعة الذهاب به للطبيب عند مرضه، عكس ما تقوم به تجاه الطفلة، فيتم تداويها بالوصفات الشعبية دون اللجوء إلى الطبيب. " الاهتمام بإلحاق الطفل برياض الأطفال، وحرص الأسرة على تعليمه أكثر من البنت. " الإهمال في الرعاية للطفلة "النظافة الجسدية والملابس... الخ. " عدم الاهتمام بتطعيمها ضد الأمراض المختلفة. " عدم تسجيل البنت عند ولادتها واستخراج شهادة ميلاد لها، على عكس ما يحدث مع الطفل. " تدليل الطفل والتشديد مع الطفلة.
وبناء على ما تقدم فهناك آثار نفسية وانفعالية مترتبة على العنف ضد الطفلة: " القلق، الخوف، الإحباط. " الشعور بالقهر، الشعور بالنقص. " الانطواء، الخجل والعزلة الفردية. " العدوان ونوبات الغضب الحادة. " الاكتئاب والتشتت في الانتباه واضطرابات الذاكرة. " ضعف الثقة في الذات والتبعية وعدم القدرة على اتخاذ القرار والتذبذب وعدم الاستقرار على الرأي. " الشعور بالحزن والأسى. " التبول اللاإرادي واضطرابات اللغة والكلام "التهتهة والثأثأة". " الخوف من انفصال الوالدين والقلق والارتباط الشديد بأحد الوالدين. " مص الأصابع وقضم الأظافر واضطرابات النوم واضطرابات الأكل. " الشعور بالذنب والألم النفسي.
هذا وتختلف الآثار النفسية للعنف ضد الطفلة باختلاف المرحلة العمرية التي تمر بها، كما أن هناك آثارًا اجتماعية تترتب على هذا العنف؛ حيث تشير كثير من التقارير العلمية إلى أن نصف أطفال العالم، أغلبهم من الإناث يعانون من الانتهاك المباشر لحقوق الطفل وكرامته الإنسانية، فالعنف ضد الطفلة هو جريمة ذات أبعاد اجتماعية أكبر كثيرًا مما نتصور، ويتضح ذلك في جوانب عديدة منها، البيئة الاجتماعية التي تنشأ فيها الطفلة، والمستوى التعليمي والثقافي والاقتصادي للأسرة، وما يترتب على ذلك من عادات وتقاليد وممارسات يومية.
لذا فنحن في حاجة إلى مواجهة شاملة لظاهرة العنف ضد الطفلة بكل أشكالها، مواجهة تقوم على رؤية متكاملة تبدأ بالأسرة التي تقع عليها المسئولية الأولى في توفير الحماية للطفلة، وكفالة حقوقها الأساسية في الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية، وتوفير البيئة الصحية الملائمة التي تسمع ببناء شخصيتها السوية وتجنبها كل أوجه الإساءة اللفظية والجسدية وغيرها. وأيضًا هناك آثار تربوية سلبية، خاصة فيما يتعلق بالتمييز بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات ودور الأسرة والمؤسسات التربوية والإعلامية في تدعيم ذلك من خلال الحماية الزائدة والتدليل والنبذ والإهمال وغيرها.
ولمواجهة ذلك يجب اتخاذ سياسة تربوية اجتماعية متكاملة في مستوى الدولة، مدعومة بتشريعات قانونية واضحة ركيزتها العدالة الاجتماعية والمساواة بين الأفراد وتقبل الآخر والحوار بدل العنف واكتساب العاملين على تربية الأطفال، خاصة الطفل الأنثى، ومهارات التفاوض بدلاً من العنف ضد الطفلة، ونشر الوعي بمسئولية الأمومة والأبوة، ودعم برامج تنموية للأسرة والطفلة، تشارك فيها المؤسسات التربوية والإعلامية والمراكز الثقافية والتضامن الاجتماعي.
المصدر: " مجلة خطوة العدد 28 - مايو 2008 " دعد حسن سلامة - مستشارة الاتحاد العربي لأندية اليونسكو في مصر والبلدان العربية - مصر
|
أطبع
المقال |
أرسل المقال لصديق
|
|