فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

التحرش الجنسي : من يقرع الجرس؟

الكاتب : د.فايز الشهري

القراء : 14196

التحرش الجنسي : من يقرع الجرس؟


د.فايز الشهري ( أكاديمي سعودي )
 
باتت ظاهرة التحرش الجنسي واحدة من الظواهر المقلقة في المجتمع المعاصر وقد كانت حتى وقت قريب شأنا غربيا فرضته طبيعة الحياة الاجتماعية وربما لعوامل ضعف القيم وانتشار الاختلاط وإدمان المسكرات والمكيفات التي يمكن أن تكون من ابرز الأسباب التي عادة ما تعزى لها هذه الظواهر الشاذة في تلك المجتمعات. ويقصد بمفهوم التحرش الجنسي كل قول أو فعل أو إيحاء يحمل مفهوما جنسيا بقصد مضايقة أو استغلال الطرف الآخر (امرأة، طفل، رجل) وتتراوح حالات التحرش كما توصفها بشرى السالكي من صحيفة الوطن الفلسطينية بين التحرش الشفاهي (الكلامي) والإلحاح في طلب لقاء وطرح أسئلة جنسية أو نظرات موحية إلى ذلك ثم تتصاعد ربما إلى اللمس والتحسس وغيرها من السلوكيات. وبصورة عامة يطلق على هذه المظاهر مصطلح التحرش سواء حصل العمل (الاعتداء) أو اكتفى المتحرش بالقول والإيحاء.
حجم الظاهرة وانتشارها
توضح دراسة ذكرها د.كمال المصري عن الجمعية الأمريكية للتعليم الجامعي للنساء أن نحو 80% من طلاب المدارس الأمريكية ذكورًا وإناثًا قد تعرضوا إلى نوع من أنواع التحرش الجنسي في حياتهم المدرسية اي أن أربعة من كل خمسة طلاب يتعرضون إلى تحرشات جسدية ولفظية -عادة ما تكون أمام المدرسين-. وبحسب د. المصري أيضا فقد كشف الباحث الأمريكي "جريجوري ديكسون" الذي أجرى دراسة عن هذه الظاهرة عام 1996م أن 49% من الشواذ جنسيا الذين تناولهم في دراسته قد حدث لهم نوع من أنواع الاعتداء الجنسي أثناء مرحلة الطفولة.

وفيما يدعم الرأي القائل بان التحرش ظاهرة عالمية غير مقصورة على المرأة العربية كشفت دراسة صادرة عن معهد المرأة في العاصمة الإسبانية مدريد، عن تعرض مليون و310 آلاف عاملة لنوع من أنواع التحرش الجنسي عام 2005 وهو ما يمثل 15.5% من مجموع عدد العاملات في إسبانيا الذي يبلغ 8 ملايين و425 ألف عاملة.
و مع تسارع وتيرة الحياة وتغير أنماط الحياة الاجتماعية العربية بدأت مؤشرات التحرش الجنسي واضحة في كثير من المجتمعات العربية ويشير طارق ديلواني المحرر بموقع "إسلام او لاين" الى ان 57% من الطالبات الجامعيات في الأردن يتعرضن للمضايقات والتحرشات الجنسية المستمرة من قبل أساتذتهن! .وتبين سجلات عيادة الطب الشرعي في وحدة حماية الأسرة بالأردن بحسب موقع(اسلام اون لاين) أن عدد الحالات التي تمت معاينتها خلال عام 1998م قد بلغ 437 حالة، شملت 174 حالة إساءة جنسية على الأطفال، وكانت مصنفة حسب ما يلي: 48 حالة إساءة جنسية كان المعتدي فيها من داخل العائلة، و79 حالة إساءة جنسية كان المعتدي فيها معروفا للضحية -قريب أو جار أو غيره- و47 حالة كان الاعتداء على الطفل فيها من قبل شخص غريب. وتشير دراسة عن حوادث التحرش بالأطفال في مصر أعدتها الدكتورة "فاتن الطنباري" - إلى أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل، وفيما يتعلق بصلة مرتكب الحادث بالطفل الضحية أشارت الدراسة إلى أن النسبة هي 35% من الحوادث يكون الجاني له صلة قرابة بالطفل الضحية، وفي 65% من الحالات لا توجد بينهم صلة قرابة . وقد قام المركز المصري لحقوق المرأة بحملة توعية لمواجهة هذه الظاهرة بناء على نتائج بحث ميداني لعينة من 2800 شكوى أوضحت نتائجه أن التحرش الجنسي لا يهدد فقط عينة من النساء وأن لا عمر أو طبقة اجتماعية معينة للتحرش فحتي ربات البيوت لم يسلمن منه، وكذلك صاحبات الوظائف المرموقة. ومعظم الأشكال الشائعة في التحرش غير مناسبة مثل اللمس "بنسبة 40%" يليه التحرش بالألفاظ البذيئة 30%. وقد كشفت النتائج أيضاً عن أن نسبة 30% من المعتدي عليهن بالتحرش الجنسي تأتي بشكل يومي ونسبة أخري تصل إلي 12% يتعرضن للانتهاك في أغلب الأحيان يومياً، كما أن 12% فقط من المعتدي عليهن يلجأن للشرطة ولكنهم صرحوا بعدم الثقة في النظام القانوني لحمايتهن من المتحرشين بهن.

ملامح الظاهرة في السعودية.
تقول الكاتبة "مها الحجيلان" في صحيفة الوطن السعودية أن كثير ا من السيدات السعوديات يشتكين من مشكلة التحرش الجنسي أثناء التقديم على وظيفة أو حتى أثناء العمل خصوصا في وسط يشتغل فيه الرجال والنساء وبحسب الكاتبة فان طرق التحرش تتنوع وتتدرج من نظرات فاحشة إلى كلمات غزلية أو تعليقات على الجسد إلى محاولات للتقرب. وعن نمط آخر من التحرش تشير دراسة للدكتور عبد الله الرشيد الى أن 88 % من البنات السعوديات يقلن إنهن تعرضن للتحرش باستخدام البلوتوث. وتكشف دراسة عن التحرش الجنسي بالأطفال ذكرتها الدكتورة وفاء محمود الأستاذ المساعد في جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية انه يوجد طفل واحد من بين كل أربعة يتعرض لهذا الاعتداء, وقالت أن دراسة أخيرة كشفت أن نسبة التحرش الجنسي بالأطفال مرتفعة إذ يتعرض طفل من بين أربعة أطفال لهذا التحرش.
ووفقا لتحقيق أجرته صحيفة اليوم السعودية تقول : "ريم" (موظفة قطاع خاص): " من واقع عملي الذي يفرض علي الاتصال الهاتفي المستمر مع موظفي الأقسام الرجالية، ومن التجربة اقتنعت أن الرجال، مهما بلغت درجة رصانتهم، يتحينون الفرصة للدخول بالعلاقة الوظيفية مع الزميلات لأجواء البساطة والتبسيط ليوحوا لهن بإمكانية العلاقة إلى مدى أكبر. مع أن تصرف الموظفات لا يتعدى اللطافة العادية لعدم الإحراج. لذلك تعمد كثير من الزميلات إلى التعامل بأسلوب "شرس" لكي لا يتعدى أي موظف متطفل الخطوط الحمراء".

أما "خلود" (موظفة قطاع خاص) تقول: مع بداية استلامي للوظيفة ، اجتمعنا نحن بالقسم النسائي مع المدير العام والذي كان يعطي صورة للمدير الصارم الصامت الذي لا يرغب ان تنطبق عليه اي من التصورات النسائية عن كيفية تواصله مع الموظفات، وكانت المفاجأة بدايته للحديث بقوله " إنا لست ككل الرجال الموظفين الذين لا يهمهم الا معرفة من هي أجمل موظفة من الزميلات" ومن تلك الجملة جزمت ان هذا المدير الصامت ليس بأفضل من موظفيه. مما عنى لي سقوط آخر الموظفين المحترمين.

مظاهر التحرش الجنسي
التحرش الجنسي لا يقتصر على نوع أو سلوك واحد و بحسب مجلس الخدمات و التنمية المصري فان من أمثلة هذا السلوك:
o النظرة الخبيثة أو ذات المعنى للأنثى بينما تمر من أمام الشخص.
o التلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي.
o تعليق صور جنسية أو تعليقات جنسية فى مكان يعرف الشخص أنها سوف ترى هذه الأشياء.
o لمس الجسد.
o النكات أو القصص الجنسية التي تحمل أكثر من معنى.
o الإصرار على دعوتها مرارا إلى طعام أو شراب أو نزهات برغم الرفض المتكرر.
o الإصرار على توصيلها إلى المنزل أو توصيلها إلى العمل رغم الرفض المتكرر.
o طلب أن تعمل ساعات إضافية بعد مواعيد العمل مع عدم وجود ضرورة لذلك.

ويحدد موقع البحوث العالمي vaitman.com أربعة أنواع أساسيّة من التحرش الجنسي :
1. المضايقة الكلامية: بالإيحاء الجنسي، عن شخص الملبس والهيئة و / أو أنشطه جنسية.أو تعليقات ذات طابع
جنسي عن الوزن وشكل الجسم والحجم ومنها المكالمات الهاتفية ذات الطابع الجنسي و النكات الجنسية.
2. التحرش الجسدي: مثل اللمس والتقبيل ومد اليد على مواضع الجسد.
3. التحرش البصري : مثل عرض وتوزيع ملصقات إباحية أو صور متحركة ورسومات وكتب ومجلات.
4. خدمات جنسية: استمرار الضغط على التواريخ جنسي، شرط أن تقدم فائدة العمل على تبادل الخدمات الجنسية.

من يقرع الجرس؟
لعل أهم تحديات مواجهة ظاهرة التحرش الجنسي تكمن في عدم الاعتراف بها و من ثم مناقشتها علنا إذ من الواضح أن آلاف النساء والأطفال بوجه خاص باتوا عرضة لهذه المضايقات في المنازل والمدارس وأماكن العمل والأسواق وحتى من خلال الوسائط المتعددة عبر تقنيات الانترنت والبلوتوث. وهذا ما يستدعي إنشاء منظمات أهلية خاصة للتثقيف والتوعية ومعالجة ومتابعة حالات الضحايا ومن ثم يمكن إيجاد خطوط هواتف ساخنة للإرشاد العائلي والنفسي ومن المهم أيضا التركيز على برامج التوعية والتثقيف في مجالات السلوك العام والثقافة الجنسية وفق أسس شرعية تربوية منضبطة.

التعليق على القضية
د. خالد الرديعان (أكاديمي سعودي):
وماذا عن التحرش الجنسي المثلي ؟


بداية أشكر الدكتور فايز الشهري على طرح موضوع "التحرش الجنسي" فهو من المسكوت عنه في مجتمعاتنا بل إن البعض يعده "تابو اجتماعي". وحقيقة فأن ما كتبته وتكتبه بعض الأقلام النسائية تحديدا حول الظاهرة يشي بوجودها ما يستلزم مواجهتها وعدم دس الرؤوس في الرمل كما فعلنا قبل عدة سنوات عندما أنكرنا وجود "العنف الأسري" و"تعاطي المخدرات" و"الشذوذ الجنسي" في مجتمعاتنا بزعم أنها طهرانية وان تلك المشكلات تنتشر فقط في المجتمعات التي صنفناها "كافرة". وبخصوص التحرش الجنسي فأنني أميل إلى الفكرة القائلة بأن حساسيتنا المفرطة تجاه الاختلاط بين الجنسين، وسعينا الحثيث للفصل بينهما في أماكن العمل، والمدارس، والأسواق، والمستشفيات، وحتى في أماكن الترفية العائلي قد تكون من الأسباب التي تخلق بيئة مناسبة للتحرش الجنسي ولكن على نمط "تحرش يليق بنا". وقد تنطوي عبارتي على تناقض فالقارئ قد يتساءل: كيف يحصل التحرش الجنسي إذا كان الفصل بين الجنسين هو المعمول به في مجتمعنا؟ أقول للقارئ إن التحرش الجنسي ليس من الضرورة أن يصدر من رجل تجاه امرأة أو العكس، فالتحرش قد يأخذ صور أخرى كأن تمارسه سيدة بالغة تجاه شابة اصغر منها سنا، وقد يمارسه رجل تجاه شاب وخاصة في مدارسنا حيث يعاني بعض الطلاب صغار السن من تحرش أقرانهم بهم وان التحرش يصدر عادة من الطلاب الأكبر سنا، وهي المشكلة التي لا ينكر وجودها بعض التربويين الذين تحدثت معهم حول الأمر. لوحظ بهذا الصدد أن بعض الآباء اضطروا إلى نقل أبنائهم إلى مدارس خاصة بسبب تعرض أبنائهم إلى تحرش جنسي في المدارس العامة وبسبب عجز إدارات المدارس عن مواجهة المشكلة أو حتى الإفصاح عن وجودها كمشكلة تربوية. غني عن الذكر أن الاعتراف بوجود المشكلة يعد المدخل لحلها وان إنكار وجودها يعزز من وجودها بل انه يساعد على استفحالها. أما في بعض مدارس البنات فقد برزت ظاهرة يطلق عليها البعض "الإعجاب" وهي إعجاب الفتاة بفتاة أخرى وان هذا الإعجاب قد يتطور إلى ما هو أسوأ كأن تلجأ الفتاة التي تعجب بأخرى إلى تقمص دور الذكر، و اصطياد الضحية وجرها إلى"علاقة جنسية مثلية". وقد كتب عن هذا الموضوع، وكان هناك محاضرات لبعض التربويات تناولت المشكلة ولكن التناول كان على استحياء لأن معظمنا ينكر وجود المشكلة أصلا! انتهي إلى القول إن الفصل الشديد بين الجنسين يخلق نمطا من "التحرش الجنسي المثلي" وهو ما يجب دراسته وتناوله كمشكلة تربوية. أما "التحرش الجنسي المألوف" أو ما يحدث بين ذكر وأنثى أو العكس فله قصة أخرى وان مجتمعاتنا ليست بدعا في هذا الجانب فالظاهرة عالمية وليست قصرا علينا، عدا أنها تأخذ صورة أخرى في مجتمعاتنا العربية فتحرش الرجل بالمرأة ينطلق من اعتبارات اجتماعية وثقافية، ما يستلزم دراستها من خلال نظرية "علاقات الجندر" أو العلاقة بين الجنسين في إطاريها الاجتماعي والثقافي gender relations؛ وهو الموضوع الذي يحتاج إلى تعميق أكثر ولعل مقالة الدكتور فايز الشهري والمقالة الجريئة للكاتبة مها الحجيلان في جريدة الوطن تصب في هذا الجانب.

د.حميد الشايجي (اكاديمي سعودي)

أشكر الدكتور فايز الشهري على إثارة هذه المشكلة الهامة والحساسة التي بدت تتفشى في مجتمعنا، ولابد من الإشارة إلى أن مشكلة التحرش الجنسي تعد مشكلة عالمية موجودة في كافة المجتمعات سواء كانت محافظة أم منفتحة, وتصدر من كافة الفئات سواء كانت الغنية أو الفقيرة, المتعلمة أو الجاهلة. وما قام به الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون من تحرش بالمتدربة مونيكا لوينسكي إلا خير دليل على ذلك. مما يؤكد أن هذا السلوك سلوك مرضي يصاب به بعض الأشخاص (ذكوراً أو إناثاً وإن كان بين الذكور أكثر بحسب طبيعتهم وهرموناتهم الذكورية) مما يدفعهم إلى ممارسته ضد بعض الفئات المستضعفة في المجتمع. وبالتالي ما يدعيه البعض من أن تفشي هذه الظاهرة في المجتمع السعودي تعود إلى أسلوب الفصل بين الجنسين، والكبت الممارس على الذكور وتغطية المرأة لوجهها غير صحيح فالظاهرة موجودة في كافة المجتمعات، وبالتالي نحن نحتاج إلى تأهيل ممارسيها وتوعية أفراد المجتمع بمخاطرها وتقوية الفئات المستضعفة كالنساء والأطفال في مواجهة المتحرش وصده لكي لا يتمادى في سلوكه. كما يجب وضع أنظمة وعقوبات عاجلة لمن يثبت عليه ممارسة مثل هذا الفعل. وأخيراً فقد عالج الإسلام هذه القضية وأوصى بالحد من الاختلاط وعدم الخلوه بين الرجل والمرأة. كما أن نظم وتشريعات المملكة تحث على ذلك، حيث دعت إلى الاهتمام بشئون المرأة وتطوير قدراتها وإزالة المعوقات أمام مشاركتها في النشاطات التنموية في إطار ما تقضي به القيم والتعاليم الإسلامية (الأساس الإستراتيجي الثاني من خطة التنمية الثامنة للمملكة 1425-1429هـ).

مها فهد الحجيلان

التحرش الجنسي الذي تواجهه المرأة أثناء بحثها عن وظيفة - ( نقلا عن جريدة الوطن السعودية, العدد (2473) السنة السابعة ,الأحد 23 جمادى الآخرة 1428هـ الموافق 8 يوليو 2007م).
تمر بعض النساء في بلادنا بعقبات كثيرة حتى تجد وظيفة مناسبة وتستقر بها. بعض هذه العقبات ثقافية متغيرة من منطقة لأخرى، وبعضها يخص العائلة وظروفها. وبعضها الآخر له علاقة بالأنظمة والقوانين المتبعة في الجهة التي تريد أن تتوظف بها مثل أن تتقدم المرأة إلى قسم رجالي أو يكون الحل والربط في يد فلان الذي لن يحرك الملف إلا باتصالات ومتابعة شخصية يمكن أن تفتح أبوابا لدى بعض المعتوهين أو أن يكون هناك قسم نسائي غير متعاون فتضطر المتقدمة أن تتصل بمسؤول معين في هذه الجهة وتتعامل معه شخصيا لكي "تمشي" أمورها. ولا يوجد في هذا شيء إن كان هذا المسؤول شخصا عاقلا متوازنا ولكن المشكلة هي حينما يكون إنسانا استغلاليا ولديه مشكلات نفسية وربما أخلاقية في التعامل مع المرأة.
تشتكي كثير من السيدات السعوديات من مشكلة التحرش الجنسي أثناء التقديم على وظيفة أو حتى أثناء العمل خصوصا إن كان في وسط يشتغل فيه الرجال والنساء مع بعضهم البعض. تتنوع طرق التحرش وتتدرج من نظرات فاحشة إلى كلمات غزلية أو تعليقات على الجسد إلى محاولات للتقرب. وهذا يأخذ أشكالا مختلفة وأحيانا في حالة كون شخصية المرأة ضعيفة وغير مدبرة لأمورها قد تكون هناك محاولة للاعتداء على الجسد باللمس أو غيره.
ومن صور التحرش أن يجد موظف معين رقم جوال المتقدمة على الوظيفة من خلال ملفها ثم يتصل بها مراراً ويحاول معاودة الاتصال بحجج مختلفة لكي يوصل إليها رسالة مفادها أنه وحده هو القادر على مساعدتها وتثبيتها في هذه الوظيفة. وقد تستمر المسرحية ويطلب منها أمورا كثيرة كمقابلته أو غير ذلك من تصرفات مخجلة حتى يتلطف عليها بكرمه ويساعدها بالتوظيف لديهم. والبعض الآخر يعطل أمورها حتى تأتي بنفسها وتتحدث معه ثم تتصل به؛ وهنا قد يخبرها أنه وقع في حبها وأنه فهمها من أول نظرة وأنه قادر على إسعادها وغير ذلك من الترّهات التي يختلقها بعض الرجال وتقع فيها قليلات العقل.
وقد تكون صور التحرش غير واضحة في عبارة أو جملة يظهر فيها الموظف استحسانه لهذه السيدة مثلا كأن يمدح مظهرها أو صوتها أو شخصيتها أو خلاف ذلك ويقول بأنه يفخر بمساعدة أمثالها أو يشعر بالبهجة أن القدر أوقع به تحت أقدام هذه السيدة، أو أنه لا يعرف سببا لسعادته الغامرة هذا اليوم ولكن اكتشف أن ذلك راجع إلى مقابلته لهذه السيدة، وغير ذلك من السلوك المهين الذي تواجهه المرأة العفيفة. ويتعمد بعض الرجال المسؤولين عن التوظيف الاحتكاك بالمرأة لأي سبب سواء بالحديث معها ومحاولة التعرف أكثر عليها؛ ثم يأخذ هذه المعلومات ويستخدمها في خلق شخصية له يحاول بها جذب هذه المرأة أو الإيقاع بها بشكل معين.
التحرش الجنسي بالطبع غير محدود على ثقافة أو بلد بعينه، ولكن في ظل ظروفنا الخاصة من فصل بين الجنسين ومحاولة جادة في إبعاد الاتصال المباشر بينهما حتى تحت الظروف الرسمية إلا في حالة الضرورة؛ فإن المرأة تظل قليلة خبرة في كيفية التعاطي والتعامل مع مواقف التحرش والأشخاص الذين يتجرأون عليها لفظا أو فعلا. فالمرأة السعودية تخاف كثيرا من الفضيحة حتى وهي المظلومة؛ فهي في الغالب ستلام إن حصل لها اعتداء لأن الآخرين سيقولون إنها بلا شك ساهمت في استثارة هذا المعتدي. وفي ذهن هؤلاء الناس فإن طرق الاستثارة تكون إما بطريقة لبس المرأة التي قد يرونها مختلفة أو مثيرة وفقا لقوانينهم الثقافية، أو تكون في الكلام بطريقة عفوية أو غير حادّة، أو في أمور سلوكية أخرى مثل طريقة المشي أو النظرات التائهة وخلافها.
وحتى نكون واقعيين فإنه لا يمكن أن ننكر أن هناك سيدات يساهمن في تعزيز هذه الفكرة في كونهن يكسرن الكثير من المسلمات الثقافية ويضعن أنفسهن في مواقف حرجة ويتعاملن بطريقة غير ناضجة. ولكن حتى مع وجود هذه الفئة غير الواعية بين النساء فإنه لا تزال الغالبية العظمى من السيدات بعيدات عن هذه السلوكيات ولا يبحثن بشكل متعمد نحو شد انتباه أحد أو إثارة غرائز الرجال.

وإضافة إلى أن الناس سيلقون باللوم عليها فيما حصل لها حتى وهي الضحية، فإنه لا توجد قوانين واضحة تمنع التحرش وعقوبات صارمة معروفة تردع كل من تسول له نفسه أن يعتدي على أي سيدة مهما كانت ظرفها. وهذه الضبابية القانونية تفتح بابا واسعا للمعتدين وتجعل المرأة السعودية فريسة تكاد تكون سهلة.
ويجب أن نذكر أن من يقع في أيدي الأمن من معتدين على الأعراض والنساء فإنه بلا شك سيلاقي عقابا صارما؛ ولكن لا نعرف إن كان هناك عقاب مثلا لمن يعتدي على النساء بنظراته الفاحشة ويلاحقهن ويرمي عليهن الكلام أو يسألهن عن أرقامهن مثلا؟ وهذا ما أعنيه بالضبابية القانونية كون الكثيرين لا يعرفون بالضبط إن كان هناك قانون يمنع مثل هذا التصرف غير المقبول اجتماعيا ودينيا. وهل هناك قانون واضح يمنع التحرش الجنسي أثناء العمل؟ وهل تعمل وزارة العمل على أن تجعل هذا قانونا معلنا إن كان أصلا موجودا حتى ترتاح نفوس السيدات العاملات والمتقدمات ويعرفن حقوقهن ويطالبن بها عن طريق القنوات القانونية الصحيحة؟
الملاحظ على فئة عريضة من الرجال السعوديين أنهم للأسف لا يجدون حرجا في أن يطلقوا لأعينهم العنان في تفحص النساء وبشكل فج بعيد عن الحياء والحشمة. وما أعنيه هنا ليست النظرات الطبيعية العفوية؛ بل أعني تلك النظرات المشحونة والتي يتعمّد أن يظهر فيها الرجل معاني جنسية غير لائقة. والعجيب أن الكثيرين من هؤلاء لا يتورعون أن يلاحقوا بأعينهم نساء هن بعمر أمهاتهم؛ ولكن مع هذا تجدهم يسيرون خلفها ويطلبون رقمها عنوة، وكأن هذه السيدة فعلا ستنسى دنياها وكل من عرفت من أجل شاب لا يعرف الأدب ويعتقد أن عينيه الجائعتين فيهما سر سعادة كل امرأة!
الغريب أنه إن سألت هؤلاء الشباب لماذا يقومون بهذا العمل؛ فإنك ستجد الواحد منهم يقول لك في الغالب إنه رجل ولا يعيبه شيء؛ ثم إن هذا يدل على رجولته التي تدعمها الثقافة من خلال تشبيهه بالذئب الذي لا يؤتمن على الغنم! والبعض يؤكد أنه كونه غير مرتبط فلا يوجد ضرر!!
ولكن حينما نفكر بالرجل في الثقافات الأخرى غير العربية والتي لا تنتمي للشرق الأقصى أو الأدنى؛ فإننا نجد أنه لا يقوم الرجل بهذا الفعل مع النساء. بل إن لكل موضوع وقته ولكل نظرة معنى صحيحاً واحدا لا غلوطة فيه؛ فهل يعقل أن هؤلاء ليسوا رجالا؟ أم إنهم يعانون من مشكلة جنسية وأن العرب هم مختلفون عن غيرهم بالتركيبة، وكأنهم خلقوا من شيء آخر غير ما خلق منه البشر!! إنه لأمر مضحك ومخزٍ في الوقت نفسه فعلا أن يعتقد هؤلاء الشباب أنهم رجال بفعلهم هذا. وبكل صراحة فسلوكهم هذا هو دليل واضح على تدني مستوى تفكيرهم لأنه حينما تنحسر سلطة العقل تزيد هيمنة الغرائز.

وقد انسحبت هذه السلوكيات السلبية من الشارع إلى ميدان العمل، وأصبحت الكثير من الموظفات يشتكين من تحرش زملائهن بالنظرات، ولكن لا يمكن أن يمسك عليهم شيء لأنهم بلاشك سينكرون ويتهمون المرأة بأنها كاذبة أو معقدة أو موسوسة أو ربما مجنونة. وهذا يجعل تقريبا الجميع من هؤلاء الموظفات يتجاهلن هذه النظرات السيئة ويسرن بأعمالهن وكأن شيئا لا يحصل. أما الخطوة التي تلي النظرة فهي في العادة محاولة لاستلطاف السيدة؛ وهنا تبرز شخصية المرأة فهي إن كانت قوية وحازمة وواثقة من نفسها فهي ستقفل هذا الباب من بدايته ولن تتكرر معها أفعال أخرى إلا ما ندر في أن يكون مثلا بدافع تحد أو بغض. ولكن إن كانت ضعيفة أو غير واثقة بنفسها وهيئتها وقدراتها فهي ستقع في حبال كل من يلقي عليها كلمة رومانسية كونها ستتعلق بها معتقدة أن بها خلاصها وسعادتها.
وبغض النظر عن نتيجة هذه المحاولات، فإنه من المستنكر أن يتجرأ أي زميل عمل أو مدير أو مسؤول على الموظفة، لأن هذا يدل أنه بالفعل لا توجد قوانين واضحة ضد هذه السلوكيات المخجلة أو أن هناك اتفاقا رجاليا غير معلن في التكتل ضد المشتكية وقلب المشكلة عليها ولومها بما يحصل، وهذا يجعلها تخسر وظيفتها وتخرج بالفضيحة التي قد تلاحقها وتطارد أسرتها. وهذا المجتمع لا يرحم النساء حتى وإن كن مظلومات، لذلك فإنه من النادر أن نسمع بشكاوى ضد أشخاص بسبب تحرش جنسي أثناء العمل أو التقديم على وظيفة. كثيراً ما نسمع أن أمور السيدة الجميلة تتيسر حينما يقف على أمرها رجل وربما تتعطل كثيرا حينما تتولى أمورها امرأة. وهذا بالفعل يحصل ويجعل المرأة التي تعطل مصالح غيرها بتصرفاتها هذه غير المسؤولة تقوّي مركز الرجل دائما وتجعل النساء - بشكل عام - يحتجنه باستمرار؛ وبهذا يبقين ضعيفات معرّضات للاعتداء. فمتى تكسر المرأة هذه الحلقة؟ لذلك فإنه إضافة إلى سن قوانين واضحة وصارمة ضد التحرش الجنسي فإنه كذلك يجب أن نهتم بتأهيل سيدات يرتفعن بمستواهن العقلي عن السفاسف ويرتقين بإنتاجية العمل إلى مستوى المهنية المطلوبة.

عبدالله بن عبدالعزيز الحسين 
 
من باب شمول الموضوع الفت الانتباه الى أن هناك ما يسمى "بتحرش المحارم" وخاصة في مجتمعاتنا المحافظة وإن كانت لاتصل لمستوى الظاهرة الا انها موجودة وفي تزايد ملحوض حسب ما نقرأ ونسمع من قصص واقعية مع الأسف .. ويشمل هذا الأمر الصغار والكبار على حد سواء ،، اما بالنسبة للصغار فغالبا يتزامن ذلك مع فترة البلوغ ويكون لدى الفرد ( الأبن ) استعداد نفسي واستعداد مكتسب من ما يتعرض له من مثيرات جنسية متعددة من الوسائل والوسائط المختلفة في ضعف عام للثقافة الجنسية لدى النشأ ويكون هذا ايضا مقابل تفريط عند بعض الأسر في عدم التفريق بين الجنسين في الخلوات و خاصة في أماكن النوم التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين الأولاد والبنات في فيها ،، حيث يكون هناك تكشف غير مقصود اثناء النوم .. أما بالنسبة للتحرش الجنسي لدى الكبار فهو لايعدوا كونه مرض نفسي أو اثناء الوقوع تحت تأثير المخدر أو المسكر .. لكن لابد أن نعترف بأن هذا النوع من التحرش موجود في مجتمعنا وبحاجة الى مزيد من البحث وايجاد الحلول .
 

 أطبع المقال أرسل المقال لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6356699 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة