فهرس الموضوعات

حقوق الانسان والطفل

حُقوق الإنْسَان في الاسلام

ميثاق الطفل في الإسلام

اتفاقية حقوق الطفل

أيـــــذاء الـطـفـل

ماهو؟ من؟ لماذا؟ كيف؟

الاعتداء العاطفي

الاعتداء الجسدي

الاعتداء الجنسي

الإعتـداء بالإهـمـال

الإعتداء على الطفل الرضيع

العـنف الاســري

التعريف والتشخيص

مظاهره ومعالجاته

الوقــــايـة

العنـف المـدرسـي

المظاهر، العوامل، العلاج

العقاب البدني واللفظي

العنف في الاعلام

التأثير على الأطفال

إشكالية العنف في الإعلام

وسائل الترفيه للطفل المسلم

الإعاقة والأعتداء

عوامل الخطورة

الاعتداءات الجنسية

التربيه الجنسيه والتعامل الاجتماعي

التربية الجنسية للأطفال والمراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة

منوعـــــــــــــــات

قوانين وتشريعات

مطويات ونشرات

مختارات من المكتبات


الدراسات
المكتبة

منهج الإسلام في علاج النشوز

الكاتب : أ.د. محمد بن أحمد بن صالح الصالح

القراء : 12414

منهج الإسلام في علاج النشوز

 
أ.د. محمد بن أحمد بن صالح الصالح
 
    النشوز: هو امتناع المرأة عن أداء حقوق الزوجية.والزوج المثالي: هو الذي يتدرع بالصبر والحلم إزاء ما يصدر عن زوجته من إيذاء أو قصور أو تقصير، ويتحمل ما قد ينشأ من تصرفاتها، ويعاملها باللين والتسامح والعفو والصفح مستنيراً بما جاء في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) التغابن آية 14، وقال عليه السلام: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" وذلك لأنه إن كره منها خلقا سره آخر، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمنة مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر"، ومعنى لا يفرك: لا يمقت ولا يسخط.

ولأن المرأة لا تسلم احيانا من المخالفات أو تجاوزات في التصرفات احيانا، وبذل لذلك حديث ابي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع، وأعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته استمتعت بها على ما فيها، فاستوصوا بالنساء خيرا".
والصبر على الزوجة من خير الأعمال، ولون من ألوان القربة والطاعة، ومن أعظم الاسباب لبقاء الحياة الزوجية، واستمرار المودة والسعادة، لكن متى ظهرت من المرأة أمارات العصيان والتعالي والتمرد على زوجها، مثل ان تتثاقل إذا دعاها ولا تستجيب إليه إلا بتكره، وتخالف أمره وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير اذنه، فللزوج إذاً أن يتبع الأسلوب القرآني في العلاج من خلال قوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) - النساء: 34.

فالمنهج الإسلامي لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل وتعلن راية العصيان وتسقط مهابة القوامة، وتنقسم المؤسسة إلى معسكرين، فالعلاج حين ينتهي الأمر إلى هذا الوضع قلما يجدي، فلابد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز قبل استفحاله؛ لأن مآله إلى فساد في هذه المؤسسة الخطيرة لا يستقر معه سكن ولا طمأنينة ولا تصلح معه تربية ولا إعداد للناشئين في المحضن الخطير، ومآله بعد ذلك إلى تصدع وانهيار ودمار للمؤسسة كلها، وتشرد للناشئين فيها، أو تربيتهم بين عوامل هدامة مفضية إلى الأمراض النفسية والعصبية والبدنية، فالأمر يؤذن بشر مستطير، ولابد من المبادرة باتخاذ الإجراءات المتدرجة في علاج علامات النشوز منذ ان تلوح من بعيد.
وفي سبيل صيانة المؤسسة من الفساد أو من الدمار أبيح للمسؤول الأول عنها أن يزاول بعض أنواع التأديب المصلحة في حالات كثيرة لا للانتقام ولا للإهانة ولا للتعذيب، ولكن للاصلاح ورأب الصدع في هذه المرحلة المبكرة من النشوز: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً).

وبيان الخطوات التي أرشدت إليها الآية الكريمة كما يلي:
1- الوعظ المتضمن النصوص الشرعية وبيان المصالح المترتبة على امتداد الحياة الزوجية:
فيلزم الزوج أن يذكر الزوجة بخطاب الوعظ وخطاب العقل والاقناع، ويخوفها بالله سبحانه، ويذكرها بما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية، وما يسقط بذلك من حقوقها من النفقة وسائر الحقوق، وما يباح له من هجرها، يذكرها بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من بيان منزلة الزوج وما له من حقوق، كقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) (النساء: 34)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح).
وقوله: (لو كنت آمراً أن يسجد أحداً لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).
وقوله صلى الله عليه وسلم (إذا صلت المرأة فرضها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي أبواب الجنة أيها شئت).
وقوله عليه السلام (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة).

ولنقرأ حديث أسماء بنت زيد بن عبدالأشهل حين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، فقالت: السلام عليك ياسيدي يارسول الله بأبي أنت وأمي، أنا وافدة النساء اليك، إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، وبما جئت به، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضي شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج والعمرة بعد العمرة، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإن الرجل اذا خرج حاجا أو معتمرا أو مجاهدا، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفلا نشارككم في هذا الأجر والخير؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسائلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يارسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي الى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها فقال: أفهمي أيتها المرأة، وأعملي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله: فانصرفت المرأة وهي تهلل). وإذا لم يبلغ الزوج الغاية ولم يتحقق له الهدف في إعادة المرأة إلى صوابها بالوعظ فإنه يعمل على استجاشة مشاعرها وإثارة عواطفها واستنهاض عزيمتها وتذكيرها بمكارم الأخلاق ومحاسن الفعال والمصالح العظيمة المترتبة على امتداد الحياة الزوجية، وببيان المساوئ والأضرار والمفاسد والشرور التي تنتج عن الفرقة بالطلاق على المرأة وعلى الذرية وعلى الزوج وعلى أسرتيهما بل وعلى المجتمع والآثار التي تمتد إلى البيئة من جراء تصدع الأسرة، وإذا لم يجد ذلك كله انتقل إلى علاج النشوز بالهجر.

2- الهجر ويأتي على أسلوبين: إذا لم يفلح الوعظ في علاج المشكلة انتقل إلى وسيلة أخرى في العلاج وهو الهجر، والهجر على أسلوبين:
الأول: هجرها في الكلام مدة لا تزيد على ثلاثة أيام، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
ولا ريب أن حق الزوجة في حسن الصحبة أولى.
الأسلوب الثاني: الإعراض عنها في المضجع بأن يوليها ظهره، أو يترك مخدعه، لعلها تعود إلى الصواب وتقلع عن التمرد والعصيان.
على ألا يطول هذا الهجر مدة تضر بها، أو تحملها على الوقوع في الزلة.

3- الوسيلة الثالثة: الضرب غير المبرح: إذا لم يفد الوعظ والهجر، بأن أصرت المرأة على إعراضها، ولم تتب إلى رشدها، فهناك إجراء ولو أنه أعنف ولكنه أهون وأولى من تحطيم الأسرة كلها بالنشوز (واضربوهن)، واستصحاب المعاني السابقة كلها واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيبا وانتقاماً وتشفياً، ويمنع أن يكون إهانة يقصد به الاذلال والتحقير، ويمنع أن يكون ايضا للقسر والإرغام على معيشة لا ترضاها، وإنما يكون ضرب تأديب مصحوب بعاطفة المؤدب المربي كما يزاوله الأب مع أبنائه، وكما يزاوله المربي مع تلميذه، ومعروف بالضرورة أن هذه الإجراءات لا موضع لها في حالة الوفاق بين الشريكين في الأسرة العظيمة، وإنما هي لمواجهة خطر التصدع والانحلال، فهي لا تكون الا اذا كان هناك انحراف.

وحين لا تجدي الموعظة ولا يجدي الهجر في المضاجع لابد أن يكون هذا الانحراف من نوع آخر ومن مستوى آخر لا تجدي فيه الوسائل الأخرى وقد تجدي فيه هذه الوسيلة، وشواهد الواقع والملاحظات النفسية على بعض أنواع الانحراف تقول إن هذه الوسيلة تكون أنسب الوسائل لمنع انحراف نفسي معين وإصلاح سلوك صاحبه في الوقت ذاته".
وهذا الضرب يجب أن يكون ضرباً هادئاً هيناً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح".
وقال العلامة القرطبي - رحمه الله -: "أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً ثم بالهجران، فإن لم ينجحا فالضرب فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على الوفاء بحقه، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها فإن المقصود منه الإصلاح لا غير فلا جرم أنه اذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان).

وعليه أن يحتسب الوجه والمواضع المخوفة؛ لأن مقصود الإسلام التأديب لا الإتلاف، لحديث الحكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يارسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
قال العلامة ابن عاشور - رحمه الله - "وعندي أن تلك الآثار والأخبار محمل الإباحة فيها انها قد روعي فيها عرف بعض الطبقات من الناس أو بعض القبائل، فإن الناس متفاوتون في ذلك وأهل البدو منهم لا يعدون ضرب المرأة اعتداء ولا تعده النساء أيضا اعتداء.. فإذا كان الضرب مأوذنا فيه للأزواج دون ولاة الأمور، وكان سببه مجرد العصيان والكراهية دون الفاحشة، فلا جرم أنه اذن فيه لقوم لا يعدون صدوره من الأزواج إضراراً ولا عاراً ولا بدعا من المعاملة في العائلة ولا تشعر نساؤهم بمقدار غضبهم إلا بشيء من ذلك". وليعلم أن ضرب النساء منهي عنه من حيث الأصل، قال أمير المحدثين أحمد بن حجر - رحمه الله -: "وقد جاء النهي عن ضرب النساء مطلقاً، فقد أخرج أحمد وأبي داود والنسائي وصححه بن حبان والحاكم من حديث اياس بن عبدالله بن ابي ذباب: (لا تضربوا إماء الله)، وقد أخرج النسائي في الباب حديث عائشة: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة ولا خادماً قط، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله). وقد بوب البخاري - رحمه الله - باب ما يكره من ضرب النساء، واورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العير ثم يجامعها آخر اليوم) قال عطاء - رحمه الله - لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه، ولكن يغضب عليها، قال العلامة ابن العربي - رحمه الله -: "هذا من فقه عطاء، فإنه من فهمه بالشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب هاهنا أمر إباحة، ووقف على الكراهية من طريق أخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن زمعة: إني لأكره للرجل يضرب امرأة عند غضبه ولعله أن يضاجعها من يومه، وروى ابن نافع عن الإمام مالك رضي الله عنه عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استؤذن في ضرب النساء فقال اضربوا ولن يضرب خياركم فأباح، وندب إلى الترك، وإن في الهجر لغاية الأدب". قال العلامة الطاهر ابن عاشور - رحمه الله -: "والمخاطب بضمير (تخافون): إما الأزواج فتكون تعدية (خاف) إليه على أصل تعدية الفعل إلى مفعوله نحو (فلا تخافون وخافون) ويكون إسناد (فعظوهن) (واهجروهن) (واضربوهن) على حقيقته، ويجوز أن يكون المخاطب مجموع من يصلح لهذا العمل من ولاة الأمور والأزواج، فيتولى كل فريق ماهو من شأنه وذلك نظير قوله تعالى في سورة البقرة (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا الا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله)، فخطاب (لكم) للأزواج وخطاب (فإن خفتم) لولاة الأمور كما في الكشاف قال: ومثل ذلك غير عزيز في القرآن، يريد أنه من قبيل قوله تعالى في سورة الصف (تؤمنون بالله ورسوله) إلى قوله (وبشر المؤمنين) فإنه جعل (وبشر) عطفا على (تؤمنون) أي: فهو خطاب للجميع لكنه لما كان لا يأتي إلا من الرسول خص به، وبهذا التأويل أخذ عطاء إذ قال: لا يضرب الزوج امرأته ولكن يغضب عليها، قال ابن العربي: هذا من فقه عطاء وفهمه للشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد؛ لأنه علم أن الأمر بالضرب هنا أمر إباحة ووقف على الكراهية من طريق أخرى كقول النبي صلى الله عليه وسلم "ولن يضرب خياركم"، وأنا أرى لعطاء نظرا أوسع مما رآه له ابن العربي: وهو أنه وضع هذه الأشياء مواضعها بحسب القرائن ووافقه على ذلك جمع من العلماء قال ابن فارس: وأنكروا الأحاديث المروية بالضرب، وأقول: أو تأولوها".

* ومن الخطوات:
* ضرب النساء لا يتفق مع المنزلة السامية للزواج في الكتاب والسنة:
مما تقدم يعلم أن ضرب النساء منهي عنه، وكونه مأذوناً فيه للأزواج أمر مختلف فيه بين أهل العلم، ومن أباحه فسره بما لا يمكن عده ضرباً في مفهوم الناس اليوم وهو الضرب بالسواك ونحوه على أن الضرب الذي يعني الإهانة والإذلال بالركل والصفع والإيذاء لا يتفق مع العلاقة الحميمة الفريدة والمتميزة التي اراد الله ان تكون بين الأزواج كما في قوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم 21، وما اشتملت عليه من السكون إليها والمودة والرحمة، وبما جاء في قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) البقرة 187، وبما جاء في وصف عقد الزواج بالميثاق الغليظ، (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) النساء(21).

فكيف يتناسب أسلوب الضرب مع قوة العلاقة وشدة الصلة والروابط المتميزة بين الزوجين مع الحديث عن الضرب العنيف والاعتداء الجسيم، فلابد إذن أن يكون للضرب الوارد في الآية له معنى آخر وهو ما نبينه فيما يأتي:
المراد بالضرب عند فريق من الباحثين: ذهب بعض الكتاب إلى أن المقصود بالضرب في الآية (34) من سورة النساء (مفارقة الرجل بيت الزوجية مدة معينة)، ومأخذ هذا القول أمران:

الأول: أن الضرب قد ورد في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، وإذا تتبعناها وجدناها (52) موضعاً، منها (42) موضعاً الضرب فيها بمعنى الترك والمفارقة والاعتزال ومعاني أخرى ليس منها الضرب المعروف عند عامة الناس، فيحمل معنى الضرب في آية سورة النساء على هذا المعنى الغالب الشائع للضرب في القرآن، منها: قال تعالى في سورة البقرة: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها) الآية: 26، وقوله تعالى: (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) 273، وقوله تعالى في سورة النساء: (ياأيها الذين امنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) 94، وقوله تعالى: (وإذا ضربتم ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) 101، وقوله تعالى في سورة الرعد: (كذلك يضرب الله الأمثال) 17، وقوله تعالى في سورة إبراهيم: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة) 24، وقوله تعالى: (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) 25، وقوله تعالى: (وضربنا لكم الأمثال) 45، وقال تعالى في سورة النحل: (فلا تضربوا لله الأمثال) الآية 74، (ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً) الآية 75، (وضرب الله مثلا رجلين) الآية 76، (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة)
112.وقال تعالى في الإسراء: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) الآية 48.وقال تعالى في سورة الكهف (فضربنا على اذانهم في الكهف) الآية 11، وقال تعالى: (واضرب لهم مثلاً رجلين) الآية 32، وقال تعالى: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا) الآية 45.

وقال تعالى في سورة طه: (فاضرب لهم طريقاً في البحر) 77، وقال تعالى في سورة الحج: (ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له) الآية 73، وقال تعالى في سورة النور: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن.. ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين.. ) الآية 31، وقال تعالى: (وكلاً ضربنا له الأمثال) الآية 39، وقال تعالى في سورة العنكبوت: (وتلك الأمثال نضربها للناس) الآية 43، وقال تعالى في سورة الروم: (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم) الآية 28، وقال تعالى في سورة يس: (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه) الآية 78، وقال تعالى في سورة الزمر: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) الآية 27، وقال تعالى: (ضرب الله مثلاً رجلا فيه شركاء) الآية 29، وقال تعالى في سورة الزخرف: (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً) الآية 17، وقال تعالى في سورة الحشر: (وتلك الأمثال نضربها للناس) الآية 21، وقال تعالى في سورة التحريم: (ضرب الله مثلا للذين كفروا..) الآية 10، وقال تعالى: (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا) الآية 11.

الأمر الثاني: إن هذا المعنى للضرب تؤيده سنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية حينما اعتزل نساءه عندما طالبنه بما لا قدره له عليه من النفقة فهجر بيته وأقام في مشربة - وهي الغرفة المرتفعة - شهراً كاملاً حتى نزلت آية التخيير 28- 29سورة الأحزاب.
وبناء على ما تقدم يمكننا القول بأن ضرب المرأة بالمفهوم الذي يفعله بعض الجهلة من الرجال الإسلام منه براء، ولا يمكن أن يكون مما تبيحه الشريعة، ويتعين منعه والمعاقبة على فعله.

قال العلامة الطاهر بن عاشور - رحمه الله -: "يجوز لولاة الأمور إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها ولا الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوا لهم أن من ضرب امرأته عوقب؛ كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج لا سيما عند ضعف الوازع الديني".
"وعلى أية حال فقد جعل لهذه الاجراءات حد تقف عنده متى تحققت الغاية عند مرحلة من مراحل هذه الإجراءات فلا تتجاوز إلى ما وراءها فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة مما يدل على أن المراد بالغاية الطاعة هي المقصودة وهي طاعة الاستجابة لا طاعة الإرغام فهذه ليست طاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة قاعدة الجماعة ويشير النصر إلى أن المضي في هذه الإجراءات بعد تحقق الطاعة بغي وتحكم وتجاوز فلا تبغوا عليهم سبيلاً".

فإذا استجابت المرأة للنصح وعادت إلى امتثال أمر ربها وطاعة زوجها، تعين على الزوج التمسك بها والمحافظة عليها وإيفاءها حقوقها، وامتنع عليه الطلاق إذ إن الطلاق مع استقامة الأحوال يعد جناية على المرأة وظلم لها وإجحافاً بحقها وعدوناً عليها، قال الله تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً) وعندما استأذن أبو أيوب رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في طلاق أم أيوب، قال عليه السلام: إن في طلاق أم أيوب حوبا - أي إثما - وجاء رجل إلى الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه فقال إني أريد أن أطلق امرأتي فسأل الخليفة رضي الله عنه مستنكراً ومستغرباً لم؟ فقال الرجل: لأني لا أحبها، فقال الخليفة رضي الله عنه: ويحك أفاكل والبيوت تبنى على الحب فحسب أين التحمل أين الحياء أين المروءة واين الوفاء؟ إن الإنسان ينبغي ان يكون في هذا تقياً) وفوق ذلك كله قول الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيمتوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً). الآية 19من سورة النساء.

فأمر الله جل وعلا الرجال بأن يتهموا أنفسهم متى ضاقت صدورهم من نسائهم بأن ما وقع في نفسه من الكره فقد يكون في المرأة خير كثير من إنجاب ولد صالح، وطاعة الزوج، ورعاية المنزل، والوفاء بحقوق الزوجية، على أن وسائل العلاج السابقة ليست نهاية المطاف.
فهنا وسيلة خامسة وهي إسناد الأمر إلى محكمين من أهل الزوج ومن أهل الزوجة تتوافر فيهم صفات الحنكة والحكمة والعقل والفهم وإدراك المصلحة، وذلك للنظر فيما وقع من الخلاف بين الزوجين، مع بذل الجهد في رأب الصدع وجبر الكسر ومداواة الجراح وإصلاح العلاقة وإعادة المياه إلى مجاريها، وتلمس أسباب الخلاف وللتعرف على مصدر الخطأ والخلل: وإذا صح من الحكمين الرغبة في الإصلاح وعلاج المشكلات فقد ينتهي الأمر إلى الوفاق والتصافي قال تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً) النساء 35.

وهكذا لا يدعو المنهج الإسلامي إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية؛ ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح وتحطيم الأسرة على رؤوس من فيها من الكبار والصغار الذين لا ذنب لهم ولا يد ولا حيلة، فالأسرة عزيزة على الإسلام بقدر خطورتها في بناء المجتمع وفي إمداده بالعناصر الجديدة اللازمة لنموه ورقيه وامتداده، إنه يلجأ إلى هذه الوسيلة الأخيرة عند خوف الشقاق فيبادر قبل وقوع الشقاق فعلاً يبعث حكم من أهلها ترتضيه وحكم من أهله يرتضيه يجتمعان في هدوء بعيدين عن الانفعالات النفسية والرواسب الشعورية والملابسات المعيشية التي كدرت صفو العلاقات بين الزوجين، من هذه المؤثرات التي تفسد جو الحياة وتعقد الأمور وتبدو لقربها من نفسي الزوجين كبيرة تغطي على كل العوامل الطيبة الأخرى في حياتهما، حريصين على سمعة الأسرتين، مشفقين على الأطفال الصغار، بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما على الآخر كما قد يكون الحال مع الزوجين في هذه الظروف، راغبين في خير الزوجين وأطفالهما وأسرتهم المهددة بالدمار، وفي الوقت ذاته هما مؤتمنان على أسرار الزوجين؛ لأنهما من أهلهما لا خوف من تشهيرهما بهذه الأسرار؛ إذ لا مصلحة لهما في التشهير بها، بل مصلحتهما في دفنها ومداراتها، يجتمع الحكمان لتحقيق الإصلاح فإن كان في نفسي الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما).

الإمام ابن تيمية - رضي الله عنه - يقول: "فإن رأى الحكمان المصلحة أن يجمعا بين الزوجين جمعا، وإن رأيا المصلحة أن يفرقا بينهما فرّقا: إما بعوض تبذله المرأة فتكون الفرقة خلعاً إن كانت هي الظالمة، وإن كان الزوج هو الظالم فرّق بينهما بغير اختياره".
النهاية لعلاج المشكلة: إذا استحكم الخلاف واستشرى النزاع وتعذر التصافي والوفاق وأصبح الزواج جحيماً لا يطاق جاء تطبيق قوله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً) سورة النساء.
 

 أطبع المقال أرسل المقال لصديق


[   من نحن ? |  البوم الصور | سجل الزوار | راسلنا | الصفحة الرئيسية ]
عدد زوار الموقع : 6544141 زائر

مجموعة المسـاندة لمنع الاعتداء على الطفل والمرأة

جميع الحقوق محفوظة